لم ينجح تنظيم الدولة الإسلامية الشهر الماضي في الإعلان عن إمارة في تونس وتحديدا بمدينة بن قردان بعد أن لقيوا مواجهة من قوات الشرطة والجيش، وحتى من الأهالي الذين عاشوا عقوداً في التهميش.

ولمن لا يعرف منطقة بن قردان فهي معتمدية في أقصى الجنوب تابعة لمحافظة مدنين المحاذية للحدود مع ليبيا وقد اكتسبت شهرة كبيرة في البلاد بفضل انتعاش سوق صرف العملة فيها وتجارة تهريب السلع من ليبيا.

تهريب وصرف عملة

لم ينجح تنظيم الدولة الإسلامية الشهر الماضي في الإعلان عن إمارة في تونس وتحديدا بمدينة بن قردان بعد أن لقيوا مواجهة من قوات الشرطة والجيش، وحتى من الأهالي الذين عاشوا عقوداً في التهميش.

ولمن لا يعرف منطقة بن قردان فهي معتمدية في أقصى الجنوب تابعة لمحافظة مدنين المحاذية للحدود مع ليبيا وقد اكتسبت شهرة كبيرة في البلاد بفضل انتعاش سوق صرف العملة فيها وتجارة تهريب السلع من ليبيا.

تهريب وصرف عملة

أهمية موقعها الجغرافي لا تخفي سلبيات مناخها شبه الصحراوي الجاف، إذ لا يتجاوز معدل هطول الأمطار فيها الـ 200 ملم سنويا، ما حرمها من مجارٍ مائية دائمة على غرار العيون والأنهار.

حول ذلك يقول أستاذ التاريخ السياسي عبد اللطيف الحناشي إن هذه العوامل ساهمت في افتقار المنطقة للأحراج والأشجار والمناطق السياحية، وحتى لبنى تحتية جيدة، الأمر الذي عمق هشاشتها الاقتصادية وعطل مشاريع التنمية والتشغيل فيها.

لكنه يضيف لمراسلون أن هذا الحرمان عوضه وجودها في خط التماس بين حدود تونس وليبيا حيث منح سكان بن قردان فرصة العمل في ليبيا من ناحية وممارسة التجارة والوساطة والصرافة من ناحية أخرى.

حسب البنك الدولي يشتغل نحو أربعة آلاف شخص من أبناء المنطقة (وهم أساسا من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 عاما) في التجارة الموازية والتهريب وتجارة صرف العملة في السوق السوداء.

وانطلق أهالي بن قردان في توريد السلع من ليبيا نهاية التسعينات بعد انفراج الأزمة السياسية بين البلدين اللذان عاشا علاقات متوترة أثناء حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تسببت أكثر من مرة في غلق الحدود.

يقول التاجر بالسوق المغاربية في بن قردان حسين نصري (47 سنة) إن العمل فعليا في مجال التجارة الموازية بالمدينة كان بداية الألفية الأولى بطريقة شبه منظمة عبر المعابر الرسمية قبل بروز شبكات التهريب.

تجارة مربحة

يؤكد هذا التاجر لـ “مراسلون” أن التجارة الموازية بالمدينة ازدهرت أكثر في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بسبب انخراط بعض من أصهاره من عائلة زوجته ليلى الطرابلسي في تهريب السلع بمختلف أنواعها.

ويقول “انخراط عائلة الرئيس السابق بن علي في هذه العمليات ساهم في تطوير تجارتنا لأنهم أشرفوا على إدخال شحنات بلغت أطنانا من الأجهزة الالكترونية وقطع غيار السيارات مما وفر فرص عمل لجميع الفئات”.

لا ينكر عدد من تجار هذا السوق أن أبنائهم انقطعوا مبكرا عن الدراسة نظرا للمبالغ المالية الهامة والمغرية التي يجنوها من العمل في قطاع التجارة في المواد المهربة من ليبيا وكذلك في تجارة صرف العملات.

وكان المساس بمصالح هؤلاء التجار والأطراف المتداخلة في عمليات التهريب بمثابة الخط الأحمر بالنسبة إلى أهالي بن قردان الذين قايضوا تعطل مشاريع التنمية في منطقتهم مقابل النشاط في التجارة الموازية.

