مخزون كبير من الثروات فوق وتحت الأرض الليبية، وإمكانيات كبيرة للانتاج والاستثمار، وآلاف الشباب يحلمون بفرص عمل أو بتطوير مشروعات صغيرة، لكن ذلك تعطل بفعل حالة التأزم السياسي والأمني الذي تشهدها البلاد.

واقع الحال يقول إن ماكينة الاقتصاد الليبي متوقفة عن العمل منذ سنوات، والمصارف على مشارف أن تفقد كامل احتياطها النقدي، والعملة الوطنية إلى المزيد من التدهور، وليبيا بالحسبة الاقتصادية تتراجع في كل سنة، سنواتٍ إلى الوراء.

مخزون كبير من الثروات فوق وتحت الأرض الليبية، وإمكانيات كبيرة للانتاج والاستثمار، وآلاف الشباب يحلمون بفرص عمل أو بتطوير مشروعات صغيرة، لكن ذلك تعطل بفعل حالة التأزم السياسي والأمني الذي تشهدها البلاد.

واقع الحال يقول إن ماكينة الاقتصاد الليبي متوقفة عن العمل منذ سنوات، والمصارف على مشارف أن تفقد كامل احتياطها النقدي، والعملة الوطنية إلى المزيد من التدهور، وليبيا بالحسبة الاقتصادية تتراجع في كل سنة، سنواتٍ إلى الوراء.

“هذا ليس تشاؤماً” يقول الخبير الاقتصادي الليبي د.أحمد أبو لسين، “لكن الأرقام والمؤشرات الاقتصادية تدلّ على أننا لسنا بخير”.

هل من مجال للخروج من هذا الوضع؟ “مراسلون” يطرح هذا السؤال على الرجل، وهو عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة طرابلس، وهنا نص الحوار:

مرسلون: ليبيا إلى أين اقتصاديا.. وعن ماذا يعبر انخفاض قيمة الدينار الليبي أمام الدولار والى أي مدى يمكن أن يصل هذا الانخفاض؟ وما هو سعر الصرف الحقيقي للدينار الليبي؟

د. أبو لسين: سؤال تعتمد إجابته قطعاً على ما ستؤول إليه الحالة الأمنية للبلاد، فعلى المدى الطويل قد تكون هناك بارقة أمل، أما في المدى القصير والمتوسط فلا نعتقد بوجود حلول ناجعة نظراً لحالة عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي.

المؤشرات تنبئ باستمرار تفاقم وضع عدم الاستقرار الاقتصادي، وإن بدا تحسن في الظروف الأمنية، ذلك أن الاستقرار ليس عملية تلقائية بقدر ما يرتبط بحجم الاقتصاد غير الرسمي الذي توسع بشكل كبير، وتمدد ظاهرة اقتصاد الحدود السائلة أو أنماط اقتصاد الصراع على نقاط واسع، ناهيك عن الارتفاع المفرط في الإنفاق العام، وتجاوز عرض النقود الحد الذي تسمح به الطاقة الاستيعابية للاقتصاد بمقدار ثلاث مرات، الأمر الذي أفضى إلي تآكل القوة الشرائية للدينار، وبالتالي اختلال مستوى الأسعار النسبية وتحديداً الأجور الحقيقية ومن ثم مستوى المعيشة ووقوع الاقتصاد في الركود التضخمي..الخ، وهي مسائل تحتاج لسنوات وسنوات كي يتم التخلص منها وتتطلب سياسات ناجعة لتصحيح مسار الاقتصاد..

س- هل قيمة الدينار في السوق السوداء الآن هي قيمة حقيقية؟

ج- قيمة الدينار الحقيقية أعلى من قيمته في السوق السوداء وهذا ببساطة لأن ليبيا دولة ذات اقتصاد يعتمد على صافي الواردات، ومن هنا فإن سعر الصرف الفعال بين الدينار والدولار يجب أن يقاس مرجحاً بوحدة الواردات، وهذه القيمة قد لا تظهرها التعاملات البسيطة التي تحدث في الأسواق المقيدة، لكنها تنعكس في أسعار السلع المستوردة..

س- إذاً هل وقعت ليبيا في فخ السيولة؟ ولماذا هو فخ أساساَ؟

ج- دون أدنى شك وقع الاقتصاد الليبي في فخ السيولة، وهي ظاهرة تعني الاحتفاظ بالنقود السائلة كاكتناز وعدم ضخها في الجهاز المصرفي كمدخرات، ومن ثم استثمارات، أي جعلها نقود داعمة لخلق نقود باتباع سياسة السحب على المكشوف.

