يمر العالم حاليا وتحديدا منطقة الشرق الأوسط بأسوأ أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية. مئات الآلاف يضطرون إلى الفرار من الحروب والصراعات السياسية المسلحة إلى البلدان المجاورة أو عبر البحار إلى أوروبا. على الجانب الاخر يصبح هؤلاء اللاجئين هدفا سهلا للكثير من التنظيمات المتطرفة ومافيا التهريب وحتى تجار المخدرات. الجميع يسعى لاستغلال ظروفهم الصعبة واستخدامهم لصالحه.

السطور المقبلة ستتضم مقابلات أجريت مع عدد من اللاجئين من جنسيات مختلفة دفعتهم الظروف إلى السجون المصرية في قضايا مختلفة.

يمر العالم حاليا وتحديدا منطقة الشرق الأوسط بأسوأ أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية. مئات الآلاف يضطرون إلى الفرار من الحروب والصراعات السياسية المسلحة إلى البلدان المجاورة أو عبر البحار إلى أوروبا. على الجانب الاخر يصبح هؤلاء اللاجئين هدفا سهلا للكثير من التنظيمات المتطرفة ومافيا التهريب وحتى تجار المخدرات. الجميع يسعى لاستغلال ظروفهم الصعبة واستخدامهم لصالحه.

السطور المقبلة ستتضم مقابلات أجريت مع عدد من اللاجئين من جنسيات مختلفة دفعتهم الظروف إلى السجون المصرية في قضايا مختلفة.

ينتمي ق . ع، سوري الجنسية 42 عاما، إلى أحد التنظيمات الجهادية المسلحة، وألقي القبض عليه مطلع العام الجاري بسيناء، خلال نقله 5 أطنان من المتفجرات في سيارات نقل بمحافظة شمال سيناء. يقبع حاليا بالسجن في انتظار المحاكمة. يقول ق.ع: “التهمة ليست تلفيقاً لي، أنا فعلت هذا، في سوريا حملت السلاح ضد بشار منذ بدأ تصويب سلاحه إلى قلب مجاهدي المعارضة السورية الذين يسعون لتحريرها من بطشه، ثم حدث “الانقلاب العسكري” في مصر والحرب الوحشية ضد الإسلام والإبادة الجماعية لإخواننا. يضيف أنه جاء إلى مصر للانضمام للمجاهدين، واستقر بسيناء كبداية لجمع السلاح ثم البدء في الجهاد معهم. خططنا لعملية جهادية مزلزلة ضد القوات المصرية في سيناء.

ويشرح تفاصيل العملية قائلا: “استطعت جمع خمسة أطنان من المتفجرات، وليلة تنفيذ العملية وضعنا المتفجرات بسيارات نقل، وقبل أن نبدأ الحركة داهمتنا قوات الجيش، بالتأكيد كانت لديهم معلومة من خائن بيننا ، اشتبكوا معنا لكن كان عددنا قليل جداً فاستطاعوا هزيمتنا وألقوا القبض علينا”.

يقول المتهم السوري إنه تعرض للاعتداء أثناء التحقيق معه داخل أحد الأجهزة الأمنية بالضرب والصعق بالكهرباء والحرق، وبعد انتهاء التحقيقات عُرض مرة واحدة على النيابة، ثم تم ترحيله إلى السجن وفي انتظار إحالته للمحكمة.

وينهي حديثه: “لن انكر ما قمت به أمام المحكمة، فأنا لم انكره أمام النيابة ، لقد كنت أجاهد في سبيل الله من أجل نصرة الإسلام وغداً سننتصر ونتحرر جميعاً ونقتص لإخوتنا في مصر والشام وفلسطين وليبيا والعراق وبورما وكل بلاد العالم الإسلامي”.

جاءت م.أ، فلسطينية 32 عاما، إلى مصر مع أهلها مطلع 2012 هربا من الحصار والمعارك والظروف الاقتصادية الصعبة في غزة. تقول كنا نعيش دون مشاكل لفترة طويلة حتى بدأت العمليات الإرهابية في سيناء، وبدأ معها حديث الاعلام عن دور الفلسطينيين في ذلك. تقول: “أصبح الناس ينظرون لنا ببغض ويتهموننا بأننا مسوؤلون عن الدماء التي تسيل في سيناء.. بدأنا ننتقل من منزل إلى اخر بسبب رفض السكان لنا خوفاً منا.. الكل أصبح يعتبرنا إرهابيين لمجرد أننا فلسطينيون”.

 ازداد الأوضاع سوءً بعد 30 يونيو، وتقول م.أ: “أصبحنا مهددين بالترحيل دون مراعاة أننا جئنا إلى مصر لاجئين.. شعرت بالظلم ولم أعد اتحمل الوضع خاصة بعد اعتقال صديقات فلسطينيات بحجة أن إقامتهن غير مقننة، وتعرضن لانتهاكات عديدة في السجون المصرية”.

