قبل سنوات من الآن لم يكن حسام العبدلي الانتحاري الذي فجر نفسه في وسط حافلة الأمن الرئاسي بالعاصمة تونس معروفا بانتمائه الديني المتطرف.

كان شابا عاديا مولعا بكرة القدم إلى درجة أن أنداده كانوا يلقبونه بحسام “بيروتا” لإعجابه الشديد بنجم نادي روما لكرة القدم الإيطالي “سيموني بيروتا”.

اليوم أصبح يعرف في تونس بالجثة رقم 13 التي بقيت مجهولة ليومين بعدما فجرت السترة الناسفة التي كان يرتديها جسده وفتّتته إلى أشلاء متناثرة.

قبل سنوات من الآن لم يكن حسام العبدلي الانتحاري الذي فجر نفسه في وسط حافلة الأمن الرئاسي بالعاصمة تونس معروفا بانتمائه الديني المتطرف.

كان شابا عاديا مولعا بكرة القدم إلى درجة أن أنداده كانوا يلقبونه بحسام “بيروتا” لإعجابه الشديد بنجم نادي روما لكرة القدم الإيطالي “سيموني بيروتا”.

اليوم أصبح يعرف في تونس بالجثة رقم 13 التي بقيت مجهولة ليومين بعدما فجرت السترة الناسفة التي كان يرتديها جسده وفتّتته إلى أشلاء متناثرة.

الخطوة الأولى

يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الذي جد فيه حادث تفجير الحافلة وأدى لمقتل 12 حرسا رئاسيا لم يكن أحد من محيطه يتصور أن يتحول هذا الشاب إلى قنبلة.

فقبل نهاية عام 2012 كان هذا الانتحاري شابا يعاقر الخمر ويتعاطى الحشيش ويرتاد المقاهي ولم يكن له أي ارتباط بالفكر المتشدد.

بعض من أبناء حيه الذين التقاهم موقع “مراسلون” أكدوا بأن حسام لم يتطرق معهم سابقا حينما كان يجالسهم إلى أي مواضيع لها صلة بالشأن الديني.

نشأ حسام (28 عاما) في أسرة متواضعة في المنيهلة أحد الأحياء الفقيرة المتاخمة للعاصمة. كان أبوه يعمل بستاني بينما كانت والدته تعتني بشؤون البيت.

تعوّد الجميع في حيه على رؤيته في ثياب رياضية بتقليعة عصرية وكان كثيرا ما يردد أغاني فريقه المفضل النادي الإفريقي والتي يحفظها عن ظهر قلب.

غادر حسام مبكرا مقاعد الدراسة الثانوية ليلتحق بعدها بمدرسة للتكوين المهني في اختصاص الحلويات ثم التحق للعمل في مخبزة حتى حدث المنعرج.

بعد فترة قصيرة من الشغل في المخبزة قرر الشاب الخباز الانقطاع عن عمله دون أي سبب ليصبح عاطلا عن العمل وأكثر انطوائية وعزلة عن الناس.

لم يكن هذا الانقطاع عن العمل والناس سوى الخطوة الأولى التي وضعته على طريق الفكر المتشدد والجماعات الجهادية التي نجحت في استقطابه إليها.

كفّر والديه

حسب شهادات بعض جيرانه تم استقطاب حسام انطلاقا من جامع حي الجمهورية بمنطقته في أواخر سنة 2012 من قبل جماعة تنظيم أنصار الشريعة.

شيئا فشيئا أصبح حسام ناشطا في التيار السلفي المتشدد وأصبح يتردد على جامع الغفران في منطقته حيث كان يحضر خطبا تحرض على الجهاد في سوريا.

زادت أوضاع حسام المادية تدهورا بسبب انقطاعه عن العمل وملاقاة المتشددين فقرر العمل كبائع متجول على عربة وكان يبيع فيها مرة “هريسة اللوز” أحد أنواع الحلويات الشعبية ومرة أخرى “الهندي” أو التين الشوكي.

تمر الأيام سريعا ليزداد حسام تشددا ويصبح أكثر عزلة وانزواء عن محيطه وأصبحت علاقته ببعض أقاربه سيئة بسبب اتهامه لهم بالكفر والشرك.

في يوم من الأيام رفع أحد أقاربه وهو يشتغل في الجيش التونسي شكوى ضده إلى قسم الأمن بعدما وصفه “بالطاغوت” واتهمه بالكفر ومخالفة شرع الله.

حتى أبوه وأمه لم يسلما من لسانه السليط فقد كفرهما في مناسبات عدة وخاصة أمه التي طالما وجه لها أوامر بارتداء النقاب وهو ما ساهم أكثر في تطرفه.

تمكن جهاز الأمن التونسي بعد معلومات استخباراتية عن انتمائه لتنظيم أنصار الشريعة من اعتقاله وعثرت في منزله على كتب دينية لكن أفرج عنه لاحقا.

ملابس “للتبرع”

لم يثنيه ذلك الاعتقال من تنفيذ هجومه وقبل القيام بذلك توجه لصلاة الصبح بجامع الجمهورية في حيه ثم يعود لبيت أهله ويغادره حاملا حقيبة ظهر.

في ذلك اليوم قال حسام ردا على سؤال أمه إن الحقيبة كانت تحتوي على ملابس قديمة لم تعد على مقاسه وأنه سيذهب للتبرع بها في الطريق.

توجه حسام بعد ذلك إلى أحد المقاهي ليحتسي فنجان قهوة ثم يذهب بعد ذلك إلى وجهة غير معلومة تبين لاحقا أنها شارع محمد الخامس حيث وقع التفجير.

تظل قصة الجثة 13 غير مكتملة في ظل صمت أفراد عائلته الذين رفضوا الحديث لنا بعد إيقاف عدد منهم والتحقيق معهم وخاصة أمه وأبيه وأخته.

الانتحاري حسام العبدلي ليس الا عينة من شباب تونسي كان يعيش حياة عادية ليُستقطب ويتحول إلى آلة تدمير يملئها الكره والحقد والرفض لمحيطه.

وهذه الظاهرة أصبح تشغل كثيرا بال الخبراء حيث يعتقد بأن الشباب التونسي يأتي على رأس قائمة المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا وليبيا.

شعور بالنقمة

يقول الباحث الاجتماعي عبد اللطيف الهرماسي لـ”مراسلون” إن التضييق على الحريات الدينية قبل الثورة ساهم في تصحر الثقافة الدينية لدى الشباب وتطرفهم.

لكن العامل الأهم وفق هذا المختص في الظاهرة السلفية الجهادية هو العامل الاقتصادي الاجتماعي وتنامي شعور الشباب بالإحباط من واقعهم.

يقول “بعد الثورة تنامى أمل الشباب في حياة أفضل لكن الوضع تدهور أكثر مما ضاعف شعور النقمة والحقد لديهم وسهل استقطابهم من الجماعات المتشددة”.

ويرى أن محاصرة الإرهاب لا تتم فقط بالمسائل الأمنية إنها تتم عبر القضاء على جميع العوامل التي ساهمت في انتشارها وتغلغلها في المجتمع التونسي.

مأساة حسام العبدلي قد تتكرر بحسب عبد اللطيف الهرماسي مادامت أسباب انتشار الإرهاب مستمرة في أرض الواقع خاصة تلك المتعلقة بالبطالة والفقر والتهميش.