عندما سئل أنطونيو فى مسرحية “العاصفة” لشكسبير عن ضميره وهو يفكر فى جريمة القتل قال:”نعم سيدى أين يكمن هذا الضمير؟ لو تورمت قدماى لشعرت بذلك، لكنى لا أشعر بوجود هذا الكيان المقدس داخل صدرى”.

تذكرت أنطونيو، بينما يحكى ناجى عن رفيق الحبس المتهم بالشروع فى القتل الذى سأله “جاى فى إيه؟” وبينما يحاول أن يشرح له كيف اتهمه شخص آخر بخدش حياءه، دون تفاصيل كثيرة وبلغة يفهمها، يباغته الرجل “وتخدش ليه كنت تخلص على طول”.

عندما سئل أنطونيو فى مسرحية “العاصفة” لشكسبير عن ضميره وهو يفكر فى جريمة القتل قال:”نعم سيدى أين يكمن هذا الضمير؟ لو تورمت قدماى لشعرت بذلك، لكنى لا أشعر بوجود هذا الكيان المقدس داخل صدرى”.

تذكرت أنطونيو، بينما يحكى ناجى عن رفيق الحبس المتهم بالشروع فى القتل الذى سأله “جاى فى إيه؟” وبينما يحاول أن يشرح له كيف اتهمه شخص آخر بخدش حياءه، دون تفاصيل كثيرة وبلغة يفهمها، يباغته الرجل “وتخدش ليه كنت تخلص على طول”.

لم أحك لناجى حكاية أنطونيو طبعا لأننى كنت مشغول بتأمله، وهو يكشف لى عن وجه آخر من وجوهه المتعددة، مشغول بتأمل تماسكه المذهل وسط هذه الدهاليز المربكة. وشعيراته البيضاء التى لم ألمحها أبدا من قبل.

انتبهت وأنا فى طريقى إلى قسم بولاق أننا وطوال سنوات عملنا معا لم نتقابل فى منازلنا وأن هذه تعتبر الزيارة الأولى!

شغلتنى المفارقة طوال الطريق الذى لم يكن طويلا من المؤسسة إلى القسم. أخبار اليوم تقع تقريبا فى نطاق قسم بولاق..أحمد يعمل ويٌسجن فى بولاق وهذه مفارقة أخرى.

يلازمنى شعور ساذج  بالتفاؤل منذ بداية القضية وربما حتى البراءة الأولى المغدوره، نتبادل “القفشات” كلما تقابلنا عن احتمال حبسه، وكنا نتصوره أمرا غير وارد، وربما أدين له باعتذار الآن عن سذاجتى وهو الغارق فى التفاصيل.

الشعور الغبى بالتفاؤل كان يلازمنى أيضا حتى فى الطريق إليه، لا أعرف لماذا تصورته فى مكان أفضل. فلم أكن أتصور أبدا أنه فى قفص!

لحظة رؤيته فى القفص وراء القضبان لا يمكن نسيانها، ولا مسامحة المتسبب فيها، نرتبك جميعا. يقف بعد أن كان جالسا على كرسى خشبى. يقترب، لا نعرف هل نسلم من وراء القضبان، أم سندخل لنجلس معه داخل القفص، أم ستستمر الزيارة كلها على هذا الوضع العجيب؟ لم تلتق عيوننا تقريبا. شعرت بغصة ولو استمر الوضع هكذا ربما كنت سأبكى فعلا. حاولت التصرف بشكل طبيعى وفشلت، أدخلت يدى وراء القضبان لسلام سريع، لا أتذكر إن كان حدث أم لا.

يتدخل المأمور أخيرا ويسمح له بالخروج ليجلس معنا خارج القفص، على “مصطبة” قريبة. يخرج ولا يسلم. ولا تلقتى عيوننا. يجلس فى المنتصف بينى وبين محمد فرج. يقوم فجأة ليحضر سجائره. يعود ليجلس بيننا ويشعل السيجارة..مع الأنفاس الأولى يبدأ فى الكلام.

تصورت أننا من نحمل الأخبار وبالتالى كان علينا نحن الكلام، لكن لم تكن تنقصه المعلومات، أو ربما لم يكن يريدها. كان يريد فقط أن يحكى. حكى عن تفاصيل يوميه فى مقره الجديد، أحاديث يومية وتفاصيل لا يخلو كثير منها من العبث. عن زملاء الحبس..التخشيبة..عربه الترحيلات..الزنزانة..القفص، مصطلحات انضمت لقاموسه اليومى ولا يلتفت، وحتى مطاراته لقطه عجيبة التصقت به ولا تخاف من شىء. مشاهد عديدة التقطها وخزنها ولا يزال.

بعد حوالى ساعة أصبحت العيون المسلطة علينا أكثر حدة وتوترا، فهم إنها إشارة تململ لإنهاء الزيارة، لم ننته من الحديث بعد، هناك الكثير الذى لم نقوله، لكن لم نكن نريد تحميله “جمايل” قد يردها بعد رحيلنا. تحدثنا سريعا فى أمور القضية وتطوراتها. وانتهت الزيارة.

تعانقنا أخيرا، يُشعرنا بالامتنان ولا أشعر إلا بالعار لأن هذا هو أقصى ما يمكن أن أقدمه لصديق لا أفهم حتى الآن ماذا يفعل هناك ولأى غرض ولمصلحة من؟

نلمح فى نهاية القفص وعلى البطانية المخصصة للنوم القطة التى حكى عنها مكومه على نفسها مستمتعة بملمس البطانية التى أصبحت لها وحدها، نشير إليها فيقول: “دا أصل وقت القيلولة بتاعها”. يضحك، ولا أستطيع. ويدخل القفص.