على بعد 30 كيلو متر تقريبًا، شمال شرق مدينة أبنوب فى محافظة أسيوط، تقع عزبة محمد خليل التي تعاني منذ عدة سنوات من مشكلة تخلف أبنائها عن الالتحاق بالتعليم، وذلك بسبب رفع سن القبول فى مدرسة القرية إلى 8 و9 سنوات لعدم وجود أماكن كافية في مدارسها، الأمر الذي حرم عديد من الأطفال من دخول المدرسة فى مثل سن أقرانهم بالقرى المجاورة.. “مراسلون” يرصد المشكلة، وكيفية حلها.

رفع سن القبول

على بعد 30 كيلو متر تقريبًا، شمال شرق مدينة أبنوب فى محافظة أسيوط، تقع عزبة محمد خليل التي تعاني منذ عدة سنوات من مشكلة تخلف أبنائها عن الالتحاق بالتعليم، وذلك بسبب رفع سن القبول فى مدرسة القرية إلى 8 و9 سنوات لعدم وجود أماكن كافية في مدارسها، الأمر الذي حرم عديد من الأطفال من دخول المدرسة فى مثل سن أقرانهم بالقرى المجاورة.. “مراسلون” يرصد المشكلة، وكيفية حلها.

رفع سن القبول

على بُعد بضعة أمتار من مدرسة القرية يقع منزل ممدوح محمود محروص، والد الطفلة آية، التي حرمها نقص شهرين من عمرها، من حلم الالتحاق بالمدرسة، مثل من هم فى نفس عمرها من أطفال القرية. آية ليست على مشارف سن السادسة، كما هو معتاد بالنسبة للاطفال المشرفين على الالتحاق بالمدرسة، وإنما هي أكبر من ذلك بسنتين تقريبا، أي على أعتاب الثامنة، وهو السن الذي أصبح معتادا لدخول المدرسة في هذه القرية.

لدى وصولنا للقرية استقبلنا والد الطفلة آية الذي بدأ حديثه قائلا: “عمر ولادنا بيتسرق ومش عارفين نروح لمين”، وأضاف: “مشكلتي بدأت عندما قدمت لابنتي فى مدرسة القرية، بعد أن انتظرت لمدة عامين مقارنة بسن الالتحاق فى المدارس بالقرى المجاورة “6 سنوات”، وذلك لمعرفتي أنه لا يمكن قبول أوراق ابنتي قبل ذلك، ولكن حين أودعت شهادة ميلادها بمدرسة القرية، أعادها لي مسؤول التقديم مرة أخرى، وأكد لي أنه لا يمكن قبولها، بسبب عدم إكمالها الـ8 سنوات، علما بأن لديها 7 سنوات و10 شهور”.

مدرسة صغيرة

مدير مدرسة القرية سعد عبدالمنعم، يعزو تأخير سن الالتحاق بالمدرسة الوحيدة فيها بضيق المساحة. ويقول إن مساحة المدرسة لا تتعدى الأربعة قراريط (600 متر مربع تقريبًا)، ومساحة الفصل فيها لا يتجاوز الـ30 مترًا، وليس فيها أكثر من 7 فصول دراسية، علمًا بأن في المدرسة 858 تلميذًا، يكونون 14 فصلا، ولذا فإن الدراسة تكون على فترتين “صباحية ومسائية”.

ويضيف مدير المدرسة أن “عدد من تقدموا من أطفال القرية للالتحاق بالصف الأول هذا العام يبلغ نحو 350 طفلا، ولكننا لم نقبل سوى 180 تلميذا فقط، وتم تأجيل الباقي للسنة المقبلة، علمًا بأن كثافة الفصل لدينا لا تقل عن 60 تلميذًا، ونناشد الوزارة بإيجاد حل لهذه المشكلة”.

التعليم في مدرسة القرية يستمر فقط حتى الصف الخامس الابتدائي، ويتم بعد ذلك تحويل التلاميذ إلى مدارس قرية المعابدة المجاورة، للحصول على الشهادة الابتدائية.

