تغير المشهد السياسي في طرابلس وليبيا بشكل عام بعد وصول رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق إلى العاصمة في الثلاثين من مارس. تغييرات صبت في مصلحة داعمي الاتفاق السياسي الحالي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الذي باشر أعضاؤه عملهم باستثناء علي القطراني وعمر الأسود العضوين المقاطعين.

تغير المشهد السياسي في طرابلس وليبيا بشكل عام بعد وصول رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق إلى العاصمة في الثلاثين من مارس. تغييرات صبت في مصلحة داعمي الاتفاق السياسي الحالي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الذي باشر أعضاؤه عملهم باستثناء علي القطراني وعمر الأسود العضوين المقاطعين.

إلا أن المواقف المعارضة من قبل رئاسة مجلس النواب الليبي لم تتغير كثيراً، ففي آخر ردود أفعاله قال عقيلة صالح رئيس المجلس في كلمة مصورة وجهها إلى الشعب الليبي إنه يجب على النواب أن يتحلوا بالمسؤولية التي أوكلها إليهم الشعب مؤكدا أنه لن يضيع هذه المسؤولية بغض النظر عن التهديدات والمغريات، في إشارة إلى العقوبات التي فرضت من الاتحاد الأوروبي عليه وعلى نوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني ورئيس حكومته خليفة الغويل بوصفهم معرقلين للعملية السياسية في ليبيا.

انقلاب المواقف

على عكس ذلك كان التغير واضحاً في اتجاهات المؤتمر وحكومة الإنقاذ في طرابلس، التي انقلب موقفها في يوم واحد.

فبعد أن وصف رئيسها خليفة الغويل المجلس الرئاسي بـ”غير الشرعي، والمتسلل”، ودعا “الثوار” إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهته، وطالب أعضاء المجلس بالمغادرة أو تسليم أنفسهم، عاد وأصدر بياناً بعد ساعات طالب فيه بمنح فرصة للثوار ومؤسسات المجتمع المدني لإيجاد مخرج لحقن الدماء، مؤكداً أن معارضته لحكومة الوفاق ستكون بالطرق السلمية والقانونية دون استخدام القوة، وأن الفصل يرجع إلى المؤتمر في الأمر.

المؤتمر الوطني بدوره أصدر بياناً أكد فيه أنه يقوم بجولة من المشاورات واللقاءات للوصول إلى رؤية حول الوضع الراهن، ودعا إلى ضبط النفس وتجنب إراقة الدماء والحذر من الاصطفاف المسلح الذي سيجر البلاد إلى حرب أهلية.

وفي ذات الوقت تداولت وسائل الإعلام خبر اجتماع المجلس الرئاسي مع “المجلس الأعلى للدولة”، وهو حسب الاتفاق جسم تشريعي يتكون من أعضاء المؤتمر الوطني العام السابقين.

هدوء طرابلسي

الانقسام السياسي في الغرب الليبي ظهر على الأرض في شكل توترات بسيطة بدأت ليلة دخول الحكومة إلى طرابلس واستمرت مدة يوم ونصف تقريباً، حيث أغلقت بعض المحلات والشوارع وجرى اقتحام مقر قناة النبأ الداعمة للمؤتمر وحكومته من قبل إحدى الميليشيات وإغلاقها بالقوة وتهديد العاملين فيها إن هم عادوا للعمل.

ولكن الأوضاع ما لبثت أن عادت إلى طبيعتها في العاصمة ولم تتأثر الحياة بشكل كبير بهذه التطورات، ورغم أن سلطات طرابلس الموازية أكدت سقوط قتلى في الاشتباكات، إلا أن عددهم لم يحدد في بيانات أو من خلال مصادر طبية.

مدينة طرابلس بعد تلك الليلة شهدت هدوءاً ملحوظاً، واحتضنت لقاءات مكثفة بين أعضاء المجلس الرئاسي وعدد من المسؤولين والشخصيات في مقر المجلس المؤقت بقاعدة أبوستة البحرية فور إعلان فايز السراج بدء أعمال الحكومة ودعوته إلى ضبط النفس وطي صفحة الماضي والعمل من أجل ليبيا.

وسعياً منهم لتثبيت صورة الممتلك لزمام الأمور قام أعضاء المجلس الرئاسي بجولات عديدة في المدينة، لم تتعدى محيط وسط العاصمة، لكنها شملت أداء صلاة الجمعة في جامع ميزران التاريخي، وتجول عددٍ من نواب رئيس المجلس في ميدان الجزائر وجلوسهم في مقهى “أورورا” العريق، وتبادل الأحاديث مع الناس خلال تجوالهم.

رسائل دولية

أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي أحمد نجم يرى أن تغيرات ردود أفعال المؤتمر وحكومته تدل على وصول الرسائل الدولية الداعمة لحكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي، وهو ما أدى إلى بحث معارضي حكومة الوفاق عن مخرج للأزمة.

نجم قال لـ”مراسلون” إن طرابلس أمام خيارين إما الحرب أو التسليم السلمي، ولكنه رجح أن تكون حكومة الوفاق قادرة على تسلم السلطة بطريقة أو أخرى، معتبراً أن قوة سلطات طرابلس المعارضة مبالغ في تقديرها وأن دور المجتمع الدولي أساسي في هذه العملية، حيث يرغب الفاعلون فيه – حسب رأيه – في عدم جر العاصمة إلى القتال.

