الواحدة صباحاً بتوقيت القاهرة. يحول حاجز أمني أمام قسم شرطة عابدين بين رجل خمسيني يكرر الالحاح على ضابط شرطة للدخول إلى القسم والاطمئنان على ابنه، محمود، بدون جواب. قبل 5 ساعات من هذه اللحظة، في الساعة السابعة من يوم الجمعة، 10 إبريل/ نيسان، تلقى الوالد مكالمة من أصدقاء ابنه، ليخبروه بالقبض على محمود في التظاهرات التي نظمت صباح ذلك اليوم، أمام نقابة الصحفيين، بوسط المدينة.

الواحدة صباحاً بتوقيت القاهرة. يحول حاجز أمني أمام قسم شرطة عابدين بين رجل خمسيني يكرر الالحاح على ضابط شرطة للدخول إلى القسم والاطمئنان على ابنه، محمود، بدون جواب. قبل 5 ساعات من هذه اللحظة، في الساعة السابعة من يوم الجمعة، 10 إبريل/ نيسان، تلقى الوالد مكالمة من أصدقاء ابنه، ليخبروه بالقبض على محمود في التظاهرات التي نظمت صباح ذلك اليوم، أمام نقابة الصحفيين، بوسط المدينة.

في نفس اليوم، وبالتزامن مع المظاهرات، جلس الرئيس على كرسي مكتبي من الجلد أمام البحر، خلال تفقده مشروع سياحي بخليج السويس، حوله مجموعة من الشباب اختيروا بعناية، تلقوا اتصالا هاتفياً قبلها بيوم واحد من المكتب الرئاسي وأخبرهم بدعوتهم دون تحديد المكان للقاء الرئيس، الذي قال لهم إنه «لا يقلق من محاولات هدم الدولة من الخارج بقدر ما يقلقه هدمها من الداخل، لأن هناك مخططاً جهنمياً قد لا ينتبه له البعض»، ويدعو لإصلاح أى شرخ حدث فى المجتمع.

***

تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الصورتان، صورة المظاهرات وصورة الرئيس بين «أبنائه»، «تلك الصورة تعكس عدم قدرة النظام على التواصل السياسي مع مختلف مكونات المجتمع»، يقول ذلك شهاب وجيه، المتحدث الرسمي لحزب المصريين الأحرار الذي يتمتع بأغلبية البرلمان.

يتمتع حزب المصريين الأحرار الأغلبية البرلمانية، على عكس أحزاب كثيرة لم يمكنها الحظ من المشاركة في الانتخابات التي جرى التحضير لها بجهاز المخابرات العامة لضمان ثلثي المقاعد، بحسب ما أعلن عنه من قبل سياسيين مقربين من السلطة.

لكن الثابت في الأمر يوماً بعد يوم، بحسب وجيه أن النظام لديه ضعف شديد في ممارسة السياسة، خصوصاً فن التفاوض.

فعلي الرغم من تمتع المصريين الأحرار بالأغلبية البرلمانية إلا أن الرئيس وحكومته لا يقبلون أي نصح أو مشوره، وهو ما سوف يؤدي إلى مزيد من الاحتقان وتقليل فرص حدوث استقرار سياسي.

***

بدأت التظاهرات صباح الجمعة بعد 3 أيام من دعوة أطقلتها أحزاب سياسية ونشطاء ضد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ«التفريط» في جزيري «تيران» و«صنافير» لصالح المملكة العربية السعودية أثناء زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.

وأعلنت الأحزاب والقوى السياسية المشاركة تكرار الدعوة إلى تظاهرات جديدة يوم 25 إبريل/ نيسان الجاري، الذي سيوافق، وبالمصادفة عيد «تحرير سيناء».

حزب الدستور الذي أسسه البرادعي أعلن منح أعضاءه المشاركين في الاحتجاجات غطاءه السياسى كما يمنح دعمه القانونى لجميع المتظاهرين سواء كانوا أعضاء فى الحزب أو من غير أعضاء الحزب.

الجديد في البيان الذى دعى له الحزب هو إعلان موقفه الواضح من مشاركة الإخوان المسلمين، طالبهم  بالتنحي عن المشهد وعدم التواجد بين الثوار، «كنتم ومازلتم شوكة فى حلق الثورة».

وأتى بيان الحزب بعد فترة من الفتور السياسي تعرض لها، يبررها أحد أعضاء الحزب بأن أغلب الأعضاء تحت سن ال25 لذلك كنا نواجه صعوبة منذ تأسيسه تتعلق بترسيم توجات الحزب خصوصاً في ظل غالبية الشباب الأكثر راديكالية.

حاولت مراسلون الاتصال برئيس الحزب الحالي «تامر جمعة» لكنه علق الخط أكثر من مره ولم يجيب. كما دعى الحزب الديمقراطي الاجتماعي وعدداً من الأحزاب تجديد الدعوة للتظاهر يوم 25 أبريل المقبل.

***

يقول شهاب وجيه إن «حزب المصريين الأحرار» لن يشارك في المظاهرات، ويرى أن الكرة أصبحت في يد البرلمان المنتظر تسلم الأتفاقية.

لكن وجيه يرفض التعليق على الاتهامات الموجهه من القوى السياسية المعارضة للبرلمان بالتبعية إلى الحكومة، ويقول: «لم تعترف السلطة التنفيذية بأن حزب المصريين الأحرار حزب الأكثرية في البرلمان، لكننا لا نريد الدخول في سجال سياسي».

