عرفت ناجي في 2006. عقد كامل مر على هذا.

يحكي المدونون أيضاً، هلال شومان نموذجا، عن عقد كامل  مر منذ تعرفهم على ناجي. عقد افتراضي. بدأ باكتشافهم لبعضهم البعض، واكتشاف المدونات لبعضها البعض.

عرفت ناجي في 2006. عقد كامل مر على هذا.

يحكي المدونون أيضاً، هلال شومان نموذجا، عن عقد كامل  مر منذ تعرفهم على ناجي. عقد افتراضي. بدأ باكتشافهم لبعضهم البعض، واكتشاف المدونات لبعضها البعض.

ولكني عرفته في سياق آخر مختلف، هنا في أخبار اﻷدب. في غرف نتنازع على مقاعدها، ووجبات فراخ  نطلبها للغداء ونقاشات حول الكتب وتريقة على المثقفين. كنت سمعت عن مدونته قبل أن أراه، وعندما جاء كنت أعرفه، وببطء ومع السنوات اختمرت معرفتي به، وبالمدونات. في نفس العام أسندت لي مهمة إعداد هوامش هذا العدد من أخبار اﻷدب (متابعو أخبار اﻷدب القدامى سيفهمون)، واقتُرح أن أختارها من المدونات، وكانت اختراعاً حديثاً وقتها، كانت حديث العالم، تحقيقات صحفية وندوات وكتب تُعمل باسم المدونات.

بدأت المهمة، وكان مدخلي في هذا مدونة “وسع خيالك”، دخلت عليها وتابعت المدونات اﻷخرى المشار إليها فيها. ومن ساعتها غرقت في عالم كتابات اﻹنترنت، وكان يساعدني. كنت أقرأ ما يكتبه في المساء ونتناقش فيه في النهار.

كان ناجي مدخلي لعالم التدوين، كما كان عالم التدوين مدخلي إلى ناجي. هناك، فهمته أكثر، بسخريته وبذاءته وطاقته واستفزازيته وذكائه القناص.

أفترض أن هناك الكثير من القصص مثل قصتي، قصص بطلاها هما اﻹنترنت وأحمد ناجي. وكف أدى أحدهما إلى اﻵخر.

من حينها أرى لناجي روحين، روحاً هنا في أخبار اﻷدب، وروحاً  معلقة هناك في اﻹنترنت.

***

تصور ناجي في السجن كفيل بمنع النوم حتى عن أعدائه.

هل هو حزن شخصي؟ نعم، أنا حزين على صديق تاريخي، صديق كنت آكل معه في الجرنان، وهذا بديهي. ولكنه  ليس  شخصياً فحسب.  

كان لناجي  أحد أبرز اﻷدوار في توسيع حدود الكلام والتفكير في السنوات اﻷخيرة، السابقة على الثورة المصرية والتالية لها. يعرف متابعوه هذا جيداً.

حزني على ناجي هو حزن على حياتي أيضاً، فبدونه، وبدون تخيل حضوره حولي، ستبدو فارغة جداً، كما أن حزني عليه هو حزن على مصر، حزني على مساحات الكلام في مصر. حزني على الهواء النقي. وآسف طبعاً على الرومانسية.

كتب الروائي حمدي أبو جليل في صفحته على الفيسبوك:  

“طعنة احمد ناجي مش زي أي طعنة، دي الطعنة اللي ف القلب، والروح والمكان والكينونة والشخصية نفسها – بكرة هتكون مكانه ، متشعلق من ودانك في السجن، ناجي مش البحيري ولا ناعوت ، ناجي صميم الادب وسلساله ، والأمرّ والأضل والجنان الرسمي ان ناجي مسجون في كلام عادي ، سيبك من أم الرواية ، ناجي محبوس على كلام عادي هو نفسه قاله او نفسه يقوله وأنا كمان عايز اقوله لأي حد هييجي على باله اي تقييم لرواية احمد ناجي وهو محبوس”.

لسبب ما، لم يتوقع أكثر تشاؤماً أن تكون نهاية القضية المرفوعة على ناجي  بالسجن. حتى الجلسة اﻷخيرة كنا نظنها لعبة. لماذا؟ ﻷن ناجي يلعب. وﻷنه ظل في أدمغتنا حراً أبدياً وعصياً على الحبس.

ولكن لا ضمانة على أن ما في أدمغتنا يقد يكون حقيقياً، خاصة في ظل نظام يسعى لمنع الحريات بكل ما أوتى من قوة. وحبس ناجي كان  الصدمة اﻷكبر بالنسبة لنا لهذا السبب. كون اﻷكثر حرية قد حُبس. كان رعبنا على ناجي مضاعفاً، من ناحية ﻷننا نعرفه، ولا يمكننا تخيله في القفص، ومن ناحية ﻷننا خائفون على أنفسنا أيضاً.

ناجي  أديب محبوس بسبب نص كتبه.  اﻷدباء اﻵن خائفون على أنفسهم. لم يكن ناجي قائداً سياسياً، ولا هو، بالتأكيد، إخوان، ولا ينتمي ﻷي حزب أو حركة سياسية أصلاً. وإنما أديب نشر فصلاً من روايته في جريدة. ناجي أقرب صديق إلى قلبي يُحبس، وأقرب صديق إلى الكثيرين ممن حولي. ﻷن الدوائر التي كان يتحرك فيها ناجي كانت دوائر اﻷدباء والفنانين، لا السياسيين الذين ينفر منهم،  لهذا شعرنا نحن، ودوائرنا، بالخوف. الوحش يقترب.

كلمة أخيرة بخصوص الدوائر، في اليومين الماضيين قرأت  أناساً يتهمون المتضامنين مع ناجي بالتحيز له على حساب غيره، ﻷنه صاحبنا. حسناً، الكثيرون في مصر يتضامنون مع الجميع، ولكن بالنسبة للحب، آسف، كله عند العطار ما عدا حِبّني غصب.

***

ما هي تهمة ناجي، بخلاف كتابة اﻷلفاظ البذيئة طبعاً؟ ما الذي يمثله ناجي بخلاف كونه “بذيئا”؟ أنه يلعب، وأنه مختلف.

أفكر في هذا في لحظات البارانويا. أفكر في هذا ﻷنني أفهم كيف أن شخصاً، لا يهدد أمن الوطن بأي شكل، يُحبس فقط لكونه مختلفاً. والاختلاف مستفز لمن لا يملكونه، حتى لو كانوا يملكون سلاحاً أو قانوناً. ستُحبس ﻷنك لست مثلنا, لا يمكن تسكينك في قالب ما.  أنت تتحرك بين القوالب، تتحرك بينها وتهاجمها ولا تعجبك أي منها. أنت باﻷساس ترفض القالب. أنت توسع الخيال.أفكر في هذا عندما يسرح عقلي، وليست لديّ  دليل على أنه يسرح في الاتجاه الغلط.

المهم، هذا كله كلام فارغ. وأنا أزين كلاماً، وليس للكلام أهمية. أنا حزين جداً، ومستاء جداً، وغير مبسوط. وأنا أيضاً شديد الغضب.