أصبح مشكل التلوث في سواحل قصيبة المديوني بمحافظة المنستير التي كانت معروفة بجمال بحرها ونقاوة شواطئها مصدر قلق كبير لدى الأهالي ولاسيما البحارة الذين بات رزقهم مهددا بالكساد جراء تفاقم الفضلات والأوساخ.

فالبحر الذي طالما شكل مصدرا أساسيا للرزق في هذه المدينة، باعتبار أن عديد العائلات تنشط أبا عن جد منذ سنين طويلة في مجال الصيد البحري، لم يعد ذلك المكان الذي تأتيه الأسماك نتيجة تعكر لونه ونتانة رائحته وتلوثه.

أصبح مشكل التلوث في سواحل قصيبة المديوني بمحافظة المنستير التي كانت معروفة بجمال بحرها ونقاوة شواطئها مصدر قلق كبير لدى الأهالي ولاسيما البحارة الذين بات رزقهم مهددا بالكساد جراء تفاقم الفضلات والأوساخ.

فالبحر الذي طالما شكل مصدرا أساسيا للرزق في هذه المدينة، باعتبار أن عديد العائلات تنشط أبا عن جد منذ سنين طويلة في مجال الصيد البحري، لم يعد ذلك المكان الذي تأتيه الأسماك نتيجة تعكر لونه ونتانة رائحته وتلوثه.

يمد البحار عياش الطرابلسي بصره للبحر متنهدا وهو يسترجع ذكريات جميلة كانت منحوتة في مخيلته حول سواحل قريته محركا رأسه يمينا ويسارا مشيرا إلى شعوره بإحباط عميق عن تحول منطقته إلى ما يشبه مصب فضلات.

انتكاسة

بصوت تشعر عند سماعه بغضب ممزوج بالقهر يقول لمراسلون إن أوضاع الصيادين “انتكست” بسبب استفحال التلوث الذي أصاب رزقهم في مقتل بعد هروب الأسماك وانتشار نبتة سلطة البحر التي تكتسي سطح البحر.

وهذه النبتة التي تكونت بفعل تراكم الفضلات والأوساخ في ظل غياب أشغال التطهير، أصبحت تحجب الشمس والأوكسيجين عن الفضاء المائي مما تسبب في اندثار الثورة السمكية تحت سطح هذا البحر وانقطاع رزق البحارة.

وليس بأقل حسرة من عياش تحدث زميله البحار محمد الزنزري عن تدهور أوضاع أهالي قريته فقد أصبح قدر أغلبهم بين مطرقة ضيق الحال وسندان تكاثر الحشرات والنباتات السامة والأوبئة والأمراض في مكان كان سحره خياليا.

يقول محمد متأففا في حديثه لمراسلون “لقد اندثر كل شيء جميل في هذا المكان بعدما كان في السابق محضنة تبيض فيها الأسماك. الآن لم يعد سوى بؤرة ملوثة تتكاثر فيها الحشرات والنباتات السامة والروائح الكريهة”.

ولم تكن اليابسة أوفر حظا من ساحل البحر فقد تضررت بدورها جراء التلوث الذي امتد طولا وعرضا إلى عمق مناطق فلاحية محاذية على غرار المنطقة الفلاحية بئر عماش الواقعة بمدينة طبلبة المحاذية لمدينة قصيبة المديوني.

مياه ملوثة

وقد أصبحت مثل هذه المناطق منكوبة بيئيا جراء امتداد قنوات الصرف الصحي على مزارع شاسعة ما أثر سلبا على إنتاج الخضر مثل الفلفل والطماطم والبطاطس والأشجار المثمرة نتيجة تكاثر الحشرات الضارة والنباتات السامة.

يعود سبب هذا المشكل إلى تصريف مياه الصرف الصحي، التي تفوق طاقة استيعاب محطات التطهير، مباشرة في البحر وفي المناطق الفلاحية المحاذية إضافة إلى صرف مياه ملوثة من مؤسسات صناعية ومياه الأدوية المعفنة.

ومياه الصرف الصحي الذي تلقيه الشركة التونسية للتطهير الحكومية في بحر مدن خنيس وقصيبة المديوني وطبلبة ولمطة وصيادة (مناطق ساحلية تقع على امتداد خليج المنستير) حولت هذه المدن من أماكن يستطاب بها العيش إلى أماكن منكوبة.

صابات متلفة

هذا الأمر جعل عديد الفلاحين بتلك الجهات يطلقون صيحات فزع خوفا على أراضيهم. لكن أمام تفاقم هذه الكارثة البيئية وخطورتها على الفلاحة والصيد وصحة المواطنين بقيت السطات المحلية عاجزة عن توفير حلول ملموسة.

عامر مديمغ فلاح يملك أراضي شاسعة في زراعة البطاطا في هذه المنطقة المتضررة تحدث لمراسلون بحرقة عن اتلاف محصوله نتيجة تسرب المياه الملوثة إلى جوف الأرض بفعل قنوات الصرف الصحي التي تمر بجانب أرضه.

هموم تقاسمها معه الفلاح لطفي شبيل الذي أكد بأن الفلاح يضطر في كثير من الأحيان إلى بيع محصوله “سلة واحدة” لأحد التجار حتى لا يتكبد خسارة كبيرة، مقرا بأن بعض المنتجات الفلاحية “تصل أحيانا ملوثة إلى المستهلك”.

ويقر سامي زعفران المكلف بالبحوث بالمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا بأن التحاليل المخبرية على عينات من البحر أثبتت تقلص نسبة الأوكسيجين في البحر وتشكل مياه بيضاء نتيجة وجود كبيرة من المواد العضوية داخل البحر فضلا عن تلوث باطن الأرض.

من جهة أخرى يقول حسن مبارك مدير وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلى بالمنستير إن الإدارة تنتظر اعتمادات إضافية لاستكمال المرحلة الثانية من استصلاح خليج المنستير الذي انطلق من مدينة خنيس ليصل إلى بقية المناطق المتضررة.

لكن بحسب الأهالي فإن مشروع وكالة وحماية الشريط الساحلي لا يمكن أن يفضي إلى نتائج ملموسة إلا بالشراكة مع الشركة الوطنية للتطهير المتسبب الرئيسي في التلوث والتي ستنطلق في بداية مشروعها الإصلاحي في سنة 2017.