***

التظاهرات التي بدت مفاجئة، بعد عامين ونصف من عزوف القوى المدنية عن المشاركة في أي فعاليات سياسية، منذ مظاهرات نظمها نشطاء أمام مبنى لجنة تعديل الدستور في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، اعتراضاً على تضمن الدستور محاكمة المدنيين عسكرياً، لم تكن سببها الرئيسي سوى «العنجهية التي تدار بها السياسة المصرية» خصوصاً في مسألة الجزيرتين، بعد تصريحات نسبت للحكومة بأن مسألة الجزيرتين يجري ترتيبها من 2012 دون علم أحد.

يقول وجيه إن أزمة السلطة التي لا يريد الانتباه إليها أحد هي عدم القدرة على إجراء حوار سياسي، فحين يرى النظام شيئاً يتخيل أنه على حق وحده، دون ممارسة أي آليات ديموقراطية، يصل الأمر أحياناً إلى الحشد لتأييد اجراءات خاطئة، دون الاهتمام بخلق توافق.

***

يصف زياد بهاء الدين، نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق، عقب حضوره لقاء مع الرئيس الفرنسي هولاند  الذي زار مصر قبل أيام بأن «العالم كله يريد أن يساعد مصر، ولكن مصر هي التي لا تريد أن تساعد نفسها».

وخلال الأيام التى تلت المظاهرات تجاهل الرئيس وحكومته أي رأي مختلف يدلل بوثائق وحجج لمصرية الجزيرتين، وصل الأمر لمنع مقالة رئيس تحرير الأهرام – الجريدة المعبرة عن حال النظام – بعنوان «تيران وصنافير .. وقواعد تأسيس الأوطان» لأسبوعين متواصلين بسبب مخالفته لرأي الحكومة، فاكتفي بنشره على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي.

إضافة إلى ذلك فقد تداول ناشطون كلمة ألقاها الرئيس خلال خطاب سبق المظاهرات بيوم واحد يقول فيها «لا أريد سماع أي حديث عن أزمة الجزيريتين مرة أخرى».

لذلك كان من ضمن الهتافات التي علت المظاهرة الشعار الأبرز الذي استخدمه الشباب في الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك «الشعب يريد إسقاط النظام» على الرغم من أن أعمار الشباب بدأت أقل، قبل أن تفرق الشرطة المظاهرة بعد نحو 5 ساعات من تجمعها، وتعتقل عشرات المتظاهرين، في 3 أقسام مجاورة للأحداث.

***

يحاول عشرات المحامون بقيادة راجية عمران، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، التابع للحكومة، معرفة عدد المعتقلين داخل القسم، وهي واحد من الحقويقيين القلائل، التي وافقت على الانضمام للمجلس، لكسب مساحة رسمية للتحرك ضد السلطة وفضح قضايا الانتهاكات المستمرة، لا سيما قضية الاختفاء القسري والحبس الاحتياطي، لآلاف المعتقلين المنشور صورهم على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

الآن، وفي هذه اللحظة، التي تقف فيها أمام القسم بين المحاميين الشباب. لا تملك راجية الحق في حضور التحقيقات، التي يجريها ضباط أمن الدولة مع المتهمين، ولا تعلم تحديداً كم المقبوض عليهم داخل القسم، أو الثلاث أقسام المجاورة لمكان التظاهرة، بينما يصف المحامي محمد عبد العزيز، مدير مؤسسة الحقانية للحقوق والحريات، سماح ضباط الشرطة للمحاميين بالدخول إلى القسم بـ«الإجراء الروتيني لجعل المسألة تبدو أكثر ديمقراطية».

خلف الحاجز الامنية التي تمنع العبور من أمام قسم  الشرطة يقف عشرات الشباب ممكن شاركوا في المظاهرات، ينتظرون خروج المعتقلين، يدونون على وسائل التواصل الاجتماعي لحظة بلحظة تسريبات تأتي من داخل القسم، «انتهى  التحقيق مع فلان… يجري الآن التحقيق مع أخر»، لكنهم ما زالوا لا يملكون رقماً دقيقاً للمحبوسين داخل القسم، لكن العدد تجاوز 50 شخصاً بحسب عبد العزيز، الذي أتي إلى قسم عابدين بعد المرور على قسمين أخرين، يقول إن المحتجزين الآن يجري استجوابهم من قبل الأمن الوطني قبل العرض على النيابة في صباح اليوم التالي، ولا يحق للمحاميين الحضور بالطبع، يعلق مبتسماً أخذا الأمر ببساطة: «أعرف أنه مخالف للدستور ولكن ليس بأيدينا شئ، هدفنا الأساسي خروج المعتقلين بسلام».    

***

بعد 3 أيام من القبض عليهم صدر قرار مفاجئ بالحبس لمدة 4 أيام ثم 15 يوماً ل25 من متظاهرين جمعة الأرض، وقع ذلك رغم صدور قرار سابق من النيابة بإخلاء سبيلهم.

تساءلت عدداً من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني عن سبب تغيير القرار من إخلاء السبيل إلى الحبس على ذمة التحقيقات، متهمين الأجهزة الأمنية بلعب دور سياسي في هذه القضية للترهيب من دعوات النزول يوم 25 إبريل/ نيسان.