يحاول محمد نعيم كـ«باحث سياسي» الآن العمل على تطوير أفكاره بشأن تطور مفهوم الوطنية لدى الدولة المصرية بعد نكسة يونيو/ حزيران  1967. حيث يرى أن النزعات الوطنية للدولة تحررت تماماً من الانحيازات الأخلاقية الحداثية التقليدية المقترنة بفكرة الدولة الحديثة، وأصبحت لا تخجل من نفسها، لمجرد محاولة السلطة اشعار المواطنين بالفخر وخلق توازن نفسي يعتمد على مبدأ “أن مصر تتعثر بسبب استهداف العالم لها”.

يحاول محمد نعيم كـ«باحث سياسي» الآن العمل على تطوير أفكاره بشأن تطور مفهوم الوطنية لدى الدولة المصرية بعد نكسة يونيو/ حزيران  1967. حيث يرى أن النزعات الوطنية للدولة تحررت تماماً من الانحيازات الأخلاقية الحداثية التقليدية المقترنة بفكرة الدولة الحديثة، وأصبحت لا تخجل من نفسها، لمجرد محاولة السلطة اشعار المواطنين بالفخر وخلق توازن نفسي يعتمد على مبدأ “أن مصر تتعثر بسبب استهداف العالم لها”. حتى صارت هذه الأيام هى الأكثر عزلة للدولة المصرية في تاريخها الحديث، لكنه في نفس الوقت، يرى أن جيل يناير هو الأقرب لتجاوز ذلك بسبب اتصاله الدائم بالعالم، رغم أنه ورث تلك الآفة أيضا.

في بداية النقاش حول الحراك المصري الحالي ينطلق نعيم، من أن جيل يناير لم يقدم لنفسه مراجعات خلال مشواره الخمس سنوات الماضية، بالإضافة أيضاً إلى التيار الإسلامي الذي لم يفكر في أولوياته, في ظل انعزال المؤسسة العسكرية داخل تصوراتها حول المؤامرة التي تستهدف مصر وبالتالي تستهدفه. لذلك، يعتقد نعيم أن «من لا يستطيع أن يراجع تصوراته، سيؤسس مواقعه على أسس خاطئة».

لذلك بدأنا معه الحوار حول انسحابه من العمل السياسي كعضو بالمكتب السياسي بـ«الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي».

لماذا انسحبت من العمل السياسي وقررت تجميد عضويتك بالحزب؟

بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 كان الغرض من ممارستي للعمل الحزبي نابع من المحاولة لانقاذ الوضع من انحطاطه، حدثت الثورة بسرعة، وتلاها تحالف سريع بين الجيش والتيار الإسلامي، كنت أرى أن المجال السياسي يجب أن ينشأ وينمو بسرعة لتلافي ما يحدث الآن، لذا  كان الانخراط في العمل السياسي الحزبي غرضه وجود مجال سياسي ومحاولات وطنية مختلفة تتصارع فيها القوى المدنية سياسياً على أرضية التعايش المشترك.

لكن شكوكي من تحقيق ذلك بدأت تزداد بعد إصرار الإخوان على تمرير الدستور في ديسمبر 2012 على أرضية غير توافقية، مع انفلات الشارع في تلك الفترة دون أن يحاول التيار الإسلامي أن يطرح أفق جديد، لذا شعرت بأن المجال السياسي في سبيله للانهيار لأن قوى التيار الإسلامي التي كانت تقوده خلال تلك الفترة فشلت، وكانت الدعوات ل30 يونيو قد بدأت من أجل حسم الصراع والارتباك الحادث، صحيح أنها لم تؤدي إلى ضبط المجال السياسي، لكنها سقطت لأن الطرف «الإسلامي» المهيمن وقتها في العملية السياسية طرح صداماً بلا نهاية، فرأى الإخوان أن نزول الملايين في الشوارع «مجرد هجمة على شرعيته»، وزادت مكونات الصراع حتى أصبحت فرصة لتدخل الجيش.

