“هما سبب البلاوى اللى احنا فيها”. الجملة السابقة جاءت فى سياق حوار بين أحمد  الذى تعدّى عمره الأربعين ويعمل معلما أول بإحدى المدارس الأبتدائية  بمحافظة الإسماعيلية، وشقيقه الأصغر محمود  الذى يعمل موظف بالمحليات فى نفس المحافظة. وكان حوارهما يدور حول إرتفاع الأسعار الجنونى الذى يدور فى مصر.

“هما سبب البلاوى اللى احنا فيها”. الجملة السابقة جاءت فى سياق حوار بين أحمد  الذى تعدّى عمره الأربعين ويعمل معلما أول بإحدى المدارس الأبتدائية  بمحافظة الإسماعيلية، وشقيقه الأصغر محمود  الذى يعمل موظف بالمحليات فى نفس المحافظة. وكان حوارهما يدور حول إرتفاع الأسعار الجنونى الذى يدور فى مصر.

والمقصود بـ “هم” في جملة أحمد محلات الصرافة التي يتهمها بأنها السبب وراء ارتفاع سعر الدولار الذى تخطى سعره فى السوق الموازية حاجز الـ 11 جنيها، وبالتالى ارتفعت كافة أسعار السلع خاصة وأن مصر دولة مستوردة بالدرجة الأولى، سواء للخامات أو للمنتجات الجاهزة.

ورغم أن حديث أحمد لم ينل رضا شقيقه الأصغر الذي ألقى باللوم على الحكومة كونها هي المنظمة لكل مايتعلق بحركة التجارة، إلا أن قرار طارق عامر محافظ البنك المركزى المصرى نهاية شهر إبريل الماضي جاء ليدعم موقف أحمد أمام شقيقه.

وكان القرار قد نص على غلق عدد من شركات الصرافة، والتى إتهمها عامر في قراره بأنها السبب وراء أزمة الدولار، بدعوى امتناعها عن عرضه مما سبب في ارتفاع سعره بالسوق.”

حوار الأخوين هو حوار غدا متكررا في المجتمع المصري بعد أن تفاقمت أزمة الدولار، وأصبح أثرها ملموسا على حياة الكثيرين. ووفقا لبيانات البنك المركزى فان  111 شركة بفروع يصل عددها إلى 650 فرعا، تعمل فى مجال الصرافة. وتم إغلاق مايقرب من العشرين شركة خلال الشهور الماضية، كان آخرها شركة النوران للصرافة بجميع فروعها، والتى تم إغلاقها  طبقا لبيان صادرعن لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان نهاية شهر مايو من العام الحالى، بدعوى  “ثبوت قيام الشركة والعاملين بها من عناصر الجماعة الإرهابية بالمضاربة على العملات الأجنبية وبتجميع عملة الدولار الأمريكي والتلاعب بسعره خارج السعر المعلن من البنك المركزي”.  

استحواذ من المنبع

إتهام شركات الصرافة بالتسبب فى أزمة الدولار بدعوى أنها شركات “إخوانية” لم يقتصر على الجهات الحكومية، بل وصل  لبعض لممثلى الشعب المصري، بعد أن  طالب عصمت زايد، عضو لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، بغلق جميع مكاتب الصرافة المخالفة التابعة لجماعة الإخوان، أو أي شركة تتبع الجماعات الإرهابية سواء بصلة قريبة أو بعيدة متهما تلك الشركات بالعمل على جمع العملات الصعبة الموجودة بالدولة، وتخزينها ومنع صرفها بهدف المضاربة بأسعار العملات الأجنبية بسعر الصرف المعلن بالبنك المركزى.