التأخر فى التعليم

يعود والد الطفلة آية للحديث مرة أخرى قائلا: “بنتي كدة هتدخل المدرسة السنة اللي جاية وهيكون عندها 9 سنين، وده هيأثر على حياتها ومستواها التعليمي، ده فى الوقت اللي أقرانها من قرايبنا دخلوا المدرسة عندهم 6 سنوات، والمشكلة دي مش موجودة غير في عزبتنا، وعشان تودي ابنك مدرسة تانية هيمشي 2 كيلو، والبلد مش آمنة، بسبب المشاكل والخصومات، وإحنا بنخاف على أطفالنا”.

آية تشعر بالحسرة لأنها لن تذهب إلى المدرسة هذا العام، في حين يتمكن أقاربها من الالتحاق بالمدرسة. وتقول لوالدها: “بابا أنا عايزة أروح المدرسة، زي بنت عمي صابر، هي دخلت المدرسة السنة دي، وأنا لأ، وإحنا قد بعض فى السن”.

يزيد ممدوح على كلام ابنته قائلا: “ابنة خال آية أيضا تسكن فى قرية المعابدة، وقد التحقت بالمدرسة فى سن 6 سنوات، وهي الآن فى الصف الثالث الابتدائي، مؤكدًا أن مشكلة ارتفاع سن القبول ليس موجوةا غير فى عزبتنا، وأن هناك 5 مدارس أخري بقرية المعابدة غير مدرستنا، جميعها تقبل الأطفال فى سن القبول العادي”.

ليست حالة فريدة

حالة الطفلة آية ليست حالة فريدة في القرية. فشريف رشوان زهري، أعمال حرة وأحد سكان القرية، يقول: “اضطريت إني أودي بنتي (ندى) مدرسة فى قرية المعابدة اللي بتبعد عننا 5 كيلو متر، لأن عندنا فى العزبة بيقبلوا الأطفال اللي عندهم 8 سنين وأكبر من كدة، مع إني مش مطمن عليها، بسبب إن المواصلات مش أمان، لأنها بتكون عبارة عن عربية ربع نقل، وده بيعرض الأطفال للحوادث، وده كله عشان ميفوتهاش سنتين من عمرها تنتظر دخولها مدرسة العزبة”.

كذلك أدّى تكدس التلاميذ في الصفوف المدرسية وتأخر التحاقهم بالتعليم، أدى إلى تسرب التلاميذ من المداس. إذ حرم رفع سن القبول بالمدرسة أحمد عبدالله، عمره الآن 18سنة، من الالتحاق بالتعليم، ويقول: “وأنا صغير قدمي لي والدي على المدرسة، وقالوه استني السنة الجاية، وكان وقتها سني 7 سنين”، ولما جات السنة اللي بعدها، كان سني كبر، وفاتني قطر التعليم، ومدخلتش المدرسة”.

يُشار إلى أن عدد سكان عزبة محمد خليل يبلغ 7 آلاف نسمة، من إجمالي عدد سكان المركز الذي يبلغ 392 ألف و602 مواطنين، بينما يبلغ عدد سكان القرية الأم “المعابدة” 68 ألف مواطن، بحسب أحمد عبدالسلام، رئيس مركز ومدينة أبنوب.

الورثة يرفضون

وفي إطار سعي ولي أمر الطفلة آية لحل مشكلة ابنته يقول: “تقدمت بشكاوى للمديرية ووزارة التربية والتعليم، ولكن لم يتم عمل أي شيئ، بسبب رفض أصحاب المدرسة، إحلالها وتجديدها، لأنهم يريدون إعادتها إليهم والانتفاع بها، وأخذها من هيئة الأبنية التعليمية، بالرغم من أن أهل القرية عرضوا عليهم شراء الأرض، لإعادة بناء المدرسة عليها من جديد، ولكن أحد الورثة رفض ذلك، ولم يقم فيه أحد أهالي القرية بالتبرع بقطعة أرض لبناء مدرسة عليها، نظرًا لقلة المساحات المملوكة بها، وضيق ذات اليد”.

