خلف مسجد السلطان الأشرف قايتباي بمدافن المماليك، تقبع ورشة الصانع خالد أحمد علي، الذي يعد واحدا من أولئك القلائل المهرة الذين يصنعون الزجاج منذ أكثر من أربعين عاما.

عن حكايته مع الزجاج البلدي يحدثنا قائلا: “ورثت المهنة عن أبي وأجدادي، فهي مهنة عائلتي منذ مئات السنين، بل إن أولادي أحمد ومحمد تعلموها مني أيضا، وبإذن الله سيكملون ويحافظون على تراث العائلة”.

بفضل حبه وإتقانه لمهنة الزجاج تم اختيار هذا الرجل لتنفيذ تصميمات تاريخية لثلاث دول أوروبية ضمن مشروع تعاون بين مكتبة الأسكندرية والإتحاد الأوروبي، كان آخرها أحد المشروعات التي تمت السنة الماضية، وقد عرضت هذه الأعمال في بيت السناري الأثري بمنطقة السيدة زينب، ونالت شهادات تقديرية.
وعن المقومات المطلوبة في صانع الزجاج البلدي، يقول عم خالد: “لابد أن يملك قوة التحمل، حيث يمتد العمل من الصباح للمساء أمام فرن درجة حرارته 1400 درجة مئوية، كما أن حب المهنة لدى الصانع هو أساس الابداع والإحساس الذي يسهم في تشكيل القطع الفنية، فمهنتنا تجمع ما بين المشقة والفن”.


وعن مراحل التصنيع من كسر الزجاج وصولا لتحويله إلى تحفة فنية، يقول عم خالد: “نحن نشتري كسر زجاج النوافذ وفوارغ المشروبات غازية وزجاجات العطور من جامعي الزجاج، ثم نقوم بوضعها في الماء لتنظيفها وإزالة الملصقات الورقية، ثم نقوم بفرزها، حيث يتم تكسير الزجاج الى قطع صغيرة، وتوضع داخل الفرن الذي يعمل بالغاز حتى يتم صهرها، ثم تأتي مرحلة تشكيل القطع الفنية المطلوبة من خلال أدوات استخدمها أجدادنا منذ مئات السنين”.

ويتابع قائلا أن هذه الأدوات هي “الماشة والمربع والماسورة و البولين”، فتستخدم الماسورة للنفخ، والبولين لمسك الزجاج المنصهر، والماشة والمربع لتشكيل الزجاج، بالإضافة إلى المقص. ويضيف الحاج خالد قائلا: “مهنتنا صديقة للبيئة حيث تقوم على إعادة تدوير الزجاج، ونعمل بالغاز الطبيعي”.


وعن الألوان يقول الحاج خالد إنه يستخدم تركيبات محسوبة من الأكاسيد “فعلى سبيل المثال، للحصول على اللون الكحلي نضيف أكسيد الكوبالت، ونضيف أكسيد النحاس للحصول على اللون الأزرق، واللون الأخضر، كما يضاف أيضا أكسيد الحديد مع اللون العسلي”.

أما عن أحوال المهنة فيجيب قائلا: “الأجانب المقيمين في بلدنا، يعرفون مكاني، وهم زبائن دائمين، ومصنوعاتي تعرض في خان الخليلي للسائحين”.

لكن وضع السياحة تراجع في السنوات القليلة الماضية، ومعه تراجعت أوضاع الصناع التقليديين.

ويعلق العم خالد بالقول: “مستقبل المهنة في خطر حاليا، فعدد الصناع ثمانية فقط، وبرحيلهم سوف ينتهي هذا الفن العريق”. ويطالب “بأن تدخل الدولة لمساعدتنا في تعليم الشباب أصول الصنعة، وذلك من خلال وزارة الثقافة وزارة السياحة، أو أي جهة أخرى.. المحصلة أن يكون هناك جهد لانقاذ هذه المهنة من الاندثار”.