ولكن هل من الممكن أن تتسبب شركات الصرافة عامة والاخوانية منها على وجه الخصوص فى إحداث ازمة الدولار؟

هذا السؤال وجهته للمحلل الإقتصادي عبدالفتاح علي والذي قال: “أيوة طبعا ..لأن أكبر شركات الصرافة يمتلكها الإخوان، وحتى بعيدا عن الإخوان فإن شركات الصرافة باتت فى الملعب لوحدها بعد إكتفاء الدولة بدور “الموظف الخايب” الذى يكتفي بالبقاء على مكتبه دون القيام بدوره المنوط به”.

يفسر عبدالفتاح الدور الذي تلعبه شركات الصرافة لخلق الأزمة حاليا بأن البعض من أصحابها  كشركة الصيارفة المتحدون، يعتبر واحدا من  أقوى تجار العملة في مصر، رغم قلة عدد فروعه المرخصة، لكنه يملك القدرة على”خلق” أي مبلغ من الدولارات، في أي وقت وفي أي مكان، ولأي شخص طبيعي أو اعتباري، وله علاقات قوية للغاية ببنوك ومؤسسات مالية ورجال أعمال من الوزن الثقيل.

أما الأمر الأخطر والذى باتت تلعبه شركات الصرافة حاليا كما يقول عبدالفتاح، يتعلق بمسألة تحويلات المصريين من الخارج، والتى تعد أحد أهم موارد الدخل القومى من العملة الصعبة موضحا  أنه قبل تطور أزمة الدولار في مصر، كانت أغلب التحويلات تدخل البنوك، وتستقر فيها، في حين كانت نسبة 10% فقط تذهب لشركات الصرافة، ثم تطور الأمر بعد الثورات وارتفعت النسبة من 40% إلى ما يقترب من 70% من التحويلات تستقر لدى شركات الصرافة، بعد أن يتم سحبها من البنوك رغبة في الحصول على فارق السعر الذي بدأ هو الاخر يزداد ليكون مطمعا حتى مع الدولارات الصغيرة المحولة من الخارج.

يضيف قائلا: “بعض أصحاب شركات الصرافة، أو بمعنى أدق بعض أباطرة الدولار في مصر، قرروا اللعب في المنبع، واختاروا السعودية لأنها الملعب الأوسع والأكبر والأضخم (12 مليار دولار)، وعن طريق وسطاء وسط تجمعات المصريين هناك، حدث الاتفاق على الحصول على مبلغ التحويل (بالدولار) مقابل دفع مقابله بالجنيه في مصر، وبسعر يفوق سعر الدولار في السوق السوداء من قرشين إلى خمسة قروش، وبالتالى استحوذوا على النسبة الأكبر من الدولار وباتوا متحكمين فيه داخل مصر”.

شركات الصرفة ملتزمة بسعر البنك

لم يتسنَ لنا الاتصال بشركة الصيارفة المتحدون، أو شركة النوران للصرافة، لذلك جمعنا الإتهامات السابقة ونقلناها إلى أحمد المهدى صاحب أمون للصرافة والتى تعد من أبرز الشركات فى ذلك المجال في الإسماعيلية، لينفي تلك الإتهامات جملة وتفصيلا قائلا: “ما علاقة الشركات بأزمة الدولار؟ هو احنا اللى ضربنا السياحة ولا وقفنا الصناعة وقولنا للمصريين ماتحولوش دولارات لمصر؟”.

وتابع قائلاً: “سوق الدولار عرض وطلب، وطالما كان متوافرا عمره ماهتحصل أزمة فيه ولا سعره هيغلى، والجميع يعلم أن الاحتياطي النقدى لمصر أصبح خاويا وبالتالى لم يعد الدولار متوافر، وبالتأكيد سيزيد سعره وستكون هناك سوق موازية لبيعه بأسعار أعلى من مثيلتها فى البنوك أو حتى شركات الصرافة”.

ويؤكد المهدى إلتزامه ونظرائه ببيع الدولار  بالسعر الرسمى للبنوك والذى يبلغ حاليا 8.88 مؤكدا على أحقيته بالحصول على هامش ربح لايقل عن خمس قروش فى كل دولار، وهو الهامش التى أقرّه البنك المركزي ويصل إلى خمسة عشرة قرش أيضا فى أحيان أخرى.

