ينحني الشاب التونسي آدم الجبالي (20 عاما) بجسده النحيل لتحية الجمهور الذي صفق له طويلا احتراما لقرار عدوله عن “الانتحار شنقا”.

لقد وقف هذا الشاب فوق خشبة المسرح صارخا “يجب أن يعود كل شيء كما كان… يجب أن يصل صوتنا إلى كل مكان”، قبل أن ينزع الحبل من رقبته ويلفت إليه رفاقه المهرجين مبتهجين بعودته إلى الحياة.

هكذا كان المشهد الأخير من مسرحية “مهرجون ولكن” التي تروي قصة مهرج قرر الانتحار، لكنها تحمل دلالات رمزية تترجم بعض مراحل حياة حقيقية بطلها آدم.

كيف أصبحت سلفيّاً

ينحني الشاب التونسي آدم الجبالي (20 عاما) بجسده النحيل لتحية الجمهور الذي صفق له طويلا احتراما لقرار عدوله عن “الانتحار شنقا”.

لقد وقف هذا الشاب فوق خشبة المسرح صارخا “يجب أن يعود كل شيء كما كان… يجب أن يصل صوتنا إلى كل مكان”، قبل أن ينزع الحبل من رقبته ويلفت إليه رفاقه المهرجين مبتهجين بعودته إلى الحياة.

هكذا كان المشهد الأخير من مسرحية “مهرجون ولكن” التي تروي قصة مهرج قرر الانتحار، لكنها تحمل دلالات رمزية تترجم بعض مراحل حياة حقيقية بطلها آدم.

كيف أصبحت سلفيّاً

لم يتوقع أصدقاء آدم الذي انزوى قبل سنوات قليلة مع مجموعة من المتشددين دينيا بأحد مساجد محافظة قبلي (جنوب غرب تونس) أن يقبل على الحياة بنظرة جديدة مليئة بحب المسرح والصحافة والرياضة.

فقد شهدت مدينة قبلي بعد الثورة سيطرة السلفيين على بعض المساجد مستغلين هامش الحرية الذي تحقق بعد الثورة ما ساعدهم على النجاح في استقطاب المئات من الشباب في صفوفهم.

يتذكر آدم أنه التقى قبل أربع سنوات بعدد من السلفيين داخل مسجد تحتله مجموعة من المتشددين سعوا لاستقطابه انطلاقا من حلقات ترتيل القرآن.

عن بداية تأثره بالفكر الجهادي يقول لمراسلون “كنت بصدد أداء الصلاة قبل أن يوجهوا لي الدعوة لحضور حلقة ترتيل القرآن لم أتردد في قبولها بل وساهمت في تنشيطها وأبهرت الجميع بصوتي أثناء الترتيل”.

يضيف “لقد أظهروا إعجابهم بي ورددوا عبارات إطراء وإعجاب أول مرة أتلقاها لذلك قررت مواصلة حضور الدروس الدينية وحلقات حفظ القرآن فقد كان لكلامهم وقع كبير على نفسي”.

يقول آدم لمراسلون إن الخطب التي حضرها داخل هذا المسجد كانت سبابا رئيسيا في تغير سلوكه وتبنيه الفكري السلفي الجهادي إلى درجة أنه أصبح يرفض مصافحة النساء ويعتبر أن هذا العالم مليء بالمحرمات التي يجب أن تمحى.

ويمضي قائلا “لقد كانت الخطب الدينية التي أحضرها تتحدث في مجملها عن ضرورة الجهاد ضد الكفار في بلاد المسلمين وخارجها”.

قررتُ المواجهة

منذ التحاقه بصفوف التيار السلفي تغيرت ملامح آدم الذي تخلى عن ارتداء ملابسه حديثة الطراز وتعويضها بقمصان وعمائم كان يقتنيها من محلات الملابس المستعملة ويعتبرها اللباس الشرعي للمسلمين أتباع السلف الصالح، وفق ما روته والدته تقوى.

تقول “كان ينزوي مع أصدقائه الجدد باستمرار في المسجد. لم أفهم أسباب إقدام ابني على هذا السلوك خاصة أنه لا يعاني من مشاكل اجتماعية والمادية وسط عائلة تنعم بالسعادة، على عكس الظروف التي دفعت بمئات شباب المدينة إلى الانخراط في صفوف تنظيمات متشددة”.

