واجه إعلان المبعوث الأممي برنادينو ليون في الثامن من تشرين أول/أكتوبر الماضي لمقترح تشكيلة حكومة التوافق في ليبيا ردوداً رافضة من مدينة بنغازي، التي تشهد منذ أكثر من سنة قتالاً بين قوات الجيش الليبي و كتائب مدنية مساندة له ضد تنظيمات إسلامية ومتطرفة تنضوي تحت مجلس شورى ثوار بنغازي.

واجه إعلان المبعوث الأممي برنادينو ليون في الثامن من تشرين أول/أكتوبر الماضي لمقترح تشكيلة حكومة التوافق في ليبيا ردوداً رافضة من مدينة بنغازي، التي تشهد منذ أكثر من سنة قتالاً بين قوات الجيش الليبي و كتائب مدنية مساندة له ضد تنظيمات إسلامية ومتطرفة تنضوي تحت مجلس شورى ثوار بنغازي.

المدينة الواقعة في الشرق الليبي شهدت مظاهرتين متتالين خلال جمعتي منتصف أكتوبر الماضي، و قوبلت المظاهرات بقذائف هاون مجهولة المصدر رسمياً، لم تسقط جراءها إصابات في المظاهرة الأولى، أما في الثانية فقد أدت إلى مقتل 9 أشخاص وجرح 39 آخرين وسط هتافات تحدٍ من المتظاهرين وأهازيج وصور سيلفي من وسط المظاهرة.

لكن ما هي الرسالة التي تريد المدينة الغارقة في الدم إيصالها؟

في السجن لا الحكومة  

حنان المقوب، إعلامية من مدينة بنغازي لجأت قسراً، خوفاً على حياتها إلى جمهورية مصر المجاورة، طالبت في تصريح صحفي لـ “مراسلون” بدعم الأجهزة الأمنية ومؤسسة الجيش لإعادة فرض الأمن في بنغازي لأن “الديموقراطية والعدالة والحقوق المدنية تحتاج إلى قوة القانون وبسطه على الأرض”.

توضح هذه السيدة أن أهالي مدينتها خرجوا في المظاهرة رفضاً لمُخرجات حوار الصخيرات الذي يجري برعاية أممية، وهم يرفضون أيضاً مقترح حكومة التوافق المقدم من قبل المبعوث الأممي برناردينو ليون، والتي أطلقت عليها تسمية “حكومة الوصاية”.

المقوب بررت رفضها مقترح الحكومة بأنها تضمنت أسماء بعض الشخصيات التي يُفترض أن “تكون داخل السجن لا على طاولة الحوار ولا في حكومة الوفاق”.

مطالب المقوب كانت واضحة في الشعارات و الصور التي حملها كثير من المتظاهرين، رفضوا ترشيح عضوي مجلس النواب المقاطعين عبد الرحمن السويحلي لمنصب رئيس المجلس الأعلى للدولة، وفتحي باشاغا لمنصب رئيس مجلس الأمن القومي، وكذلك أحمد معيتيق لمنصب نائب رئيس الوزراء.

والثلاثة من مدينة مصراتة التي وجه رئيس المجلس المحلي لمدينة بنغازي في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي رسالة إلى سكانها طالبهم فيها بالتدخل العاجل لوقف تدفق الجرافات البحرية المحملة بالأسلحة والمقاتلين لدعم قوات مجلس الشورى، قال إن شهادات الأسرى و الشرطة وأشرطة فيديو تم ضبطها تثبت أنها آتية من مدينتهم.

تمثيل المدينة في الحكومة

المبعوث الأممي برناردينو ليون الذي سيخلفه في السادس من تشرين ثاني/نوفمبر القادم الألماني مارتن كوبلر، كان قد ألمح خلال مؤتمر صحفي عقده في الثالث والعشرين من الشهر الماضي – وهو ذات اليوم الذي تم فيه قتل متظاهرين في بنغازي – إلى إمكانية تعديل التشكيلة بما يضمن تمثيلاً أكبر “لمدينة مثل بنغازي” في حكومة التوافق.

لكنه استدرك “أنا بالطبع على استعداد لأن أوصل هذه المطالبات بأن يكون لبنغازي وزن سياسي أكبر في الحكومة، وحتى ما يطرحه البعض بأن يكون هناك عضو في المجلس الرئاسي عن المدينة، ولكن يمكنني فقط أن أوصل هذا للمشاركين في الحوار الليبي ولا يمكنني أن أتخذ القرار”.

