أحمد سعد، ابن قرية دندرة، الأول على محافظة قنا عن الشعبة الأدبية بمجموع 404 درجة. وهو ما يؤهله للالتحاق بأي كلية أدبية يريدها طبقا لتنسيق الثانوية العامة، لكن لم تظهر لـ “أحمد” على شاشة الكومبيوتر رغبته الأولى وهي إعلام القاهرة التي تطلب 395 درجة للالتحاق بها،وإنما ظهر لأحمد  كلية الإعلام وتكنولوجيا الإتصال بجامعة جنوب الوادي، وذلك طبقا لتوزيعه الجغرافي. كلية الإعلام في جامعة جنوب الوادي تطلب 382 درجة، أي بفارق 22 درجة عن الدرجات التي حصل عليها أحمد باجتهاده وتفوقه.

أحمد سعد، ابن قرية دندرة، الأول على محافظة قنا عن الشعبة الأدبية بمجموع 404 درجة. وهو ما يؤهله للالتحاق بأي كلية أدبية يريدها طبقا لتنسيق الثانوية العامة، لكن لم تظهر لـ “أحمد” على شاشة الكومبيوتر رغبته الأولى وهي إعلام القاهرة التي تطلب 395 درجة للالتحاق بها،وإنما ظهر لأحمد  كلية الإعلام وتكنولوجيا الإتصال بجامعة جنوب الوادي، وذلك طبقا لتوزيعه الجغرافي. كلية الإعلام في جامعة جنوب الوادي تطلب 382 درجة، أي بفارق 22 درجة عن الدرجات التي حصل عليها أحمد باجتهاده وتفوقه.

لم يزر أحمد القاهرة أبداً، ولكنه يقول “كنت مستعدا لحزم حقيبتي والجري بمحطات قطارات سكك حديد مصر للالتحاق بإعلام القاهرة، كان من الممكن أن أحصل على سكن بالمدينة الجامعية، توفر ساعة ومواصلتين لإعلام جنوب الوادي، أنا متأكد من ان الدراسة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ستكون أكثر قيمة على المستوى الدراسي كما أنها ستوسع مداركي للحياة”.

أسس التوزيع الجغرافي

أحمد لا يستطيع تحقيق حلمه في دراسة الإعلام بجامعة القاهرة بسبب القرار الوزاري رقم ١٩٧٣ لسنة ٢٠١٤ عن المجلس الأعلى للجامعات، والذي يتضمن أسس التوزيع الجغرافي والإقليمي لعام ٢٠١٥. وبموجب هذا القرار يستثنى طلاب الدلتا والصعيد من الدراسة في ٩ كليات في جامعة القاهرة تُعد من كليات القمة، وهي الاقتصاد والعلوم السياسية، الإعلام، العلاج الطبيعى، الآثار، الألسن، دارالعلوم، الفنون الجميلة، الفنون التطبيقية، التربية الفنية. والهدف من هذا القرار كما هو مذكور فيه هو تقليل إغتراب الطلبة ولم الشمل.

لكن منتقدي القرار يرون أن الكليات التي تتيح دراسة تلك التخصصات في الصعيد والدلتا ليست على درجة كافية من الكفاءة. مما يجعل الطلاب المصريين عالقين في الحدود الجغرافية للأقاليم المصرية فى نظام تعليمي يجبرهم على الالتحاق  بنسخ مشوهة من البيروقراطية الأكاديمية المصرية في المحافظات، مما يزيد من حدة التمييز الجغرافي، ويهدر مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم بين أبناء الوطن الواحد.

“لا توجد فرصة لي هنا”

تأسست كلية إعلام جنوب الوادي التي سيتعين على أحمد الدراسة فيها عام 2014، لتصبح ثالث كلية إعلام على مستوى الجامعات الحكومية بجمهورية مصر العربية. لكن أحمد يطالع صحيفة الجمهورية واليوم السابع ويرغب فى أن يتخصص بالصحافة،  يعرف أحمد أن عليه الانتقال إلى القاهرة فى النهاية للحصول على فرصة أحمد، معلقاً ” لا توجد فرصة هنا لي فى قنا”.

ولفهم  خريطة المشهد الإعلامي المتاح أمام خريجي إعلام جنوب الوادي للعمل فيه، تواصلت “مراسلون” مع محمود الدسوقي، رئيس تحرير إصدار “دشنا اليوم” الصادر عن مؤسسة ولاد البلد التى تعمل في الصحافة المحلية في مصر منذ 4 سنوات ولديها 4 غرف إخبارية بمحافظة قنا. يقول الدسوقي ” قبل الثورة المشهد الإعلامي في قنا كان مقصورا على مكتب جريدة الأسبوع فى قنا لصاحبها مصطفى بكري، وجريدة صوت قنا التي كانت تمولها المحافظة وكانت تصدر بشكل شهري، وجريدة أخبار قنا التي كانت تصدر بشكل يومي. بعد الثورة وانطلاق مشروع ولاد البلد، تغيرت وجهة الصحافة في قنا، اعتمدت ولاد البلد على الهامش مثل دشنا ونجع حمادي لصنع الأخبار بدلا من الاعتماد على مركز قنا فقط”.

