لعل ما يحدث هذه الأيام في العديد من جهات البلاد التونسية من احتجاجات وصدامات، يعتبر حلقة جديدة من حلقات هذا الشهر البارد في طقسه والساخن في احداثه والقاسي على المواطن التونسي البسيط والثقيل على الحكومة وسلطاتها.

موقع “مراسلون” اتصل بأستاذ التاريخ في الجامعة التونسية علية عميرة، الذي رصد أهم الاحداث التي وسمت هذا الشهر على الصعيد التونسي.

شهر اعلان الثورة المسلحة ضد الاستعمار والمحاكمات العسكرية:

لعل ما يحدث هذه الأيام في العديد من جهات البلاد التونسية من احتجاجات وصدامات، يعتبر حلقة جديدة من حلقات هذا الشهر البارد في طقسه والساخن في احداثه والقاسي على المواطن التونسي البسيط والثقيل على الحكومة وسلطاتها.

موقع “مراسلون” اتصل بأستاذ التاريخ في الجامعة التونسية علية عميرة، الذي رصد أهم الاحداث التي وسمت هذا الشهر على الصعيد التونسي.

شهر اعلان الثورة المسلحة ضد الاستعمار والمحاكمات العسكرية:

يوم 20جانفي 1946 أي قبل استقلال تونس ب 10سنوات، تاسس  الاتحاد العام التونسي للشغل كاتحاد جامع لاتحاد النقابات العمالية الجهوية.

وعرفت هذه الفترة من تاريخ تونس مواجهات مع قوات الاحتلال الفرنسي وحراك وطني من اجل نيل الاستقلال قادها الحزب الحر الدستوري وزعماء الحركة الوطنية الذين اضطروا الى الخيار المسلح بعد قرار الرفض التام لمطالبهم الوطنية من قبل السلطات الفرنسية وإقرار فرض شرط ازدواجية السيادة على البلاد التونسية.

يوم 18جانفي 1952 تاريخ اعلان الثورة المسلحة التي تطوع لها حوالي 3500 شخص أطلق عليهم فيما بعد اسم “الفلاقة”.

جانفي 1963 له رمزيته أيضا وخاصة عند المناضلين الأوائل وسكان جنوب البلاد”. ويضيف الأستاذ علية عميرة بان “شهر جانفي 1963 شهد محاكمة عسكرية لمجموعة الازهر الشرايطي التي حاولت الانقلاب على نظام الحكم. وتم بمقتضاها اعدام 13 شخصا منهم 7 عسكريين و6 مدنيين”.

26 جانفي 1978 هي ذكرى رسخت في اذهان التونسيين خاصة منهم النقابيون والطبقة الشغيلة لأنها تذكرهم بأبرز ازمة حدثت بين اتحاد الشغل والنظام الحاكم وبمشاهدة الجيش لأول مرة في تاريخه ينزل الى الشوارع.

في ذلك اليوم الذي سمي “الخميس الأسود” عمت المسيرات والمظاهرات جميع جهات البلاد خاصة العاصمة وكانت المواجهات عنيفة ودامية اسفرت عن سقوط 52 قتيلا و365 جريحا حسب الاحصائيات الرسمية في حين أفادت تقديرات مستقلة بان الضحايا وصل عددهم الى حوالي 400 قتيل وأكثر من 1000 جريح.

احداث جانفي 1978 نتج عنها اعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال بالعاصمة واحوازها لمدة قاربت الثلاثة أشهر وكذلك القاء القبض على أكثر من 700 نقابي وتعذيبهم الى حد موت بعضهم ومحاكمتهم في محاكم امن الدولة على غرار رئيس الاتحاد الحبيب عاشور الذي حكم عليه ب 10سنوات سجن مع الاشغال الشاقة وتم تنصيب قيادة لاتحاد الشغل موالية للدولة.

جانفي 1980 عملية قفصة المسلحة: في الليلة الفاصلة بين 26 و27 جانفي سنة 1980 قامت مجموعة مسلحة من المعارضين تتكون من 60″كومندوس” ينتمون إلى فصائل معارضة ذات توجه قومي عروبي يقودهم القائد السياسي عز الدين الشريف وأحمد المزغني القائد االعسكري بالهجوم على مدينة قفصة الجنوبية في محاولة للسيطرة على ثكنة الجيش ومراكز الأمن وتشجيع السكان على التمرد وحمل السلاح.