من ناحيته يقول رشاد عبدالحي، مدير الإدارة التعليمية بأبنوب، إن حل مشكلة مدرسة عزبة محمد خليل، يتم من خلال تجميع ثمن الأرض للورثة، وتخصيصها لهيئة الأبنية التعليمية، مثلما فعلنا العام الماضي فى مشكلة مدرسة قرية كوم المنصورة، حيث تم تجميع مبلغ 80 ألف جنيه للورثة، وحل المشكلة، مؤكدًا أن الوزارة والهيئة لن تقدم على شراء الأرض من الورثة بشكل استثنائي، لأنها لم تفعل ذلك من 2005″.

ويضيف عبدالحي أن المشكلة ستحل بشكل جزئي العام المقبل مع افتتاح مدرسة “حوشة شقلقيل”، التي تبعد عن العزبة 3 كيلو متر، حيث تم بناءها من40 فصلا، مشيرًا إلى  أن عدد المدارس بالمركز يبلغ 246 مدرسة (66 ابتدائي- 40 إعدادي – 13 ثانوي عام وفني – 127 مدرسة مجتمع وجمعيات أهلية وخاصة)، وأن عدد التلاميذ فى الصف الأول الابتدائي يبلغ 10آلاف تلميذ تقريبا.

مخالفة للقانون

يصف عبدالحفيظ طايل، مدير المركز المصري للحق فى التعليم، مشكلة مدرسة عزبة محمد خليل بقوله إنها تعد مثالاً صارخًا لمخالفة القانون، حيث نص قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 فى مادة رقم (15)  على أن “التعليم الأساسي حق لجميع الأطفال المصريين، الذين يبلغون السادسة من عمرهم تلتزم الدولة بتوفيره لهم ويلتزم الآباء أو أولياء الأمور بتنفيذه”، وبالتالي فإن تأخير سن القبول بهذه المدرسة جريمة يعاقب عليها القانون، ومخالفة تتحمل وطأتها وزارة التربية والتعليم والحكومة، حيث تعد هذه هي المشكلة الأولى من نوعها التي ترد بهذه الشاكلة إلى المركز.

ويقول طايل إن هناك 7 آلاف قرية وعزبة ونجع فى مصر بدون مدارس ، وأطفالها يسيروا بضعة كيلو مترات، للوصول إلى أقرب مدرسة، بسبب عدم وجود شبكة مواصلات جيدة تخدمهم، ولدينا فى مصر نحو 27 ألف مبني مدرسي فى مختلف المحافظات، ولكن يتم احتساب هذا الرقم على أنه 48 ألف مدرسة، بسبب تشغيل معظم  هذه المباني على فترتين “صباحي ومسائي”،  ونحن نحتاج فى مصر إلى 810 ألف فصل، بما يعادل 27 إلى 30 ألف مدرسة.

ويؤكد مدير المركز المصري للحق فى التعليم، أن مشكلة مدرسة عزبة محمد خليل توسع من ظاهرة التسرب من التعليم، حيث إن 30% من أطفال مصر متسربون من التعليم “عدد الأطفال 18 مليون” بحسب إحصائيات أجراها المركز، ولكن وزارة التربية والتعليم تطرح تقديرات أقل من ذلك وتقول إن النسبة حوالي 10% فقط.

في النهاية يشير والد الطفلة آية إلى أن حل مشكلة التعليم فى العزبة، يكمن فى تخصيص قطعة أرض من أملاك الدولة بجوار ترعة عطا الله، لبناء مدرسة جديدة عليها، ولكن هناك عقبة تتمثل فى وجود أبراج الضغط العالي بها، ومن الممكن نقلها، وبناء المدرسة عليها.

وفى نهاية حديثه يطرح تساؤلا هل ستتحرك وزارة التربية والتعليم والحكومة لحل مشكلة أبنائنا فى العزبة أم سيظل الأمر محلك سر؟