وعرفت بن قردان عام 2010 توترا بعدما فرض النظام الليبي إتاوة على التجار بلغت 700 أورو مقابل توريد السلع من ليبيا أمر لم يتقبله أهالي بن قردان فأغلقوا الطرقات المؤدية للمعبر الحدودي راس جدير ببن قردان.

في هذا الاتجاه يقول النصري “شهدت منطقتنا اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة والأهالي بعد تعمدنا غلق الطرقات الرئيسية لإجبار الحكومة على التدخل لإقناع نظام القذافي على رفع الإتاوة التي فرضها على التجار”.

لكن التحول الكبير الذي عرفته مدينة بن قردان كان بعد الثورة التي حصلت في تونس في 14 يناير/كانون الثاني 2011 والتي قلبت الموازين في ليبيا عقب الإطاحة بنظام القذافي ما جعل الحدود بين البلدين بلا رقيب.

ويقول أستاذ التاريخ السياسي عبد اللطيف الحناشي إن التهريب بين البلدين عقب الثورة لم يعد مقتصرا على المواد الغذائية التونسية نحو ليبيا أو البضائع الآسيوية التي يتم تهريبها من ليبيا نحو الأسواق التونسية.

ويؤكد “لقد أصبحت مدينة بن قردان معبرا رئيسيا لتهريب البشر والمخدرات والأسلحة من ليبيا نحو تونس ومنها أيضا إلى الجزائر” وهو أمر تقلص كثيرا بعد تشديد السلطات التونسية الرقابة على حدودها منذ فترة.

ومرد هذه الإجراءات المشددة على الحدود هو ارتفاع منسوب التهريب وتسلل مقاتلين في الاتجاهين عبر الشريط البري بين تونس وليبيا لكن هذا الأمر كانت له تداعيات سلبية على التجارة الموازية ببن قردان.

صرف العملة

لكن مع ذلك تبقى بن قردان المدينة الأكثر انتعاشا من تجارة العملة الصعبة بالرغم من أن هذا النوع من التجارة يعتبر مخالفا للقانون الذي لا يسمح لغير البنوك من النشاط في هذه التجارة.

ويغتنم تجار سوق العملة في بن قردان منذ أشهر انهيار قيمة الجنيه الليبي مقابل الدينار التونسي لتخزين مليارات من جنيهات في منازلهم ومحلاتهم قصد عرضها في السوق فور بلوغ قيمة العملة الليبية حجم الدينار التونسي.

ويقول أحد التجار لمراسلون إن ذلك يوفر لهم أربحا طائلة تتجاوز حجم المبادلات في أحد فروع البنوك.

ويعتبر “شارع الصرف” كما يحلو للأهالي تسميته ملجأ لمئات المواطنين الراغبين في الحصول على الأورو والدولار الأمريكي.

هذه المحلات تمكنهم من شراء أي مبلغ من العملة الصعبة عكس القانون التونسي الذي لا يسمح للمسافرين إلى الخارج إلا بتحويل مبلغ لا يتجاوز 6 آلاف دينار (3 آلاف دولار) عن طريق جوازات السفر.

ولا تخضع نقاط “الصرف” في هذا السوق لأي نوع من الرقابة الحكومية، رغم أن رأس مال المحلات يتراوح يوميا بين 8 و10 مليون دينار (بين 4 و5 مليون دولار)، وفق تقديرات التجار.

وتعمل هذه المحلات كذلك في مجال الوساطة المالية بين تجار بلدان المغرب الكبير، حيث بإمكان التجار الجزائريين أو المغاربة اعتمادها لتحويل مبالغ مالية هامة لشركائهم الليبيين من أجل الحصول على شحنات البضائع دون الالتجاء إلى التحويلات البنكية التي قد تعرضهم لمحاسبة مصالح الرقابة في بلدانهم.

ولا ينفي بعض المسؤولين المحليين في بن قردان أن هذه المدينة تعيش بمنظومة “الدولة داخل الدولة”، نظرا لاحتوائها أنشطة ممنوعة قانونيا لا ترغب الدولة التونسية في الوقت الحالي التصدي لها خوفا من انتفاضة الأهالي.

ورغم انتماء عدد من شباب المنطقة إلى تنظيمات جهادية وقف أغلبية سكان بن قردان إلى صف الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية لإحباط مشروع تنظيم الدولة بإقامة إمارة مستغلا ثغرات توتر العلاقة بين المهربين والأجهزة الأمنية.