لكن حتى هذه المحاولة من ليون لامتصاص غضب الشارع هناك من عارضها، مثل عضو مجلس النواب عن مدينة بنغازي يونس فنوش الذي كتب على صفحته الشخصية على موقع الفيسبوك أنّ مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا “تمكّن من جرنا للعب في الملعب الذي يريده”.

ووصف فنوش الحديث حول بنغازي وما تستحقه من دور وموقع في المشهد السياسي بـ”المحاولة الخبيثة” لترسيخ فكرة تمثيل المدن بعد أن ترسخت فكرة تمثيل الأقاليم. وتابع أنّ هذا يصب في صالح تسمية “أحمد معيتيق” وتمثيل مدينة مصراتة، بمرشح لمنصب نائب رئيس في حكومة الوفاق. وأبدى فنوش أسفه لترحيب الكثير من سكان بنغازي وسكان برقة بالفكرة وتشجيعها، محذّراً من “قبول مجرد التفكير في هذا الاتجاه”.

رسائل متناقضة

لم تصدر من داخل المدينة أصوات كثيرة تنادي بقبول مقترح حكومة التوافق، إلا أن المظاهرتين الرافضتين عبرتا عن بعض الرسائل المتناقضة، إذ تجاورت أعلام إقليم برقة التي رفعها مطالبون بإقليم فيدرالي في منطقة الشرق الليبي جنباً إلى جنب مع صور القائد العام للجيش الليبي الفريق خليفة حفتر، التي حملها مطالبون بمجلس عسكري يقوده الرجل الذي أبدى أكثر من مرة رفضه للمشروع الفيدرالي، وقال في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي “نحن لا نعرف لا فيدرالية ولا تقسيم ولا كلام فاضي. ليبيا كقوات مسلحة نحن نعرفها جزءاً واحداً لا يتجزأ”.

الناشط الفيدرالي أسامة العريبي اعتبر في تصريح لـ”مراسلون” ذلك نوعاً من تقاطع المصالح، “حفتر القومي يرى في الإخوان وجماعات الإسلام السياسي عدوه الأول في ظل بحثه عن السلطة، واتخذ من الجيش وسيلة ليحقق به مراده، الذي هو إزاحة خصومه وتمكينه من احتكار القوة ليستتب إليه أمر الحكم، أما الفيدراليون فيشاركون حفتر العداء لجماعات الإسلام السياسي ومن هنا جاء دعمهم لمشروع الجيش والشرطة”.

العريبي تابع “الفيدراليون يرون أن أغلب أفراد قوات الجيش والشرطة في برقة هم من أبنائها، فهم لا يشكلون خطراً على مشروع فيدرالية برقة، أما حفتر فيرون أنه عامل محفز مؤقت سينتهي بانتهاء معركة بنغازي، و أنه بمجرد انتقال المعركة لطرابلس إن انتقلت، فستنطلق معها معركة الفيدرالية ضد حفتر لأن نقطة تلاقي المصالح بين الطرفين تنتهي مع بداية معركة طرابلس”.

رسائل عديدة

من جانبه لا يرى الناشط في منظمات المجتمع المدني بالمدينة أحمد التواتي تناقضاً في وجود أعلام برقة وصور الفريق حفتر جنباً إلى جنب.

التواتي فسر في حديث لـ”مراسلون” رفع صور حفتر بالعمل الفردي الذي “يندرج ضمن ثقافة الاستبداد التي تربط الدولة بالشخوص”، مؤكداً أن ذلك ليس بالجديد ولا يمكن التخلص منه على المدى القريب.

أما عن الرسالة التي أراد المتظاهرون إيصالها فقال “إنهم لا يحملون رسالة واحدة، فمنهم من يرى أن الحوار برمته لا يحقق شيئاً مما يريده الشعب من مطالب بقدر ما هو تقاسم للسلطة بين سلطتين أفسدتا البلاد، ومنهم من يرى أن الحكومة التي انبثقت عن الحوار هي مكمن الخلل لأن مقترحها تضمن أسماء يرى الناس أنها سبب الدمار الذي لحق بليبيا من فوضى المليشيات ومن يدعمها، في حين تعتقد مجموعة أخرى أن الحل في حكم عسكري يكون مخرجاً للبلاد بعد فشل تجربتين ديمقراطيتين بفساد الأولى وبانقلاب على صندوق الثانية”.