تغيرت حياة “محمد” من شاب نشيط ومرح إلى مدمن كحول ومتعاطٍ للأقراص المنومة، وذلك بعد أن تم رفضه من قبل عائلة أمازيغية أراد الزواج بابنتهم التي تحبه ويحبها.

يقول “محمد علي” (40 عاما) من سكان مدينة صبراتة غرب ليبيا لـ”مراسلون”؛ إن الصدمة كانت كبيرة جداً عليه عندما تم رفض تزويجه من “مرام ” 32 عاماً، لا لشيء سوى أنه عربي وحبيبته التي كان قد خطط معها مستقبلهما على مدى أربع سنوات من أصول أمازيغية.

يقول محمد والحزن مسيطر عليه “أنتم لا تعلمون مدى حبنا لبعضنا”.

بالرغم من أخلاق المهندس الشاب التي يشهد لها أهل منطقته، واجتماع مواصفات “الزوج المثالي” فيه، إلا أن دماءه العربية كانت السبب الأول والوحيد التي جعلت والد مرام يرفضه بشكل قاطع، فالكثير من الأمازيغ في ليبيا لا يتهاونون في تزويج بناتهم لليبيين العرب.

الأمازيغ الذين عانوا على مدى عقود طويلة من محاولات لطمس وتهميش ثقافتهم، زادت هذه المحاولات من تماسكهم وحدتهم في الحفاظ على هويتهم ولغتهم، ويشكل الأمازيغ الناطقون بالأمازيغية حسب إحصائيات معلنة غير متفق عليها حوالي 10% من سكان ليبيا أغلبهم يقطن في جبل نفوسة، زوارة وغدامس إضافة إلى الطوارق والأواجلة.

ويتكلم الأمازيغ العربية إضافة إلى الأمازيغية التي تختلف لهجاتها من مكان لآخر، فيما يرجع تواجدهم في ليبيا إلى نحو4000 سنة تقريباً.

سهم الموت

لم يكن “محمد” هو المتألم الوحيد في هذه القصة؛ فمرام تجاوز الأمر عندها الألم إلى محاولات انتحار عديدة بسبب رفض والدها تزويجها لحبيبها.

تقول “مرام” التي تقطن مدينة نالوت إنها حاولت بكل الطرق إقناع والدها ليوافق على محمد، ولكنه كان يرفض في كل محاولة من محمد الذي لم يترك طريقة إلا وقام بها لعله يكسب رضاه.

بكت مرام بحسرة وهي تروي كيف كان يضربها أبوها، ويحبسها داخل البيت ويقطع عنها جميع وسائل الاتصالات حتى يمنعها من رؤية حبيبها أو الاتصال به.

يزيد محمد على ما قالته حبيبته أنه فعل المستحيل لإقناع والد مرام، فتارة يجلب معه مشائخ دين، وتارة أخرى يأتي رفقة أعيان من قبيلته، ولكن “لم ينجح شيء لتبديل أفكار الوالد” هكذا يردد محمد.

قرار الزواج

لم يكن أمام والد مرام حتى يقطع السبيل أمام محمد إلا تزويج ابنته لقريب لها دون أخذ مشورتها في ذلك، ولكن محمد لم ييأس حتى بعد أن علم بذلك عن طريق صديقة مقربة من مرام،  فقرر الذهاب إليه كفرصة أخيرة لعل والدها يرأف لحاله ويتأكد من صدق نية محمد في الزواج من ابنته، ولكن رد الوالد كان قاسياً هذه المرة، حيث استدعى الشرطة التي أرغمت محمداً على التعهد بعدم المجيء إلى بيت الفتاة و مضايقة والدها.

بعد استماع “مراسلون” لقصة مرام ومحمد قررنا الاتصال بوالد الفتاة “بلعيد” فوافق بعد رفض مستمر وأعطانا رداً مختصراً وقاطعاً، حيث قال إنه ولي أمر ابنته ويعرف أين تكون مصلحتها.

حاول بلعيد الشرح والتبرير بالقول “إننا بذلك نحافظ على النسل الأمازيغي وهذا من حقنا، كما أن عاداتنا وتقاليدنا الأمازيغية تُحتم علي ذلك”، ويختتم “الأمر انتهى بالنسبة لي”.

ما باليد حيلة

والدة محمد التي أرهقتها كثرة البكاء على حال ابنها تصف لـ”مراسلون” كيف أن حياة محمد أصبحت صعبة جداً، ولم يعد يستمع لأحد ويرفض مساعدة نفسه والرجوع إلى حياته الطبيعية ونسيان ما حدث.

بحسب الوالدة فمحمد أدمن الكحول ولا ينام إلا بمساعدة الحبوب المنومة التي أدمنها أيضاً، وأصبح يقضي معظم وقته سكراناً بعد أن يئس من الزواج بمن يحب، ولكن حالته التي هي بالتأكيد واحدة من حالات كثيرة لا يقيم لها المتمسكون بالتقاليد وزناً.

يقول سليمان قشوط – ناشط  حقوقي أمازيغي – عند الحديث عن الأمازيغ؛ فمعنى ذلك الحديث عن الهوية والثقافة والإرث، وكل ذلك لا يمكن الحفاظ عليه إلا عن طريق الأم بالدرجة الأولى باعتبارها أساس بناء الأسرة.

حسب كلام قشوط فإن الأم هي التي ستقوم بتعليم أبنائها اللغة الأمازيغية، وتربية النشء على هويته وثقافته وموروثه الأمازيغي، وهذا هو السبب الرئيس في منع تزويج بنات الأمازيغ من العرب.

