في حي المهاجرين في مدينة سبها (جنوب) يفترش آلاف المهاجرين غير الشرعيين الأرض، يلتحفون بأكياس الإسمنت الفارغة وبقايا الكرتون غير مبالين بتقلبات الجو. ففي هذه المدينة يفوق عدد المهاجرين القادمين من دول افريقية بطرق غير شرعية عدد الأهالي، ومعظمهم من النساء والأطفال.

أنا سعيدة هنا

“نحن لا نفكر في ركوب البحر، يكفينا الاستقرار هنا والعمل لتوفير ما يسد الرمق” هكذا قالت حفصة أبوبكر (38 عاماً) المهاجرة من النيجر، في غرب افريقيا، إلى مدينة سبها مع أطفالها الخمسة في حديثها لـ”مراسلون”.

في حي المهاجرين في مدينة سبها (جنوب) يفترش آلاف المهاجرين غير الشرعيين الأرض، يلتحفون بأكياس الإسمنت الفارغة وبقايا الكرتون غير مبالين بتقلبات الجو. ففي هذه المدينة يفوق عدد المهاجرين القادمين من دول افريقية بطرق غير شرعية عدد الأهالي، ومعظمهم من النساء والأطفال.

أنا سعيدة هنا

“نحن لا نفكر في ركوب البحر، يكفينا الاستقرار هنا والعمل لتوفير ما يسد الرمق” هكذا قالت حفصة أبوبكر (38 عاماً) المهاجرة من النيجر، في غرب افريقيا، إلى مدينة سبها مع أطفالها الخمسة في حديثها لـ”مراسلون”.

تعد النيجر واحدة من أفقر دول العالم وأقلها نمواً على الإطلاق إذ تغطي الصحراء الكبرى ما يقرب من 80% من إجمالي مساحة البلاد وتتهدد الأجزاء الباقية مشكلات الجفاف والتصحر، وهو ما دفع هذه السيدة مع آلاف آخرين إلى ترك بلدها منذ نحو عام ونصف، والاتجاه نحو ليبيا، بالرغم من الحرب الدائرة هناك.

وبعد رحلة كلفتها حوالي 230 دولار أمريكي، دفعتها لأحد المهربين الليبيين، انتهى المطاف بها وبعائلتها في كوخ متهالك تستأجره بثمانين ديناراً كل شهر (حوالي 50 دولار أمريكي)، تنتشر في أرجائه علب المياه البلاستيكية وبعض قطع الأثاث القديم.

“أنا سعيدة هنا.. حياتي أفضل بكثير وأجني ما يكفي لأعيل أطفالي”. وتوضح بأن التسلل أصبح سهلاً جداً في السنوات الخمس الأخيرة وغابت سيطرة الدولة الليبية تماماً على الحدود الجنوبية.

قوانين الطبخ

لدى حفصة مهنتان ينقذانها من الجوع ويساعدانها على إعالة إسرتها: “أطبخ أحياناً وأتسوّل في أحيان أخرى”.

تواصل الحديث وهي تتجه نحو طاولة تترتب عليها شرائح الطماطم المجففة، تصطف إلى جانب شرائح الفلفل الأحمر استعدادا لتجهيز وجبة العصيدة، التي تبيع الطبق منها بدينار(0.7 دولار).

حفصة لا تطبخ غير العصيدة كي لا تتعدى على “اختصاص” بقية النسوة،  فلكل منهن صنف معيّن من الطعام تقوم بإعداده.

“هذا اتفاق سائد بيننا”، تؤكد نانا نمو التي اشتركت في الحديث بعد أن نادتها حفصة، وأضافت بفخر أنها متخصصة في طبخ أكلة “قادقيدو” وكثير من المهاجرين هنا يقصدونها للشراء منها، فيما بقية النسوة المهاجرات في أحياء المدينة المتفرقة يطبخن الأرز والمعكرونة والعصيدة.

نانا البالغة من العمر 35 عاماً بدت أكثر حيوية من حفصة، وبالإضافة إلى كسب المال ترى أنها بهذا العمل توفر للمهاجرين هنا في الغربة وجباتهم المفضلة. “الليبيون لا يشترون ما نطبخ ولا نبيعه لهم”،  تختم نانا حديثها.

نفتقر للامكانيات

غير بعيد عن حي المهاجرين يقع جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بسبها. يضم هذا الجهاز 400 عنصرٍ مدرب على مكافحة الهجرة غير الشرعية؛ إلا أن ذلك “لا يعتبر كافياً” يقول وليد عامر رئيس الجهاز.

وتابع: “نحن نفتقر للإمكانيات كما تلاحظون” فهناك أكثر من 300 ألف مهاجر غير شرعيّ في مدينة سبها لوحدها، التي يبلغ عدد سكانها من الليبيين 159 ألف نسمة.