لذلك، جمدت نشاطي وتركت الحزب، لأني اعتبرت أن عالم ما بعد 30 يونيو ليس به ممارسة سياسية حرة وانغلق فيه المجال السياسي.

إذاً فإنك تلوم التيارات الإسلامية على ما حدث.

بلا شك. فبالقياس على ما جرى، وبطبيعة الحال، فإن المؤسسة العسكرية -كمؤسسة غير مدنية لا تشعر بالارتياح مع أي مؤسسة مدنية أخرى- استغلت الفراغ السياسي وملأته بعدما عجزت المؤسسات المدنية عن إيجاد صيغ للتعايش المشترك. لم يكن الجيش مختبئاً وظهر فجأة منذ مارس 2011 وحتى يونيو 2013.

فلقد كان يخيل للجميع حتى النهاية أن الإخوان سيتراجعون في لحظة وتبدأ عملية التفاوض لوضع سياسي الجديد، لا يوجد عاقل في الدنيا يمكن أن يتصور أن 10 ملايين ينزلون إلى الشارع والتيار الإسلامي يقول أن الشرعية ثمناً لحياته، كان هذا ضد منطق السياسة أصلاً، المضحك أن بيان المجلس العسكري في 3 يوليو دعا حزب الحرية والعدالة للمفاوضات.

لماذا لم يحاول التيار المدني ملئ الفراغ بعد 30 يونيو؟

يقوم التيار المدني في المجتمعات الديمقراطية على أرضية التعايش المشترك والحياة السياسية السلمية، لم يكن له ذراع، فجمهوره ابن ثورة يناير، وكان في طور التكوين، ووجوده ارتبط بالتوافق في تلك اللحظة.

بعد 30 يونيو انهار التيار المدني، وشارك في عملية التحول السياسية خوفاً من البطش، ولم يستطع تحديد موقعه بالضبط، فلم يكن هناك تخيل أن حراك 30 يونيو سيفضي إلى تلك المرحلة في النهاية، ولم يكن ذلك متخيلاً، لذلك لحقت كل القوى بما يجري. لأن الرهان كان على تنازل الإخوان.

تلك النقطة تفضى بنا دائماً إلى مراجعة انسحابه.

التيار المدني لم ينسحب، فقد شارك التيار المدني في العملية السياسية منذ بداياتها، حصل على 23 % من الأصوات وفي الاستفتاء الذي تلاه حصل على  37 %، وقد تبلورت مكوناته بشكل أدق في الانتخابات الرئاسية. وكانت القوى المدنية آملة في استمرار العملية السياسية. لكن مع استمرار الإخوان في التصعيد إلى النهاية، بدأ الجناح المؤمن باستمرار العملية السياسية داخل التيار المدني يضعف على حساب تصاعد الأصوات المنادية بالانقلاب وتدخل الجيش.

المشكلة أن جمهور التيار المدني ابن الثورة بالأساس، والتفاعلات التي حدثت بعد الثورة كان أولها وأهمها التحالف بين الإسلاميين والجيش، في استفتاء مارس 2011، لأول مرة الجيش والإخوان والسلفيين، شكلت تلك اللحظة تصورات التيار المدني عن نفسه: «نحن موجودون في مواجهة هذا التحالف، لكن لم يطور التيار المدني أفكاره وانحيازاتهم، مجرد الثبات على مصطلح «المدنية»، كرد فعل على التحالف.

يتهم التيار المدني بعدم نجاحه في خلق بديل. ما منطقية الفكرة من عدمها؟

فكرة التيار المدني قامت بالأساس كرد فعل على تحالف الجيش والتيار الإسلامي، لكن التيار المدني في الأساس ينقسم إلى عدة أفكار، كانت مرحلة الانتخابات الرئاسية هي أكثر المراحل بلورة لأفكاره، انقسم وبدأت يتشكل بصورة أوضح، لكن نحن الأن في مجتمع يؤيد عنف الدولة لاستئصال أي شخص يخالف أفكارها، لذلك قد تبدو الأمور غير منطقية هنا.