المحاولة باءت بالفشل وتم القضاء على عدد من أفراد المجموعة ومحاكمة البعض الآخر وتسببت هذه الأحداث في توتير العلاقات بين تونس والجارة الجنوبية ليبيا بعد أن تم اتهام النظام الليبي ومعمر القذافي بالمساهمة في التخطيط والمساندة على خلفية إلغاء اتفاقية الوحدة بين ليبيا وتونس التي تم توقيعها في 12 جانفي 1969

جانفي  1984 انتفاضة الخبز: سميت هذه الأحداث بأحداث الخبز لأنها جاءت بعد إقرار النظام الحاكم لقانون الترفيع في أسعار الخبز والفارينة ومشتقاتها .وبدخول هذا القرار حيز التنفيذ في 1 جانفي 1984 امتدت الثورة –التي كانت شرارتها الحقيقية يوم 29 ديسمبر 1983  من مدينة دوز بالجنوب التونسي -إلى مدنين وقفصة وقابس ثم الى مدن الشمال الغربي والوسط الغربي فالعاصمة. وكانت هذه الانتفاضة والمواجهات دموية وأسفرت عن حوالي 51 قتيل والعديد من الجرحى. وشارك في هذه الانتفاضة أعداد غفيرة من الطلبة والتلاميذ والنشطاء المدنيين والحقوقيين والسياسيين وتم اغتيال الناشط اليساري الفاضل ساسي أمام منزله يوم 3 جانفي .وكالعادة التجأ النظام إلى استدعاء القوات العسكرية ونزلت الدبابات إلى الشوارع ووقع فرض عطل قسرية بالجامعات والمؤسسات التربوية من 4 إلى 7 جانفي 1984 ولم يستقر الوضع إلا بعد تدخل الرئيس الحبيب بورقيبة في خطاب شهير وتاريخي معلنا عن التراجع عن قرار الزيادة في أسعار الخبز وإعادة النظر في الميزانية الجديدة في مدة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر مع مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتردية للمواطن وعدم تحميله أعباء تدهور الاقتصاد.

جانفي 2011 الثورة التونسية وانطلاق الربيع العربي

انتظر الشعب التونسي في هذه المرة حوالي 25 سنة ليعيد الكرة في جانفي 2011 مناديا بنفس المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي كان أهمها مطلب التشغيل والتنمية بالجهات الداخلية ولكن في هذه المرة بأكثر وعي ونضج وبأساليب جديدة كان أهمها وسائل الاتصال الحديثة (الأنترنانت والهواتف الرقمية).

ولم تمنع الخطابات التطمينية للرئيس بن علي ولا وعوده التصبيرية ولا آلات دولته القمعية ولا مناوراته السياسية من السقوط بل اضطرته المظاهرات الجماهيرية التي حاصرت نظامه المتهاوي في كل مكان إلى مغادرة البلاد يوم 14 جانفي 2011 تاركا البلاد لمصيرها الجديد الذي لم يمنع شهر جانفي من فرض رمزيته في كل مرة سنحت الظروف والسياقات بذلك.

وقد شهد جانفي 2014 احتجاجات كبرى ضد مشروع الميزانية ورفضا للتعويضات المالية التي أقرتها حكومة الترويكا لمساجين العفو التشريعي ضمن ما يسمى ب «صندوق الكرامة” والذي خصصت أغلب التعويضات فيه لأنصار حركة النهضة.

جانفي 2016 جدت احتجاجات ومظاهرات في عديد المدن المهمشة (مدن الجنوب والشمال الغربي والوسط الغربي وأحواز المدن الكبرى) كان عنوانها خاصة في جانبها السلمي المطالبة بوقف التهميش الجهوي والتمييزيين المناطق وبالتشغيل والحد من غلاء المعيشة.

وكانت ظروفها نفس الظروف التي أدت إلى كل الثورات السابقة. البطالة والفقر والتهميش وانعدام التوازن الجهوي وانسداد الأفاق أمام الشباب وارتفاع الأسعار الجنوني.

تعددت التواريخ والأسباب واحدة

يقول المؤرخ علية عميرة “إن الدراس لكل الأحداث التي شهدها شهر جانفي في تونس منذ الاستقلال يلاحظ أن الأحداث تتشابه والأسباب تتكرر”. فشهر جانفي هو شهر الشتاء الذي يشتد فيه البرد والفقر والمرض على المواطنين البؤساء. كما أن شهر جانفي هو شهر تطبيق خيارات الميزانيات الجديدة وقرارات الحكومة التي غالبا ما تكون مجحفة وقاسية وثقيلة على كاهل المواطن البسيط.

كما يضيف أن كل الاحتجاجات التي حدثت كانت بسبب فشل الخيارات الاقتصادية والحلول الاجتماعية والتنموية وتواصل التوزيع غير المتكافئ للثروة.

ويرجع الأستاذ عميرة سبب اندلاع هذه الاحداث الى أسباب اقتصادية واجتماعية وأيضا الى محاولة الحكومة القائمة السيطرة على المنظمة الشغيلة وهياكلها والتحكم في قراراتها في حين ان الا تحاد قد كان بلغ مرحلة هامة من الوعي والنضج بفضل الوافدين الجدد من الطلبة اليساريين والسياسيين والقوميين والبعثيين المطالبين باستقلالية قرار الاتحاد وفصل الاتحاد عن سلطة الحزب الواحد. هذا بالإضافة الى انتشار التشغيل الهش والاستغلال والظلم للفئات العاملة في المؤسسات الأجنبية التي متعها “قانون 72” الشهير بامتيازات كبرى على حساب أبناء البلد.