ويرى الدسوقي أن من أهم مشاكل الصحافة بقنا كونها مرتبطة بالقبائل والانتخابات، وهو ما سعى مشروع  ولاد البلد لتغييره، كذلك قلة الصحف التي لها مكاتب مراسلين هناك، إذ يوجد ٣ مكاتب للصحف القومية فقط (الأخبار، الأهرام، الجمهورية) بعد أن أغلقت صحيفة المصري اليوم مكتبها هناك. إضافة إلى عدم وجود فرص لتعيينات الصحافيين في الجهات الحكومية. أما عن الإذاعة والتلفزيون فلا توجد قنوات في قنا، وإنما يقع استوديو القناة الثامنة الخاصة بنقل أخبار جنوب الصعيد في أسوان، ويقع ستوديو القناة السابعة الخاصة بنقل أخبار شمال الصعيد في المنيا.

المركز يتيح فرصا أكثر

الدراسة في القاهرة كانت المسار الطبيعي لأبناء قنا الراغبين في الارتقاء بمسارهم الوظيفي. أحمد زكي عثمان، ابن قرية المحروسة الشهيرة بـ “البلاص” بمحافظة قنا، مدير تحرير مجلة الإنساني الصادرة عن منظمة دولية، يحكي لنا عن تجربته الجامعية والمهنية “التحقت بكلية العلوم الاقتصادية وبالسياسية عام 1997، كانت الكلية الوحيدة في ذلك الوقت، انتقالي من محافظة قنا إلى القاهرة اعتبره أهم ما حدث لي في حياتي وكان له تأثيرا هائلا فى شخصيتي، فعلى الرغم من القمع السياسي السائد فى البلد ولكن الكلية كان بها متنفس، فرصة وجود رأى مختلف ذلك لم يكن موجود بالصعيد ولا بأي مكان فى مصر”.

عند سؤال زكي كيف يتخيل حياته ان لم يركب ذلك القطار لينتقل بعيدا عن مسقط رأسه بـ 600 كيلو متر، “أعتقد ان دراستي ستكون سطحية، سأصارع فى مجال العمل، ولو كنت محظوظ سأعمل مدرس تاريخ وهو ما لا أرى نفسي فيه”.

ويرى زكي ان ما يحدث بقرار التوزيع الجغرافي هو “مرحلة من مراحل إقصاء الصعيد فى أن يكون طرف في تشكيل مستقبل مصر، ليشعر هذه المناطق بالعزلة الاجتماعية، انهم ليسوا جزءا من كيان أكبر.”

ولا يتفق زكي مع رؤية وزارة التعليم العالي بان القرار هدفه لم شمل العائلة، فيقول “ماذا بعد لم شمل العائلة؟ ماذا عن الإرتقاء بهذه العائلة؟! القرار يتجاهل 8 ملايين مغترب مصري نسبة لآخر الإحصائيات التي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو جهاز الإحصاء الرسمي في البلاد، هناك  أجيال نشأت فى ظل ثقافة الخليج التي أصبحت أقرب لها من الثقافة المصرية، هذا هو الاغتراب الحقيقي.”

“فقط منذ شهرين أصبح لدينا مكتبة”

كليات “الأقاليم” لا تزال تتلمس طريقها الأكاديمي. فقد استقبلت كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية 560 طالباً في أولى دفعاتها لعام 2013. وهذا العام يستعد الطالب علي محمد أحمد للالتحاق بالفرق الثالثة بكلية الدراسات الاقتصادية والسياسة بجامعة بني سويف. ويصف أحمد الدراسة لمدة عامين بان “الدراسة فى الكلية كمجال جيدة، وتخصصت بدراسة السياسة، ولكن هناك نقص إداري رهيب والخدمات ليست على مستوى كلية الاقتصاد بالقاهرة، فقط منذ شهرين أصبح لدينا مكتبة!”. تحتوي الكلية على قسمين فقط هما الاقتصاد والسياسة ولا يوجد بها قسم للإحصاء، وهو القسم الموجود في كلية اقتصاد وعلوم سياسية في جامعة القاهرة.

ولا يبدو أساتذة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة راضون عن قرار التوزيع الجغرافي. إذ تعقب “هالة السعيد” عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى تصريحات صحفية لها على إنشاء كليات مناظرة لـ “سياسة واقتصاد القاهرة: “كان من الأولى فتح كلية للعلوم الإدارية والمالية والمصرفية، بدلاً من إثقال المجتمع بخريجين دون فرص عمل”.

ويعبر أحمد عبد ربه أستاذ السياسة بكلية العلوم الاقتصادية والسياسية بجامعة القاهرة عن رأيه قائلا “ان القرار يهدر الفرص المتساوية بين الطلاب، الكلية ستخسر التنوع الكبير الذى كانت تتمتع به بطلاب مختلفين، سينعكس ذلك بالضرورة على أعضاء هيئة التدريس بعد 8 سنوات من الآن.”

لا توجد احصائيات رسمية تفيد بعدد الدارسين في كليات القمة من الصعيد والدلتا، إلا أن حالة الشاب أحمد سعد ليست فريدة من نوعها. لذلك فإن قرار التوزيع الجغرافي سيؤثر في المسار المهني للكثير من طلاب الدلتا والصعيد، لاسيما في ظل نقص الدعم الكافي للكليات الوليدة، وانخفاض مستواها الأكاديمي.