لكن آدم كان كثير الجدال أثناء حلقات الدروس الدينية حيث يرفض تلقي أفكار الخطباء دون مناقشتها ثم يعود إلى البحث عنها في كتب الفقه الديني للتثبت من صحتها، وهو ما أوحى له بأنه يسلك منعرجا خاطئ وجب تصحيح مساره.

بعد سنتين من الاحتكاك بالتيار السلفي والانغماس صلب تنظيمه لم يقتنع آدم بضرورة محاربة الكفار والسفر إلى القتال في الخارج فقرر التخلي عن الفكر الجهادي.

يقول “حين انتقلت من مرحلة الأمور النظرية إلى تطبيقها ميدانيا اكتشفت العديد من الثغرات والأخطاء مما رسخ لدي قناعة نهائية بأن هذا الفكر الذي استقطبوني من أجل تبنيه لا يطرح أي حلول لإنقاذ العالم الإسلامي وإنما يعرض فقط مشاكل معقدة لا يمكن حلها بما يؤمنون به”.

لكن قرار انفصال آدم عن رفاقه لم يرق لأصدقائه السلفيين الذين اتهموه بالردة وعمدوا مهاجمته عكس عدد قليل منهم الذين طلبوا أن ينعم عليه الله بالهداية مرة أخرى، وفق اعتقادهم.

لكن مهاجمتهم له لم تدفع بهذا الشاب إلى التراجع عن قراره الانفصال عنهم نهائيا، فقد قرر مواجهتهم والتمسك بقناعاته مهما كانت الضريبة.

يقول “لم يخفني اتهامي بالردة وقررت مواجهتهم ومواصلة أداء صلاتي في ذات المسجد بعيدا عن دروسهم الدينية. لم أكترث بما يقولونه لأني أصبحت إنسانا سعيدا وظفرت بأصدقاء جدد يؤمنون بحب الحياة”.

كيف أصبحت مسرحياً

يؤكد آدم بأن أغلب أصدقائه السلفيين الذين نجحوا في استقطابه كانوا في سجون نظام الرئيس السابق بن علي بتهم تتعلق بالإرهاب قبل التمتع بالعفو التشريعي العام بعد الثورة.

ويتحدث آدم بأسف عن توجه بعض أصدقائه القدامى إلى سوريا من أجل القتال، قائلا بحسرة “تمنيت أن يراجعوا قرارهم قبل السفر لكن للأسف فات الأوان وخسروا الحياة الجميلة”.

وانضم آدم الذي سيجتاز نهاية هذه السنة امتحان البكالوريا إلى برنامج سفراء من أجل الحياة الذي أطلقته وزارة الشباب والرياضة قبل أشهر تحت شعار “شباب ضد الإرهاب”.

ولم تقتصر نشاطاته على الأدوار المسرحية فقد قرر اقتحام مجال الصحافة حيث تمكن من الالتحاق بأكاديمية صحافة المواطنة في محافظة قبلي لتلقي دروسا في فن الكتابة والتصوير الفوتوغرافي.

ويتصفح أستاذ المسرح بسام حمادي صفحة آدم على الفايس بوك مبتهجا وهو يقول “هذا الشاب تلميذي واخترت أن يحظى بأدوار البطولة في المسرحيات بعد تخليه عن الفكري السلفي، فلديه طاقة فنية رهيبة دفعتني مع زملائي في دار الثقافة بقبلي إلى استقطابه ومنحه فرص تجعل منه فنانا مسرحيا”.

وتفسر الباحثة في علم الاجتماع وهيبة بن منصور بأن ما عاشه آدم يعود إلى التحول السياسي في تونس بعد الثورة، الذي مثل نوعا من الصدمة في صفوف العديد من المراهقين حيث أن بروز الفكر السلفي آنذاك كان بمثابة “الموضة الفكرية الجديدة”.

وتقول في حديثها لمراسلون “آدم أصر على البحث عن ذاته التي وجدها في الفن وليس في التطرف الدين، ففور تجاوزه فترة المراهقة برزت شخصيته الحقيقة التي رأى أنها لا تتماشى مع التشدد الديني وقرر الانفتاح على عالم آخر”.