يخيم الحزن على وجوه أفراد عائلة الشاب التونسي عبد السميع المسعودي الذي قتل قبل أسبوع في غارة أمريكية على مواقع تنظيم الدولة بمدينة صبراتة الليبية أوقعت 40 قتيلا يعتقد بأن أغلبهم تونسيين.

منذ أيام شرعت عائلته في تقبل التعازي بعد اتصالات تلقاها أبوه من أطراف مجهولة في ليبيا تؤكد مقتله في الغارة رفقة عدد من التونسيين الآخرين الذين التحقوا مؤخرا بالقتال مع تنظيم الدولة.

يخيم الحزن على وجوه أفراد عائلة الشاب التونسي عبد السميع المسعودي الذي قتل قبل أسبوع في غارة أمريكية على مواقع تنظيم الدولة بمدينة صبراتة الليبية أوقعت 40 قتيلا يعتقد بأن أغلبهم تونسيين.

منذ أيام شرعت عائلته في تقبل التعازي بعد اتصالات تلقاها أبوه من أطراف مجهولة في ليبيا تؤكد مقتله في الغارة رفقة عدد من التونسيين الآخرين الذين التحقوا مؤخرا بالقتال مع تنظيم الدولة.

في صمت وذهول يجلس أمام المنزل عدد من أهالي قرية بوشمة بمحافظة قابس (جنوب) جاؤوا لتصبير عائلته والاستفسار عما إذا كانت تلقت اتصالا رسميا من قبل السلطات لتأكيد مقتل عبد السميع.

إلى حد اللحظة ماتزال عائلته مصدومة وحائرة وتجهل هوية الليبيين الذين أبلغوها بالهاتف بخبر مقتله بحسب شقيقه محمد. يقول محمد لمراسلون “تلقينا اتصالا هاتفيا لم يدم سوى دقائق ردد أصحابه عبارات إن الله وإن إليه راجعون، ابنكم أستشهد. ثم رفضوا الإجابة عن أسئلتنا لمعرفة حيثيات الوفاة ومكان احتجاز الجثة”.

اختفوا فجأة

بحيرة يواصل حديثه قائلا إن عائلته تتقبل يوميا التعازي دون معرفة موعد وصول الجثة لدفنها.

هذه الفاجعة وجدت أيضا طريقها إلى منزل الأخوين فهمي وناظم اللذان قتلا في نفس الغارة الأمريكية بصبراطة وفق ما أكده مجهولون لأبيهما علي.

يقيم علي هو الآخر موكب عزاء أمام منزله حيث يتوجه إليه يوميا أهالي حيه بنفس القرية في قابس لمواساته على فقدان ولديه اللذان قال إنهما تجاوزا حدود تونس خلسة باتجاه ليبيا.

بحسب شقيق الجهادي عبد السميع فإن قرية بوشمة بمحافظة قابس التي تعاني من غياب التنمية وارتفاع البطالة سجلت منذ أشهر اختفاء مجموعة من الشبان من ضمنهم أخيه والشابين الآخرين.

“اختفوا فجأة ثم اتصلوا بعائلاتهم لإبلاغهم أنهم في التراب الليبي. سارعنا إلى إعلام السلطات الأمنية أملا في إنقاذهم من التنظيمات الإرهابية التي نجحت في استقطابهم” يقول محمد.

جمعيات خيرية

لا يتجاوز معدل أعمار هؤلاء الشبان التونسيين الثلاثة 25 سنة. ويفيد أهالي القرية أنهم نشطوا قبل سنوات ضمن “جماعة الدعوة والتبليغ” التي تعمل منذ فترة حكم الرئيس السابق بن علي علنا على نشر “قيم الإسلام المعتدل” تحت أنظار الجهات الأمنية.

يقول شوقي سديرة صديق الأخوين الجحيدري لمراسلون “لقد كانوا ينشطون ضمن جماعة الدعوة والتبليغ. أنا لم ألاحظ أي تغير على مستوى سلوكهم أو لباسهم قد يشير إلى تبنيهم الفكر الجهادي”.