يضيف قشوط أن هناك سببا آخر للرفض وهو الجانب الاجتماعي، حيث جرت العادة عند بعض الأمازيغ كما هو الحال عند غالبية القبائل والمدن الليبية، على عقد خطوبة مبكرة بشكل عرفي على أبنائهم منذ الصغر، أو ما يعرف في ليبيا “فلان مسمّى على فلانة”.

كذلك الحال بالنسبة للشباب فزواج الشاب من غير الأمازيغية حسب قشوط قد يجعل منه محل استغراب واستهجان من المجتمع المحيط به، وبالتالي يتحتم عليه الزواج من إحدى قريباته.

مجتمع مختلف

على عكس مرام فقد استطاعت السيدة الأمازيغية “انتصار محمد” (43 عاماً) من يفرن إقناع أهلها بالزواج من عربي، ولكن ذلك كلفها كثيراً في محيطها، فقد تبرأ منها عدد كبير من أقاربها وقطعوا تواصلهم معها.

تقول انتصار إن أقاربها اعتبروها مذنبة ولكنها لا تلومهم، “فقد قررت سماع صوت قلبي” هكذا اختصرت انتصار حديثها لـ”مراسلون”.

الصحفية الأمازيغية فدوى كامل تقول لـ “مراسلون” بأن الواقع اليوم لم يعد معقداً كما في السابق، فصحيح أن عدداً من العائلات الأمازيغية ترفض تماماً فكرة الزواج من عربي، إلا أن عائلات كثيرة أيضاً تجاوزت الموضوع مؤخراً، بل وأصبحت بعض العائلات تقيم أعراساً لبناتها المتزوجات من عرب دون تفرقة بينهن وبين من يتزوجن من أمازيغي.

كامل تؤكد كذلك أن هناك فتيات أمازيغيات كثر تزوجن من عرب وهن اليوم نادمات، بسبب عدم قدرتهن على التأقلم مع العادات والمجتمع العربي المختلف عن نظيره الأمازيغي، وكذلك هناك فتيات غير مقتنعات بالزواج من عربي لإيمانهن بفكرة الحفاظ على النسل دون أن يكن مجبرات من أهلهن، ولخوفهن من اختلاف العادات يخترن الزواج ممن هو من نفس بيئتهن ويبتعدن عن المغامرة.

الشرع يحث ويحذر

“من الناحية الدينية لا يوجد شيء يحرّم الزواج بين العرب والأمازيغ، بل هذه عادات وتقاليد يلتزم بها أغلب الأمازيغ منذ القدم، ولا دخل للدين في هذه الأمور” يقول المأذون الشرعي الشيخ عبد الرحمن الطرابلسي لـ”مراسلون”.

الطرابلسي حث أثناء حديثه معنا على نبذ هذه العادات التي لا تمت للإسلام بأية صلة، “فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى” يقول الشيخ، محذراً من العواقب الوخيمة التي قد تحدث بسبب هذه العادات ومنها ارتفاع نسبة العنوسة أو ارتكاب بعض الأمور الخاطئة التي تضع الأهل في الأمر الواقع.

تدعم كلام الشيخ الطرابلسي الناشطة والباحثة الاجتماعية عزيزة الكاباوي، حيث قالت لـ”مراسلون” إنه في سنة 2000 تم تسجيل حوالي 3000 فتاة أمازيغية فوق سن الثلاثين لم يتزوجن كإحصائية أولية، مؤكدة أن العدد في تزايد ملحوظ فقد وصل العدد في مدن نالوت وجادو وكاباو وزوارة – جميعها في غرب ليبيا – إلى 3800 فتاة هذا العام.

أما مدينة يفرن الواقعة في ذات النطاق الجغرافي فالوضع فيها مختلف تماماً تقول الكاباوي، فنسبة كبيرة من الأمازيغيات تزوجن من الليبيين العرب، الأمر الذي يستهجنه أمازيغ في المدن الأخرى.

الأخوات السبع

لكن ما فعلته السيدات اللاتي تزوجن من عرب لم تتمكن من فعله الأخوات الأمازيغيات السبع الوحيدات في مدينة اجدابيا – 900 كلم شرق طرابلس –، فأثناء تتبعنها لقضية زواج الأمازيغ من العرب علمنا بوجود عائلة أمازيغية وحيدة في مدينة اجدابيا، تتكون من سبع أخوات وشابين انتقلوا منذ الصغر مع والديهم بسبب ظروف عمل والدهم.

يقول مصدر “مراسلون” في اجدابيا الذي يعرف العائلة ويفضل عدم كشف هويته، إن والد الفتيات رفض تزويجهن من شباب عرب في اجدابيا رغم كثرة الخطّاب المتوافدين إلى بيته من أجل بناته الحسناوات، وفي كل مرة كان يرفض بطريقة عصبية قائلاً “بناتي لسن للزواج”.

يعتقد المصدر أن ما يقوم به والد الفتيات أمر غريب جداً وغير منطقي، فهو يسافر ببناته كل صيف لمسقط رأسه في الجبل الغربي ويقوم بعرضهن على أبناء عمومتهن من الأمازيغ هناك، ويعود بهن بعد أسبوعين، ولكن حتى هذه اللحظة لم تتزوج إلا فتاة واحدة وهي أصغرهن، أما البقية فقد سبقهن قطار الزواج بسبب تجاوز معظمهن سن الأربعين.

الفتيات اللواتي حرمن من حقهن في تكوين عائلات لسن أفضل حالاً من مرام التي تزوجت مرغمة، والتي همست في أذن أمها يوم ارتدائها فستان الزفاف “لن أسامح أبي أبداً على ما فعله”.