كيف تقيم اللحظة الراهنة؟

القديم مات والجديد لم يأت بعد وفي المنتصف تظهر كل الأشباح القذرة والمخيفة، نحن الآن في مرحلة الأشباح القذرة والمخيفة، مصر في عملية مخاض، والأسس النظرية التي تحرك الناس ليست قوية لذلك تأتي الحركة اندفاعاً من الغضب اللحظي.

كيف تقييم المظاهرات التي خرجت يوم 10 إبريل؟

أضفت الحركة يوم 10 إبريل إلى تحديد موعد جديد للتظاهر وهذا كان شئ جيد، في ظل نظام غشيم، فرحنا في ظله أن  خسائر التحرك نتج عنها القبض على 100 شخص فقط، فبشروط اللحظة الراهنة فهو سلوك عاقل، فإذا أفضى إلى العنف لم يكن بيدنا حل، لذلك كانت خطوة الانسحاب والدعوة للنزول مجدداً خطوة ذكية.

في ظل 3 سنوات من انغلاق المجال السياسي. لماذا انحصر الحراك في قضية تتعلق بالسياسة الخارجية؟

الصراع الحالي بخصوص قضية جزيرتي تيران وصنافير، والمتحور حول اتفاقية ترسيم الحدود، في ظل غلق شوارع بأكلمها داخل العاصمة، يرجع إلى أنها المساحة الوحيدة الممكنة للتيار المدني أن ينفذ من خلالها إعلامياً، لخلق جدل سياسي عام،  أي اللعب مجدداً على أرضية خطاب النظام – فيما يخص الأمن القومى، والسيادة، والحفاظ على الأرض، واللعب بنفس أدواته، وهي نفس المعادلة التي سار عليا التيار المدني أثناء تحالف المؤسسة العسكرية مع التيار الإسلامي.

ما الجديد الذي يمكن أن يشكله ذلك الحراك؟

إذا نجح في تعلية كلفة القمع فهذا انتصار عظيم لأنه سيفتح المجال بشكل أكثر للحركة، فخلال الثلاث سنوات الماضية انخفضت كلفة القمع بصورة متدنية، تذكر أن شيماء الصباغ قتلت في الشارع في 2015 لأنها كانت تحمل ورداً.

كيف يمكن للتيار المدني أن يعيد فتح مجال السياسي؟

يجب ألا يدّعي التيار المدني أن الحراك الحالي سيكون حاسماً، لأن غرضه الأساسي في تلك اللحظة انتزاع مساحات في المجال العام، ورفع كلفة القمع. لكن إذا أخذ الحراك شعار تصعيدي وطالب بإسقاط النظام سينتهي بسرعة لأنه لن يكون واعياً بقوته الحالية.

أنا مع أن يكون الحراك ثابتاً بوتيره منضبطة ثم يتصاعد ببطئ دون خسائر، أو السماح بتصعيد فاشي من جانب السلطة، فإذا تصاعد الوضع واضطررنا للبحث عن مخرج سياسي يمكن أن ننادي باستفتاء.

شارك في التظاهرات الحالية شباب جامعي لم يبلغ أثناء الثورة 12 عاماً. هل يمكن أن يقدم جديداً؟

الحركة الطلابية دائماً لها ميكانيزماتها الخاصة، أعتقد أن هذا الجيل يتحرك الآن ضد الأبوية التي أصبحت في طورها الأعلى، الـ Default لدى الطلبة الآن أنهم ينفرون من نزاعات الاستعلاء السلطوية، اعتقادي أن بنية المجتمع الأبوي أصبحت غير مسيطرة مثل السابق بسبب عدم تقديمها لخطاب مقنع، والميل العام حالياً أن السلطة غير ملبية لطموحهم ولا تستوعبهم، على الرغم من محاولاتها الفاشلة مقدماً.

ما الخيارات التي يمكن أن يتحرك فيها التيار المدني؟

المراجعة وإعادة التنظيم داخل التيار المدني ممن لديهم نفس التصور عن ثورة يناير، فالمراجعة هي المفتاح  لنقاش جاد حول ما يمكننا فعله وما لا يمكننا فعله. لكن المشكلة فيمن يفكر أن المراجعة ستزيدنا ارتباكاً.