كتبت: سارة محمد علي

خرج اللاجئون من بلادهم هربا من ويلات الصراعات المسلحة التى افقدتهم ذويهم ومساكنهم وحياتهم الهادئة. فروا إلى مصر أملا في ظروف أكثر هدوءً وأقل عنفا، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة صراعات سياسية جديدة، وتيارات الإسلام السياسي التى حاولت استمالتهم، ودفعهم إلى آتون صراعها مع النظام المصري غير آبهة بمعاناتهم وظروفهم الصعبة.

 كتبت: سارة محمد علي

خرج اللاجئون من بلادهم هربا من ويلات الصراعات المسلحة التى افقدتهم ذويهم ومساكنهم وحياتهم الهادئة. فروا إلى مصر أملا في ظروف أكثر هدوءً وأقل عنفا، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة صراعات سياسية جديدة، وتيارات الإسلام السياسي التى حاولت استمالتهم، ودفعهم إلى آتون صراعها مع النظام المصري غير آبهة بمعاناتهم وظروفهم الصعبة.

راكان نوار، شاب سوري 29 عاما، جاء إلى مصر مع بداية 2013 هرباً من الحرب في سوريا. وقال: “تواصلت مع أصدقاء لي سبقوني بالهرب إلى مصر واستطعت الحصول على سكن لي ولأسرتي بمنطقة مدينة نصر علمت بعد ذلك أن إيجارها تدفعه مجموعة من الإخوان المسلمين”.

بجانب دفع إيجار الشقة، بدأت المجموعة في تقديم مساعدات مالية وغذائية شهريا للشاب السوري. وفي هذه الأثناء كانت دعوات التظاهر ضد الرئيس الأسبق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين تتزايد في الشارع المصري. يقول نوار: “كان مسؤول إيصال المساعدات يأتي إلي شهرياً وتحدث معي عن دعوات تمرد وخطورة إسقاط مرسي لما سيعم على مصر من بلاء وعلى اللاجئين بالتبعية”. ويضيف الشاب السوري أنه كان يلمح إلى أن المساعدات التى نتلقاها ستتأثر لأن أصحاب المساعدات سيكونون في السجون ثم طلب مني “إكثار سواد المسلمين” في التظاهرات المؤيدة للشرعية والشريعة.

شارك نوار في عدة تظاهرات مع الجماعة حتى فض اعتصام رابعة العدوية، وقال: “توقفت بعد ذلك فأنا هربت من ويلات حرب هناك خوفاً على نفسي وأهلي فكيف أشارك فيها هنا”. أدى موقف نوار إلى قطع المعونات عنه وأسرته. وأوضح: “تركنا المنزل بمبرر أن الجماعة أصبح لديها الكثير من المعتقلين وأسر الشهداء ولم تعد قادرة على تقديم الدعم لنا”.

ويقول أحمد بان الباحث في شؤون الحركات الإسلامية وعضو مجلس شورى الإخوان المسلمين سابقاً إن فكرة استغلال الوافد على مصر ليست وليدة الأحداث السياسية الأخيرة بل متأصلة في فكر التنظيم منذ مطلع الثلاثينيات. وأضاف أن هذه التوجه بدأ بتقديم الدعم للطلاب الوافدين للدراسة في جامعة الأزهر في محاولة جذبهم لأفكار التنظيم ثم ضمهم إليه ونشر أفكاره داخل بلدانهم ومن هنا بدأت فكرة التنظيم الدولي.

وينظر بان إلى جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها أبرز تنظيمات الإسلام السياسي التى تحاول استغلال اللاجئين خاصة المقربين منها فكريا والمتعاطفين منعها. لكن الباحث صاحب التاريخ الطويل في الجماعة استبعد ممارسة التنظيمات الجهادية نفس الأسلوب حيث أنها تنظر إلى اللاجئين باعتبارهم فارين من أرض المعركة، وهم ليسوا جمهورها المستهدف.