ثم يستطرد قائلا “مع بدء انخراطهم في نشاط بعض الجمعيات الخيرية التي عملت على توزيع مساعدات لفائدة الفقراء في المناسبات الدينية انقطعوا عن الجلوس في المقاهي وانطلقوا في تنظيم جلسات داخل مسجد الحي. لقد رصدنا أكثر من مرة تردد أشخاص غرباء عن القرية على تلك المجالس”.

وتستغرب عائلات القتلى والمختفين منذ أشهر عن هذه القرية الهادئة كيف تمكن أبنائهم من التسلل إلى ليبيا بطريقة غير قانونية رغم إعلان وزارتي الدفاع والداخلية عن تحصين الحدود بعد تركيز الساتر الترابي على طول الحدود مع ليبيا وتحديد مناطق عسكرية عازلة ومغلقة.

وتتهم هذه العائلات الأجهزة الأمنية بالتقصير في تفكيك شبكات التسفير. وتقول إن هذه الشبكات تعمل تحت غطاء جمعياتي خيري أو بإيعاز من بعض المهربين الذين ساهموا في مساعدة الراغبين في الالتحاق بتنظيمات إرهابية على تجاوزهم كل العراقيل الأمنية والعسكرية على طول الشريط الحدودي مع ليبيا.

أساليب غير تقليدية

يقول العميد المتقاعد من وزارة الداخلية علي الزرمديني أن “التنظيمات الإرهابية خرجت عن طابعها التقليدي المعمول به منذ بروز تنظيم القاعدة واستغلت التطور التكنولوجي الذي يعيشه العالم لاستقطاب الشبان التونسيين للجهاد في بؤر القتال”.

ويزيد: “لقد حددت تلك التنظيمات الانترنت كوسيلة للوصول إلى المتأثرين بمناهجها دون تخليها عن الاستقطاب المباشر داخل المساجد وصلب الجمعيات الخيرية التي عملت على تأسيسها لبلوغ هذا الهدف”.

وتوفر هذه التنظيمات المصاريف اللازمة للذين لهم رغبة في مغادرة البلاد للتدرب على مختلف أنوع الأسلحة بعد الانتهاء من مرحلة الاستقطاب، وفق الزرمديني.

ويشير الزرمديني في تصريحه لموقع مراسلون إلى أن وصول الجهاديين التونسيين إلى ليبيا سنتي 2011 و2012 كان في مرحلة أولى لإرسالهم إلى تركيا عبر رحلات منظمة لمشاركة في القتال ضد قوات بشار.

تحقيقات في ليبيا

لكن مع بدء الانقسامات التي عاشتها الفصائل المسلحة في سوريا ومن أجل توسيع رقعة الحرب ضد الأنظمة العربية اختار مئات التونسيين ينتمون لتنظيم الدولة وتنظيم أنصار الشريعة البقاء في مدن ليبية لتلقي تدريبات عسكرية قبل الاستعداد للعودة لبلدهم لتنفيذ هجمات ضد السياح وقوات الأمن والجيش، وفق الزرمديني.

وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد أكدت أن الغارة التي استهدفت مدينة طرابلس الليبية قبل أسابيع لقتل عشرات الإرهابيين التونسيين يستعدون لدخول التراب التونسي من أجل تطبيق توصيات أمرائهم، الذين قرروا إرباك النظام العام في تونس من خلال تنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية.

وأفادت وزارة العدل التونسية أنها فتحت تحقيقا حول مقتل تونسيين في الغارة المذكورة، وكلفت قاض بالتحول إلى ليبيا للمشاركة في استجواب الجرحى للحصول على معلومات تساهم في الكشف عن مخططات إرهابية ضد الدولة وكشف هوية القتلى.  

ومازالت عائلات القتلى المنحدرين من محافظة قابس تنتظر تسلم جثث أبنائهم لإتمام مراسم الدفن، متهمة السلطات التونسية بالتقصير في التحري حول حقيقة ظروف مقتلهم.

ويحذر الخبراء من خطر تسلل الجهاديين من ليبيا واندساسهم ضمن وفود النازحين الذين قد يلجؤوا إلى تونس في حالة تقرر توجيه ضربات عسكرية غربية ضد مواقع تنظيم الدولة في ليبيا.