بعيداً بأمتار عن شباك مصرف الجمهورية في طبرق كان عبد السلام سعيد مستاءً بسبب الانتظار الطويل لساعات كي يحصل على مرتبه. بحسب هذا الموظف فإن معظم المحتشدين هنا “أتوا إلى طبرق من خارج المدينة بعد أن تم نقل مقر مجلس النواب إليها”.

يعتقد سعيد أن اختيار السلطة التشريعية لهذه المدينة مقراً رسمياً سبب زيادة سكانية “غير طبيعية”، فارتفعت الأسعار فجأة وتردت الخدمات العامة.

بعيداً بأمتار عن شباك مصرف الجمهورية في طبرق كان عبد السلام سعيد مستاءً بسبب الانتظار الطويل لساعات كي يحصل على مرتبه. بحسب هذا الموظف فإن معظم المحتشدين هنا “أتوا إلى طبرق من خارج المدينة بعد أن تم نقل مقر مجلس النواب إليها”.

يعتقد سعيد أن اختيار السلطة التشريعية لهذه المدينة مقراً رسمياً سبب زيادة سكانية “غير طبيعية”، فارتفعت الأسعار فجأة وتردت الخدمات العامة.

ويتابع: “هذا هو الشهر الثالث الذي يمرّ دون أن أتمكن من سحب مرتبي بسبب الازدحام الكبير ونقص السيولة في المصارف”، نظراً لزيادة عدد من يصرفون رواتبهم من طبرق فيما تودع بحساباتهم في مدن أخرى.

اتساع المدينة

طبرق المدينة التي يحتضنها البحر الأبيض المتوسط في شبه جزيرة، تقع على مسافة 450 كيلومتر شرقي بنغازي، ولا يزيد تعدادها السكاني عن (170) ألف نسمة.

وبسبب اتخاذها مقراً لانعقاد مجلس النواب وهو أعلى سلطة في البلاد، شهدت زيادة ملحوظة في عدد السكان وتوسعت رقعتها جغرافياً، وهو ما يؤكده نوري درمان عضو المجلس البلدي طبرق ورئيس لجنة الأزمة والطوارئ بالمجلس.

يقول درمان إن عدد النازحين المسجلين عن طريق اللجنة يفوق 3500 أسرة نازحة، ومتوسط عدد أفراد الأسرة خمسة أشخاص، ما يجعل عدد النازحين المسجلين تقريباً 17500 ألف نازح.

درمان أكد أيضاً أن عدد الأسر التي لم يتم حصرها لا يقل عن هذا العدد تقريباّ ذلك أن التسجيل تم بالرغبة لغرض الحصول على المساعدات ولم يجرِ مسح شامل للمنطقة، وإجمالي النازحين لا يشمل بالطبع الوافدين إلى المدينة لغرض العمل كالعاملين بالمؤسسة العسكرية بكافة وحداتها، والكليات وديوان مجلس النواب وكافة المكاتب والإدارات المستحدثة التابعة له.

البنية التحتية

رغم الزيادة الكبيرة لم تحظَ طبرق باهتمام يذكر من ناحية تحسين البنية التحتية المتهالكة، أو زيادة إنتاجها الذاتي من المياه والكهرباء المحدود أصلاً.

باسم المنفي صاحب محل “بورجيعة” للمواد الغذائية الواقع بحي الحدائق بمدينة طبرق يعزو ارتفاع الأسعار إلى توسع المدينة وكثرة عدد الوافدين إليها. “كانت زيادة مفاجئة في الطلب يعجز السوق عن استيعابها” يقول لـ “مراسلون”.

مستور مجحود، موظف من أهالي طبرق، يضيف أن هذا الوضع أثر على الحياة اليومية للناس. “فأنا مثلاً لم أعد أشتري من السوق إلا الأشياء الأساسية فقط مثل الحليب والزيت، وكثير من السلع التي كنت أشتريها عادةً أصبحت كماليات لا أقدر على شرائها لغلاء أسعارها ورفض المحلات البيع بالدين”.

عدنا إلى الوراء

بعد مشكلة ارتفاع الأسعار يأتي نقص مياه الشرب ليشكل الهاجس الأكبر الذي يقلق سكان المدينة، خاصة بعد تصريحات صدرت عن مسؤول في شركة المياه حذرت من شح المياه في الأيام القليلة القادمة إذا لم تتدخل الحكومة بشكل عاجل.

“كل هذه المشكلات المزمنة لم يحركها وجود مجلس النواب في مدينتنا” يقول مجحود. ويضيف بأسف: في البداية تأملنا خيراً بأن تتحول طبرق إلى مركز تجاري وسياسيّ وتشهد ازدهارا اقتصادياً وخدمياً لكن العكس هو الذي حصل وتراجعت أوضاعنا إلى الوراء”.

وكان مدير شركة المياه والصرف الصحي بطبرق طارق الشريف قد صرح لوسائل إعلام محلية بأن محطة تحلية المياه الوحيدة في المدينة أنشئت عام 2000 وتعاني نقصاً في الإمكانيات، كما أنه لم تُجر لها صيانة دورية منذ نحو 12 عامًا.

أما المناطق التي لم تصلها شبكة المياه إلى الآن فهي تعاني من عدم توفر سيارات نقل بعد اتساع رقعة المدينة، بحسب تصريحات الشريف.

عاصمة مؤقتة

يقول أستاذ علم الاجتماع بكـلية الآداب بجامعة طبرق محمد واصل لـ”مراسلون” إن اتخاذ مجلس النواب من مدينة طبرق مقراً له كان يفترض أن يتم بناءً على دراسات معمقة من شأنها أن تحدد هل المدينة جاهزة لنقلة كهذه. “كان ينبغي أن يتم ذلك بإشراك المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني والجامعات، وإجراء حوارات مباشرة مع المواطنين واستطلاع رأي يرصد جاهزية المدينة أو كيفية تهيئتها لتصبح عاصمة تشريعية مؤقتة”.

ويقول أيضاَ إن المواطن توقع حدوث طفرة حقيقية في الخدمات، من حيث البنية التحتية وتوفير الغاز ورغيف الخبز، وحل مشكلة المياه والكهرباء وتوفير فرص العمل لكن ذلك لم يحصل.  ويتابع أن التضخم السكاني لم يترافق مع رفع مستوى الخدمات الأساسية.

قرار غير صائب

بحسب عبدالله موسى، المتخصص في التنمية والتخطيط، فإن مجلس النواب تجاهل ملفات مهمة بالمدينة التي تحتضنه منها التنمية الشاملة والمتساوية للجميع، التكافل الاجتماعي، وضمانات الحق بالرعاية الصحية، وخدمات التعليم، وارتفاع الأجور، وفرص العمل والبطالة، والحماية الاجتماعية. وهذا التجاهل برأيه “أنتج حالة من السخط الشعبي انعكست في السخط على مجلس النواب نفسه”.

فمشكلات المدينة لا تقتصر فقط على نقص الكهرباء والمياه، بل إن مطحن طبرق توقف عن الإنتاج وصار من الصعوبة الحصول على رغيف الخبز.

ويرى موسى أن المشكلة زادت حدتها بسبب ما تبع وجود مجلس النواب من إنشاء أجسام سياسية وعسكرية، لم يصاحبها أي مراعاة لمستوى الخدمات وإمكانات المدينة. لهذا فإن “اتخاذ مجلس النواب من طبرق مقراً كان قراراً ارتجالياً سياسياً غير صائب” حسب رأيه.