في منتصف 2014 رأت آسرة ج.، 32 عاما، أنه لا نجاة لها ولأبنائها من الصراع المسلح في اليمن، فقررت المجىء إلى مصر. وبمجرد وصلها إلى القاهرة توجهت آسرة إلى مسجد الحصري في مدينة السادس من أكتوبر المعروف بتقديم المساعدات والدعم للاجئين. تقول آسرة: “هناك وجدت امرأة ساعدتني في إيجاد سكن لي ولأبنائي في منطقة السادس من أكتوبر، وقالت إنها ستدفع عني الإيجار وتتكفل بمصروفاتي لحين مساعدتي في إيجاد عمل”. تكررت زيارات السيدة لمنزل آسرة وكانت بالفعل تقدم لها مبلغا ماليا وطعاما يكفيها وأبنائها لمدة شهر. تعددت الزيارات ولم تعد السيدة تأتي وحدها بل مع مجموعة من السيدات اللاتي كن يتحدثن كثيرا عن سوء الأحوال في مصر والدمار الذي لحق بها بعد إسقاط حكم محمد مرسي والإسلام الذي بات يهدده حكم عبد الفتاح السيسي.

تقول السيدة اليمنية: “طلبن مني المشاركة معهن بصحبة أبنائي في التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام الحالي وعودة مرسي وكن يأتين إلي قبل موعد التظاهرات ويأخذونني معهن”، وتضيف “كنت أذهب خشية أن أفقد ما احصل عليه من مساعدات”.

علمت آسرة بعد شهور أن الشرطة المصرية اعتقلت أطفالا سوريين أثناء مشاركتهم في التظاهرات، فخشيت على أبنائها وبدأت البحث بجد عن عمل حتى التحقت بمطعم يقدم المأكولات اليمنية. تقول: “شكرتهن على مساعدتي واعتذرت لهن عن المشاركة مرة أخرى في التظاهرات وأصبحت اتولى امور نفسي وأبنائي”.

يعتقد بان أن محاولة الإخوان المسلمين اجتذاب اللاجئين والوافدين إلى مصر لم تكن هذه المرحلة بغرض نشر الأفكار فقط بل أراد أن يقدم الدعم للاجئين مقابل أن يعوضوا ما تعانيه الجماعة من نقص في أعداد قواعدها بسبب الملاحقات الأمنية. ويقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية:”مع ازدياد حدة المواجهات الأمنية بين أعضاء الجماعة والأمن المصري بدأ اللاجئون ينأون بأنفسهم بعيدا عن الصراع، ومع تجفيف بعض منابع التمويل أصبح الأمر أكثر صعوبة على الجماعة في تغطية كل تلك النفقات فبدأت في ترك شؤون اللاجئين والاكتفاء بالمعاملة الحسنة معهم ليكونوا جهازا إعلاميا متحركا يتحدث عن أعضاء الجماعة بخير داخل أوساط اللاجئين والمجتمع المصري”.

يروي م. أسعد، يمني 24 عاما، جاء إلى مصر في مطلع 2013 مع بداية الاضطرابات في اليمن. التحق أسعد بالعمل كمحاسب في مطعم للمأكولات اليمنية. يقول أسعد: “هناك تعرفت على مجموعة من زبائن المطعم من الشباب علمت بعد ذلك إنهم أعضاء بجماعة إسلامية.. تقرب إليّ أحدهم من باب أنه يريد مصادقتي ثم بدأ الحديث معي عن الحرب الدائرة بين الإسلام والكفر داخل مصر” على حد تعبيره. اعتقد أسعد الأمر سينتهي عند مجرد الحديث عن الأوضاع في مصر، لكنه فوجئ بهم يطلبون منه  ”المشاركة في نصرة الإسلام من خلال تعليم بعض أفراد جماعته كيفية استعمال بعض الأسلحة باعتباري قادم من اليمن حيث السلاح في كل مكان”.

يحكي أسعد: “قالوا لي إن التدريب سيكون بمقابل مادي كبير لكني رفضت خوفاً من إلقاء القبض علي أو قتلي، وعندما رفضت هددني إذا حاولت الإبلاغ عنه أو نقل ما دار بيننا حوارات أنه سينتقم مني”.

