لا زال التسويف هو الطابع العام للمشهد السياسي في ليبيا، وأبرز عناوين المرحلة هو تكاثر المطالب، فكل جهة تكدس مطالبها أمام البعثة الأممية لتوافق على تمرير حكومة الوفاق الوطني، التي لو فكرت في الالتزام بما طُلب منها فلن تتحرك خطوة واحدة في أي اتجاه.

التعديل الدستوري أولاً

لا زال التسويف هو الطابع العام للمشهد السياسي في ليبيا، وأبرز عناوين المرحلة هو تكاثر المطالب، فكل جهة تكدس مطالبها أمام البعثة الأممية لتوافق على تمرير حكومة الوفاق الوطني، التي لو فكرت في الالتزام بما طُلب منها فلن تتحرك خطوة واحدة في أي اتجاه.

التعديل الدستوري أولاً

“لا يمكن منح الثقة للحكومة التوافقية إلا عن طريق مجلس النواب” هذا ما صرّح به عقيلة صالح رئيس مجلس النواب لـ”مراسلون”، مضيفاً أنه قبل اعتماد الحكومة، يجب إجراء تعديل دستوري وهو الأساس.

لكن التعديل الدستوري يتطلب موافقة أكثر من 124 نائباً لتمريره وهو أمر مستبعد التحقق، فمجلس النواب لم ينجح حتى الآن في عقد جلسة واحدة بنصاب قانونين نتيجة وجود العديد من الأعضاء خارج ليبيا بين تونس ومصر، بينما اكتفى العدد القليل ممن حضروا تحت قبة البرلمان باجتماعات تشاورية، والتقاط الصور التذكارية مع رئيس مجلس النواب.

لماذا لم يكتمل النصاب داخل قاعة البرلمان؟ سؤال يحتمل أكثر من تحليل واجتهاد، فالنائب عبد السلام نصية يعزو ذلك لغياب الثقة بين أعضاء مجلس النواب، و الصراع على اقتسام كعكة السلطة. “بعض أعضاء مجلس النواب يرون أن انعقاد الجلسة سيفقدهم أوراق الضغط أو بعض الامتيازات” يوضّح.

شروط برقة

ليس فقط انعقاد مجلس النواب في طرابلس ما يعطل إنشاء حكومة الوفاق الوطني. فممثلو إقليم برقة سواء من نوابه داخل مجلس النواب أو زعماء القبائل الذين اجتمعوا مع رئيس البعثة الأممية مارتن كوبلر بحضور رئيس مجلس النواب عقيلة صالح طرحوا حزمة من الشروط مقابل تصويتهم على تمرير الحكومة الوفاقية.

نواب برقة في مجلس النواب طالبوا إثر اجتماع في تونس نهاية الأسبوع الماضي بمنح حق الرفض “الفيتو” لنواب الإقليم على كل ما تتخذه الحكومة التوافقية من قرارات وعلى اختيار الوزراء ووكلائهم وشاغلي كافة الوظائف القيادية. وكذلك عدم تعديل أي من القرارات التي صدرت عن مجلس النواب في السابق، والحصول على ضمانات بإعادة إعمار بنغازي وإنشاء هيئة جديدة باسم هيئة إعمار ليبيا يكون مقرها بنغازي.

اشترط نواب برقة أيضاً ألا تمنح الثقة للحكومة إلا إذا كانت مكتملة بجميع حقائبها، وألا يشارك النواب المقاطعون لجلسات المجلس في التصويت على إعطاء الثقة للحكومة أو التصويت على التعديل الدستوري، وأن يسمى في جلسة منح الثقة محافظ مصرف ليبيا المركزي الذي يتبع مجلس النواب.

وبحسب تصريحات عضو مجلس النواب سلطنة المسماري فإن شروط “إقليم برقة” تم إيصالها الى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، مشيرة إلى أن نواب برقة ربطوا مشاركتهم في الحكومة الجديدة بالموافقة على هذه الشروط.

هذه المطالب لم يصدر أي رد فعل رسمي بخصوصها إلا ما سرب عن خلافات داخل المجلس الرئاسي دفعت بالنائبين عن برقة للتهديد بالانسحاب من المجلس دون توضيح الأسباب.

الشيوخ أيضاً

ليس ببعيد عن قبة البرلمان دخل أعيان ووجهاء قبائل برقة على خط الاتفاق السياسي، مما أعطى رافضي التصديق على حكومة الوفاق الوطني من داخل مجلس النواب فسحة أخرى للمناورة.