لكن التزام شركات الصرافة بالسعر الرسمي يكون على ما يبدو فقط فى أوقات محددة والتي من المتوقع فيها أن تكون هناك حملات تفتيش من الجهات الرقابية، هذا مايؤكده المهندس محمد جامع والذي عاد للإستقرار فى مصر بعد رحلة عمل فى المملكة العربية السعودية، مؤكدا أنه تلقى عدة نصائح من بعض زملائه بالذهاب إلى شركات صرافة بعينها والتى ستشتري منه الدولار بأسعار أعلى من السعر الرسمى وصل حاليا إلى11 جنيه، ولكن بشرط أن يذهب لهم فى الفترة المسائية، وهو ماوجده فعلا في معظم شركات الصرافة على حد وصفه.

“الحكومة أرادت حل الأزمة ففاقمتها”

أما محمد الأبيض رئيس شعبة الصرافة بالغرفة التجارية المصرية، فلم ينفي ماقاله جامع، فى نفس الوقت الذي يرفض فيه إتهام شركات الصرافة بالتسبب في الأزمة ولكنه عاد ليؤكد أن نفس الشركات أستغلت الأزمة لصالحها دون أن تكون هى من تسبب بها.

يقول الأبيض: “أزمة إرتفاع سعر الدولار مابدأتش اليومين دول، ولكنها بدأت منذ ثورة يناير، بعد أن تعرض الإقتصاد القومى لضربات متتالية أفقدته موارده من العملة الصعبة وأبرزها الدولار، نتيجة إنهيار السياحة وتوقف التصدير وإنخفاض تحويلات المصريين بالخارج لعدم ثقتهم فى النظام الحاكم، وبالتالى لم يعد الدولار موجودا بوفرة ومن هنا بدأت الازمة”.

يضيف قائلا: “المشكلة أن الحكومة  أرادت معالجة الأزمة فتسببت في أزمة أكبر، فبعد سلسلة الإجراءات التي إتخذتها من وضع حد أدنى للإيداع الشهر لايزيد عن 50 الف دولار، ومعاقبة شركات الصرافة بإغلاقها، شعر الجميع بأن هناك ازمة حقيقية وأن الدولار فى طريقه للإرتفاع وهذا ماحدث فعلا، فأحجم حائزو الدولار عن بيعه تحسبا لإرتفاعه ولجأ أخرون للشراء كى يستثمروا فيه، أما التجار ورجال الأعمال الذين لهم علاقات تجارية من الخارج، فلجأوا لتصريف أنفسهم بالشراء من وسطاء عبر الدول العربية ومن هنا بدأت السوق السوداء تتحكم فى سعر الدولار.”

ما هو الحل؟

وعن أبرز الحلول للخروج من تلك الأزمة ،فينادى الأبيض بضرورة الإعتماد على التصنيع المحلى وغلق باب إستيراد السلع الكمالية والترفيهية حتى تتوفر كميات مناسبة من الدولار، بجانب خضوع شركات الصرافة لرقابة حقيقية وفعاله ومحاسبة المخطئين طبقا للقوانين وليس الأهواء.

أما المحلل الإقتصادى عبدالفتاح علي فيؤكد على ضرورة قيام الدولة بإنشاء شركات صرافة خاصة بها بدلا من الإكتفاء بشركة مصر للصرافة المملوكة بالكامل لبنك مصر، والتي تملك 10 فروع فقط، تمثل تقريبا 1.3% من سوق الدولار، وبالتالى فلا تملك الدولة الإدارة الفعلية لسوق الدولار ، وأما فى حال قيام البنك المركزى بإصدار قرارات للبنوك العامة بإنشاء صرافات خاصة بها فسيكون هناك مايقرب من 15 شركة صرافة تملك حوالى 150 فرعا وبالتالى ستصبح قدرة البنك المركزى أقوى فى السيطرة على زمام الامور.