حسب عامر فإنه يوجد مركز إيواء وحيد في منطقة الناصرية بسبها يحوي حالياً أكثر من ألف مهاجر. “الأمر أصبح بالغ الصعوبة، فنحن نستقبل يومياً أعداداً كبيرة من المهاجرين المرحلين من مراكز إيواء مصراتة والجفرة والزاوية والقوة الثالثة المكلفة بحماية الجنوب، حيث يفترض أن يتم تجميع المهاجرين ومن ثم ترحيلهم إلى بلدانهم”.

متسولون أيضاً

مع استحالة تنظيم وفود هؤلاء المهاجرين فإن مجتمعاً على هامش المدينة ينمو ويتشكل وتصبح له ملامحه الخاصة مع مرور الوقت، حيث تنتشر أكواخ الصفيح التي يسكنها المهاجرون ومطاعمهم الشعبية التي تشرف على أحدها حفصة، ولعل أهم ملامح هذا المجتمع هو امتهان معظمهم للتسول.

تقول حفصة “رغم عملي في إعداد الطعام وبيعه لكن ذلك لا يكفي لتلبية احتياجاتي وأطفالي، ما يضطرني للخروج للتسول أحياناً”.

يقول محمد الناعم، الناطق الإعلامي لجهاز الحرس البلدي سبها، أن التسول أصبح مهنة رئيسية لبعض المهاجرين الذين يأتون بإعاقاتهم من بلدانهم، فهم “يحققون مكسباً كبيراً، كما أنهم يستخدمون أطفالهم لأجل هذه الأعمال، لذلك نرى عائلات بكاملها تتسول”، ويكثر تواجدهم أمام المساجد والمصارف وبالقرب من المحال التجارية ومعظم الأماكن الحيوية بالمدينة.

مهنة شاقة

من جهتها تقول حفصة إن الأموال التي تكسبها من التسول أكثر من تلك التي تحصل عليها من الطبخ، ولولاها لما تمكنت من الاستمرار في إطعام أبنائها.

وتوضح أن التسول يستلزم منها الذهاب لأحياء تبعد عن مقر سكنها كثيراً، كما يجب عليها أن تغيّر أماكن تجوّلها باستمرار، وتردف “الأمر متعب لكن يبقى أفضل من بيع العصيدة”.

وعن معاملة أهالي المدينة لها تقول: “الناس هنا مختلفون، منهم الجيد ومنهم من يعاملنا بقسوة، نتعرض للسطو في بعض الأحيان، وندفع غرامات مالية للبوليس عند القبض علينا، ومع ذلك تظل الحياة هنا أفضل بكثير من الحياة في بلادنا، حيث يموت الآلاف سنوياً من الجوع”.

وبالرغم من مشاعر العداء التي تواجهها حفصة أثناء رحلتها اليومية، إلا أن هناك من يعطف عليها ببعض قطع النقود.

علي عيسى (30 عاماً) وهو أحد سكان المدينة يتفهم انتشار التسول في هذه المناطق ويقول “لولا أوضاعهم المعيشية الصعبة في بلدانهم لما قدموا إلى ليبيا وامتهنوا مثل هذه الأعمال”.

وعلى ما يبدو ليس عيسى وحده من يشعر بالمسؤولية تجاه هؤلاء المهاجرين، حيث تقول أميمة محمد بشير، عضو المجلس البلدي في سبها أن وضع المهاجرين في مراكز الإيواء بائس للغاية. “بعض المسؤولين في مركز الإيواء يدفعون من جيوبهم لأجل الاهتمام بالمهاجرين، بغض النظر عن الطريقة التي دخل بها هؤلاء إلى المدينة، أما قنصليات بلداتهم فلا تكترث لأمرهم”.

عند عودتنا قابلنا حفصة التي كانت على وشك الانتهاء من إعداد أطباق العصيدة، ولكنها لم تدعنا لتذوق طعامها، فلعل ما أعدته بالكاد يجلب لها قوت يومها.

وأثناء انشغالها بإضافة عصير الطماطم والسمن إلى الدقيق، كان تحدثنا عن خططها لجمع مبلغ من النقود كي تعود إلى بلدها مؤقتاً، كي تسجل أبنائها في المدارس هناك ومن ثم تعود إلى ليبيا للعمل.

“الأولاد هنا في ليبيا غير معترف بهم رسميا، وليس بمقدورهم الدراسة” توضح، ورغم تكرارها الحديث عن سعادتها في هذه البلاد تقول “أنا لا أريد لهم أن يكونوا متسولين، ولا أن يعيشوا من طبخ العصيدة”.