لم يغب عقيلة صالح عن هذا الاجتماع الذي عقد بمنطقة الوسيطة (غرب طبرق) ولم يبدِ أي اعتراض على الشروط التسع التي ستجعل الأعيان والمشائخ يوافقون على حكومة التوافق في حال مررها مجلس النواب.

تمثلت الشروط في عدم المساس بالمؤسسة العسكرية، وعدم العبث بمكونات قياداتها ورفع حظر التسليح عن الجيش الليبي، بالإضافة إلى أن تتم حماية الحكومة بواسطة وزارة الداخلية وعدم تشكيل أجسام موازية للمؤسسة العسكرية، وآخرها التساوي بين الأقاليم الثلاث في توزيع الحقائب الوزارية.

تلك الشروط التي تراها بعض الأطراف المقابلة شروطا مستحيلة فإن عضو مجلس النواب طارق الجروشي يؤكد لـ”مراسلون” أنه لا تنازل عنها.

الأقدام في الهواء

لعل أكبر مخاوف رافضي إعطاء الثقة للحكومة هو الخوف على المؤسسة العسكرية وقيادات الجيش، وتحديداً قادة معركة الكرامة وعلى رأسهم القائد العام الفريق خليفة حفتر.

فالاتفاق السياسي يعطي صلاحيات القائد العام للجيش لمجلس رئاسة حكومة التوافق، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك في إشغار جميع القيادات العسكرية والسيادية بعد توقيع الاتفاق ومنح الحكومة الثقة مباشرة، وهو ما يصفه الرافضون بجعل “أقدام الكل في الهواء”.

في المقابل، فإن المؤيدين لحكومة الوفاق داخل مجلس النواب حجتهم أن عقيلة صالح يمثّل “عقبة” أمام منح الثقة للحكومة، هذا ما قاله النائب أسامة الشعافي لـ”مراسلون” عندما أوضح أن أسباب عدم انعقاد جلسة حاسمة لمجلس النواب يرجع إلى “تعنت الرئاسة في عدم حسم الأمور، وبالأخص السيد عقيلة صالح”.

الشعافي استغرب كيف يكون ملف الحوار هو الملف الوحيد المطروح على طاولة مجلس النواب لمدة تسعة أشهر، وعندما تمخض عن الحوار تشكيل حكومة توافقية “تعمد الرئيس عدم حسم الأمور بالطرق الديمقراطية المنصوص عليها في اللائحة الداخلية، وهو التصويت وقبول حكم الغالبية” على حد قول الشعافي.

النداء الأخير

يقول الكاتب والمحلل السياسي إدريس الطيب الأمين إن زيارة المبعوث الأممي مارتن كوبلر إلى ليبيا وإلى كل من شحات وطرابلس هي لتوجيه “النداء الأخير قبل الإقلاع”، إلى أولئك الذين يعارضون الاتفاق لكي ينضموا إليه.

ويضيف الطيب أن الأمم المتحدة تريد الحصول على أكبر قدر من التوافق حول مشروع الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق، وتريد استنفاذ كافة الوسائل المتوفرة للاستماع إلى الاعتراضات ومعالجتها بما يمكن.

الطيب يعتقد أن الأمم المتحدة “تؤمن بأن آخر علاج هو الكي الذي لا تريد اللجوء إليه إلا في حالة الضرورة”.

ويرى بأن زيارة كوبلر إلى شحات كانت إيجابية لأنها على الأقل دفعت عقيلة صالح إلى مناقشة الاتفاق وقبوله – ولو بشكل غير مباشر – في حين أصر المؤتمر الوطني العام بطرابلس على رفضه، “وهو ما سيفتح الباب واسعاً أمام العقوبات وغيرها من وسائل الضغط التي قد تصل إلى المواجهة العسكرية مع المسيطرين على طرابلس!”.

من جانبهم فإن النواب المؤيدين لحكومة الوفاق يقولون إن لديهم القدرة على عقد جلسة للتصويت وهو مالم يفلحوا فيه إلى الآن بسبب تغيبهم عن الجلسات المقررة فهل يستطيع المؤيدون فرض إرادتهم أم سيصمد الممانعون وهل ستبقى الأمم المتحدة عاجزة أمام هذا المشهد المتشابك؟