جاءت أ. العلمي، سورية 35 عاما، من حلب التى خسرت فيها زوجها خلال تبادل إطلاق نار بين جبهة النصرة والجيش السوري النظامي. وصلت العلمي إلى مصر مع أبنائها مطلع هذا العام، واستطعت الحصول على سكن مشترك بمنطقة المعادي مع أربع سيدات أخريات وأبنائهن.

تقول العلمي: “تحملت أخوات مسلمات مسؤولية رعاية تلك الأسر من خلال جمعية خيرية، وكن ويتولين دفع الإيجار ومصروفات مدارس الأبناء والمأكل والملبس لنا جميعاً، بعد شهر من المساعدة بلا مقابل بدأن يحضرن إلى المنزل كثيراً ويقمن حلقات قراءة قرآن ودروس دينية مرتبطة بالواقع السياسي في مصر”، وتضيف أن “الأخوات بدأن في مطالبتهن بالنزول إلى التظاهرات ضد النظام المصري.. نزلت وأبنائي معهن إلى تظاهرات يوم الجمعة بحي المعادي وخلال إحدى التظاهرات في مايو الماضي اعتدت قوات الأمن على مسيرة وأصيب ابني الأكبر [13 عاما] بطلق ناري في ذراعه الأيمن”.

قررت العلمي ألا تنزل إلى التظاهرات مجددا وألا تشارك ثانية في صراع دفعت ضريبته من قبل في سوريا. ازداد إصرار السيدة السورية عندما جاءت الأخوات إليها وطلبن منها تصوير إصابة ابنها لعرضها على فضائيات تابعة للجماعة مقابل 500 دولار. تراجعت العلاقة بين الأسر والأخوات حتى وصلت إلى حد عدم دفع الإيجار لهن، لذا قررن الاشتراك في مشروع للأكلات السورية وبيعه للمحلات الكبيرة والانفاق على أنفسهن.

تنظر بسمة، ناشطة مسؤولة عن أنشطة مساعدات أسر اللاجئين في جماعة الإخوان، طلبت إخفاء اسمها، إلى تلك الحالات باعتبارها “محض افتراءات وقصص مفبركة لأغراض سياسية مناهضة للإخوان” وقالت إن “ما يقدمه الإخوان المسلمون للاجئين ما هو إلا جزء ضمن نشاط البر الذي تقدمه الجماعة خدمة للمجتمع وللمسلمين، وكل ما تقدمه الجماعة هو خالص لوجه الله تعالى ولا يطلبون أي مقابل”.

 تعود بسمة لتؤكد أن بعض اللاجئين شاركوا في تظاهرات الإخوان المسلمين، قائلا: “من يشارك منهم في التظاهرات هو شخص مؤمن بأن الإسلام في خطر ويشارك لحماية دينه عن قناعة ووعي ودون أي تهديد أو ضغط عليه”.

ويقول عبد الجليل الشرنوبي الباحث في شئون الجماعات الإسلامية ورئيس تحرير السابق للموقع الرسمي للإخوان إن “اللاجئين من ذوي التوجهات الإخوانية يرتبطون بتنظيمهم و دوائره في دول اللجوء ويتم استخدامهم في أنشطته المختلفة سواء الدعوي منها أو السياسي ويمثل اللاجئون في دول الأوروبية مثلا نوافذ حضور سياسي للتنظيمات خاصة الإخوان، و نموذج استثمار اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا وأمريكا واضح تماما حيث انشأ التنظيم عشرات المراكز والمؤسسات تحت غطاء قضية اللجوء ساهمت كلها في شرعنة الوجود الإخواني عالميا ودعم خزائنه ماليا، ويكفي في هذا الصدد دراسة واقع لجوء سعيد رمضان صهر مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا إلى ألمانيا مطلع الخمسينات ومثله إبراهيم الزيات، ودورهما عقب اللجوء في إنشاء المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا (ZMD)، ومركز ميونخ ثم اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي مثل انشائه نقطة التحول في استقطاب اللاجئين العرب والمسلمين لأوروبا وتجنيدهم ضمن تنظيم الإخوان بدوائره.

**  غيرت بعض أسماء اللاجئين حفاظا على سلامتهم

ينشر هذا المقال بالتعاون مع موقع قل