ويبدو أن الحكومة سوف تتمكن من تسلم زمام الأمور في غرب ليبيا لا سيما بعد إعلان تأييدها من أكثر من عشر بلديات في المنطقة الغربية، ولقاء المجلس الرئاسي مع صندوق موازنة الأسعار ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، وإعلان المؤسسة الوطنية للنفط دعم حكومة الوفاق وبدء التنسيق معها وتفاؤلها ببيان حرس المنشآت النفطية الذي يرأسه ابراهيم جضران، والذي أعلن فيه تأييد الحكومة الجديدة واستعداده لضخ النفط لصالحها.

الشرق متحفظ

ويظهر من متابعة الأحداث أن حرس المنشآت هو القوة الرئيسية الوحيدة التي أعلنت تأييدها لحكومة الوفاق في شرق البلاد، حيث يستمر عقيلة صالح رئيس البرلمان رفقة عدد من الأعضاء في معارضة بدء عمل الحكومة قبل نيلها الثقة من البرلمان، مشترطاً أن يجري ذلك في طبرق وبعد حضور أعضاء المجلس الرئاسي للحكومة كافة واعترافهم بمجلس النواب سلطة تشريعية وحيدة “كما نص الاتفاق السياسي”.

عقيلة الذي اجتمع بالقائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية خليفة حفتر، أكد أن البرلمان والمؤسسة العسكرية “خطان أحمران” وبين في الوقت نفسه أنه لا يعارض الوفاق من حيث المبدأ إلا أن تحفظاته على بعض النقاط جاءت من ناحية دستورية وقانونية، حسب تعبيره، وأضاف أنه لا يملك رصيداً في الخارج ليخاف العقوبات الأوروبية.

وعلى الرغم من هذا الموقف إلا أن صقر الجروشي قائد سلاح الجو الليبي أكد لـ”مراسلون” أن موقف الفريق أول ركن خليفة حفتر “لم يتغير” موضحاً أن الجيش لا علاقة له بالتجاذبات السياسية، وأنه سيحارب الإرهاب في ليبيا من امساعد في الشرق وحتى أقصى الغرب، مؤكداً في الوقت ذاته أن البرلمان هو السلطة العليا التي يتبعها الجيش.

تحميها الميليشيات

على الرغم من دخول الحكومة السلس إلى طرابلس والذي جرى على متن زورق بحري، ليبي إلا أن رئيس البرلمان عقيلة صالح يؤكد أن الحكومة لا يجوز لها أن تعمل تحت حماية من وصفها بـ”المليشيات المسلحة”، معتبراً أنه يجب عليها أن تمارس أعمالها تحت حماية الجيش والشرطة حتى يتم تأمين العاصمة.

وفيما يدور حديث – أكده عضو المؤتمر عبد القادر حويلي – عن وساطات تقوم بها بعض الشخصيات والأحزاب بين المؤتمر وحكومته من جهة، والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الذي تحصل على دعم مجموعات مسلحة داخل العاصمة من جهة أخرى، لإجراء مزيد من التعديلات على الاتفاق السياسي بغرض تضمين ملاحظات المؤتمر في نص الاتفاق.

تنقلب الصورة لتصبح السلطة التنفيذية التابعة للبرلمان المعترف به دولياً في الشرق أكثر معارضة للاتفاق، حيث اشترط رئيسها عبدالله الثني في مؤتمر صحفي أن تتحصل حكومة الوفاق على ثقة مجلس النواب قبل أن يسلمها السلطة، مؤكدا أنها “تقفز على الشرعية” حسب تعبيره، وهو الموقف ذاته الذي اتخذته سلطات طرابلس قبل أن تخفف من لهجتها المعارضة.

على الأرض

آراء الناس تبيانت أيضاً حول دخول حكومة الوفاق للعاصمة الليبية، وخرج عدد من المواطنين للتعبير عن موقفهم في المدينتين الأكبر في البلاد، ففيما تظاهر عشرات المواطنين في بنغازي شرق ليبيا رافضين دخول حكومة السراج إلى العاصمة طرابلس، ومؤكدين دعمهم للبرلمان والجيش، خرج مئات آخرون في العاصمة طرابلس وبعض المدن في الغرب والجنوب الغربي مرحبين بالحكومة الناتجة عن الاتفاق السياسي بين الأطراف المتنازعة في ليبيا.

المتظاهرون المرحبون يأملون في حل مشاكل البلاد من خلال حكومة واحدة تنهي انقسام المؤسسات وتعمل على تحسين حياة المواطن، لا سيما وأن فايز السراج رئيس الحكومة وعد بذلك في أكثر من مناسبة، بينما لم يخفِ المعارضون في بنغازي والمرج تخوفهم على المؤسسة العسكرية وقيادتها.

جهود البعثة الأممية ولجنة الترتيبات الأمنية التابعة للمجلس الرئاسي كللت بالنجاح بدخول الأعضاء إلى العاصمة، إلا أن المجلس يواجه تحديات منها إقناع العضوين المقاطعين بالعدول عن موقفهما، إضافة إلى تمرير انتقال السلطة بشكل سلمي في العاصمة وتقريب وجهات النظر مع المعارضين في البرلمان، علاوة على تحقيق وعود داعميها في الحوار السياسي بوضع حلول للأزمة الليبية، وهو الأمر الذي ستحكم عليه الأيام.