شعرت بغضب شديد وكره لهذا النظام الذي لا يراعينا كما لا يراعي أبناء شعبه، وشاركت المصريين آلامهم وقررت النزول معهم في تظاهرات لإسقاط النظام المصري أملاً في نظام جديد يحكم ويراعي شعبه ويراعينا ويخرج صديقاتي من السجون. ألقي القبض علي م.أ أثناء مشاركتها في إحدى التظاهرات المعارضة بمنطقة مدينة نصر نهاية 2013، وقضيت ليلة في قسم الشرطة، تقول إنها تعرضت خلالها لإهانات لفظية شديدة من الضباط وضرب مبرح من المحجوزات الجنائيات، ثم أحلت إلى النيابة ومنها إلى السجن ثم بدأت محاكمتها بتهم الانضمام لتنظيم إرهابي وتخريب المنشآت.

فر اللاجئي السوداني ج.ز، 38 عاما، إلى مصر وحيداً دون أهله أثناء معارك ماقبل تقسيم السودان، واستطاع أن يقنن وضعه وحصل على إقامة رسمية ومسكن وعمل. يقول: “تعرضت كثيرا لمضايقات وسخرية سواء من بعض أفراد المجتمع أو من موظفين بمؤسسات الدولة لكن كنت أتعامل معها وأتقبلها”.  ويضيف: “تدهورت الاوضاع بعد ثورة يناير وفقدت عملي حينما قرر صاحب العمل تقليل العمالة بسبب أزمة مالية، بعد ذلك حصلت على عمل جديد بشركة صرافة يمتلكها رجل أعمال كبير في وقت كنت مهدد فيه بالترحيل لعدم استطاعاتي دفع رشاوي لتقنين إقامتي”.

علم صاحب الشركة بالمشاكل التى تواجه ج.ز، وعرض عليه دفع تكلفة تجديد الإقامة والاستعانة بأصدقاء له في وزارتي الداخلية والخارجية لتقنين وضعه في مصر. لكنه طلب منه أيضا أن يساعده في تنفيذ عمليات إتجار في العملة خارج الإطار الرسمي، وبمقابل نسبة أحصل عليها، وافقته في ذلك وعملت معه لمدة عامين ونصف ثم ألقي القبض علي في مايو الماضي، واستطاع صاحب العمل إنهاء القضية قبل إحالتها للمحكمة حتى لا يزج باسمه. يقول اللاجيء السوداني: “لست نادما على ما فعلت فلم يكن أمامي طريق آخر، والمصريون أنفسهم يعملون بتجارة العملة في السوق السوداء بعضهم مثلي يفعل ذلك كي يستطيع تدبير نفقاته والبعض ليزيد ثروته”.

وصل اللاجيء السوداني ط.ع، 28 عاما، إلى مصر هربا من الصراع بين المعارضة المسلحة وقوات القذافي مطلع عام 2011. بعدها قضى فترة بمخيم اللاجئين الأفارقة بهضبة السلوم ثم استطاع بمساعدة أحد المصريين الوصول إلى القاهرة. يقول ط.ع: “دبر هذا الشخص إقامة بأحد المناطق الشعبية لأكون بعيداً عن أعين ضباط الشرطة، وهناك عملت بمحل للطعام الشعبي وتعرضت كثيرا للإهانات والسخرية من زملائي حتى مللت العمل معهم وتركته”.

عرض علي أحد جيراني عملا  قال لي عنه: “لن يستطيع فيه أحد إهانتك لأنهم سيكونون في حاجة إليك”. باختصار طلب مني أن اعمل “ديلر” أو موزع مخدرات، وبالفعل حظيت باحترام زبائني حتى طلب أحدهم مني كمية كبيرة من “الحشيش”، وفي طريقي إليه استوقفتي الشرطة ووجدت معي المخدرات وألقت القبض علي. يقول ط.ع: “تعرضت لضرب مبرح أثناء إلقاء القبض علي وبعد وصولي لقسم الشرطة وقريبا ساعرض لأول مرة على النيابة ولا أعلم ماذا سيحدث معي”.

يرى دكتور محمود أبو العزايم، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن اللاجئين يتأثرون بالظروف المحيطة بهم مثل غيرهم، ولا يمكن أبداً أن يكونوا بمعزل عنها. ويقول: “لكن تأثرهم وميلهم للانسحاق يكون أكبر لأنهم في الأصل جاءوا من أماكن متوترة ومهددة لحياتهم، جاءوا هرباً من الحروب وأملاً في حياة آمنة ولقمة عيش نظيفة فحاصرتهم ظروف المجتمع الذي هربوا إليه”.

ويضيف أبو العزايم أن بعض اللاجئين قاوم الضغوط ولم يستسلم وظل متمسكاً بمبادئه رغم احتياجه المادي والمعنوي. لكن البعض، والكلام لأستاذ علم الاجتماع، انسحق وقبل بمخالفة القانون واعتبر ظروفه مبرر كافي لذلك فيما جاء عدد قليل إلى مصر حاملا أفكار تنظيمية متشددة، ووجد في البلاد مسرحاً مفتوحاً لتطبيقها. ويوضح أبو العزايم: “الأمر هنا لا يخص اللاجئين وحدهم بل المجتمع ككل الذي يعيش فيه اللاجئون ويتأثرون به”.

  • تم تغيير أسماء أصحاب الشهادات وبعض المعلومات التي تشير إليهم أو إلى تفاصيل قضيتهم حفاظاً على سلامتهم.