س – يشغل بال الناس ويقلقهم تأخر صرف مرتباتهم وتتعلل القطاعات بعدم توفر مخصصات مالية لإنجاز مهامها.. ما هو السبب الحقيقي وراء شح السيولة وعدم توفرها؟

ج- الأسباب هنا متعددة، أشملها من الناحية الاقتصادية بالطبع أن اتباع سياسة اقتصادية توسعية منذ البداية كان خطأ فادحاً، الخلط بين السياسة المالية والسياسة النقدية أيضاً، وعدم التقيد بالحد الأدنى للأجور، وزعزعة الثقة في الدينار وفي الجهاز المصرفي للدولة.

س- احتياطات المصارف التجارية هل يمكنها سد رمق احتياجات الأفراد والأسواق؟ وإلى متى؟

ج- لفترة زمنية وجيزة قد تنجح ولكن المصارف لن تعود مصارف إذا فقدت احتياطياتها، ومن هذه الحقيقة فالخطر يداهم نظامنا المصرفي وقد يعصف به نهائيا.

س- هل يستطيع المصرف الليبي المركزي المنقسم على نفسه شرقاً وغرباً أن يقدم أية حلول؟

ج- أنا أعتقد أنه ليس ثمة خيارات كثيرة أمامنا، وليس أمام السياسات النقدية والمالية التي تمثل أدوات المؤسسات المالية في ليبيا إلا اعتماد موازنة استطرادية لمدة ثلاث سنوات، الحد وبدرجة كبيرة من الإنفاق بالعملات الصعبة، وتجميد سعر الصرف عند مستواه الفعال لمدة تبرر تحقق الاستقرار، علاوة على ضرورة تطبيق مبدأ الحد الأدنى للأجور..

س- العملة الجديدة المطروحة في السوق هل هي عملة بديلة أم موازية؟

ج- لم أفهم المقصود بالبديل والموازي هنا، ولكن من الناحية الاقتصادية فان إصدار عملات جديدة لا يعني أكثر من زيادة المعروض النقدي والإنفاق، ومن ثم ترسيخ للوضع المتردي بدرجة أكبر، أما من الناحية الإجرائية الإدارية فهي ربما تكون محاولة لتخفيف العبء الواقع على الدولة تجاه الداخل، بمعنى بيان القدرة على تسديد بعض الالتزامات..

س- سياسة استبدال الدعم العيني بالنقدي التي أقرتها الحكومة في طرابلس، هل تراها مجدية وأن هذا وقت مناسب لتطبيقها؟

ج- بالتأكيد لا، وهذا لا يعني بطبيعة الحالة تأييد استمرار سياسة الدعم العيني بقدر ما يعني أن المشكلة في مسألة الدعم مرتبطة بسياسة الاستهداف، أقصد أن سياسة الدعم النقدي في ظل عدم الاستقرار ستكون أكثر كلفة من الناحية الكلية منها من سياسات الدعم العيني لما تتطلبه من إدارة حازمة وقوية وأسس وأدوات وأساليب غاية في التعقيد.

هذا من ناحية أما من ناحية أخرى، فإن هذا التحول سيؤدي إلى رفع قيمة مدخلات الإنتاج ومنها لارتفاع الأسعار، الأمر الذي يعني تآكلاً في الأجور الحقيقية ومن ثم مستوى الدخل، وبالتالي معدل الفقر والبطالة، ولن يكون ذلك علاجاً لمشكلة ارتفاع فاتورة الدعم التي يكمن سببها في مسائل تقديم الدعم، وتكاليف المناولة والتخزين والتوزيع

س- الاقتصادي بطبعه متشائم، لكن ماذا عن توقعاتك أنت لمستقبل البلاد وفق المعطيات الراهنة؟ وهل تتوقع إعلان إفلاس ليبيا ودخولها ضمن مجموعة الدول المدينة للبنك الدولي؟ هل سنشهد بيع النفط مقابل الغذاء؟

ج- الاقتصادي ليس دائماً متشائما لكنه يستند على المؤشرات والأرقام، ولن يكون اقتصادياً من يخشى التعامل مع الأرقام والإحصائيات، ولذلك تلصق بالاقتصادي سمة التشاؤم حين تكون المعطيات غير متفائلة أو صادمة أو قاسية.

وعلى العموم من منظوري كاقتصادي أعتقد أنه كان من الممكن أن لا يقع الاقتصاد الليبي في فخ الريع إلا أنه وقع في مستنقعه وغاص عميقاً، وأن خروجه منه يتطلب سنوات وسنوات مليئة بالإرادة والتضحية، أما المؤسسات الدولية كالصندوق والبنك الدوليين فلا تدين أحداً إلا وفقاً لمشروطية تنسجم مع ما يطلق عليه اعتبارات واشنطن Washington Consciences  ، وأعتقد أننا قد نجد أنفسنا ضمن هذه الاعتبارات.