لفت انتباهه ذلك العامل المسكين، في حرقة الشمس والريح الساخنة تصهد جسده الهزيل، مستمراً في جمع القمامة كل ظهيرة من أيام شهر رمضان هذا العام، ولكن هذه المرة ركن أيمن سيارته إلى جانب الطريق، مقتنصاً الزاوية الجيدة للتصوير، وبينما كاد يضغط على زر الالتقاط  في كاميرته هبطت عليه من حيث لا يدري قبضة ٌ قويةُ جرته لصندوق السيارة العسكرية، لتبدأ مرحلة الاستجواب وتنهال الأسئلة على المصور الفوتوغرافي المستقل أيمن عاشور دون كلل.

لفت انتباهه ذلك العامل المسكين، في حرقة الشمس والريح الساخنة تصهد جسده الهزيل، مستمراً في جمع القمامة كل ظهيرة من أيام شهر رمضان هذا العام، ولكن هذه المرة ركن أيمن سيارته إلى جانب الطريق، مقتنصاً الزاوية الجيدة للتصوير، وبينما كاد يضغط على زر الالتقاط  في كاميرته هبطت عليه من حيث لا يدري قبضة ٌ قويةُ جرته لصندوق السيارة العسكرية، لتبدأ مرحلة الاستجواب وتنهال الأسئلة على المصور الفوتوغرافي المستقل أيمن عاشور دون كلل.

بعد مجادلات طويلة مع رجل يرتدي ملابس مدنية لا يدل على صفته الأمنية إلا قبعته العسكرية، ويتبع لإحدى الكتائب الأمنية الكثيرة في طرابلس، خرج أيمن بكاميرته دون حجزها، وتنفس الصعداء مكرراً مع نفسه “هذا الحال لا يحتمل… لم أعد أحتمل المزيد”.

#نعم #لحرية # المصورين

هذه القصة هي واحدة من سلسلة حوادث تصادم بين رجال الأمن وهواة التصوير في السنوات الأخيرة، بعض القصص تنتهي بسلام و مصادرة  الكاميرا والحجز لبضع ساعات والمنع من ألتصوير، وبعضها الآخر ينتهي بشكل سيء كتحطيم الكاميرا والتعدي بالضرب.

محمد صفار، مصور هاوٍ وعضو مؤسس في منظمة تكوين للتصوير، سبق وأن اختبر أيضاً تجربة الحجز لساعات طويلة والمنع من التصوير في الأماكن العامة بمدينتي طرابلس ومصراته، أكثر من مرة.

وقد أطلقت “تكوين” التي كان صفار أحد مؤسسيها حملة هاشتاق منذ نهاية شهر رمضان على صفحات السوشال ميديا تحت معرف “#‏نعم_لحرية_المصورين‬“، أخذت تنتشر ويشاركها أغلب المصوريين على صفحاتهم في الفيس بوك وتويتر مع سرد لقصصهم مع الأمن.

كان القصد من هذه الحملة بحسب صفار حصر حالات الاعتداء، وتشجيع المصورين على الكلام بحرية عن مواجهاتهم مع رجال الأمن والعامة، وما نتج عنها من منع  وكسر للكاميرات في بعض الحالات، وتعرض للأذى الجسدي والمعنوي من قبل  عناصر الأمن في حالات أخرى.

تعصب الجموع

المواجهة مع رجال الأمن قد تكون أمراً متوقعاً، ولكن رفض الشارع أحياناً للمصور وممارسة الضغط عليه أثناء أداء عمله هي ما يجعل ظروف عمله أصعب، يقول صفار إن من ضمن أهداف الحملة “السعي لتقبل ثقافة التصوير الحر في المجتمع وعدم التعرض للمصور وبالأخص المستقل”.

فالمصور بحسب المصور الصحفي طه الجواشي يواجه “غوغائية في التعامل من قبل المواطنين وكأنه يشكل تهديداً خطيراً عليهم”.

ويؤكد “لا فائدة تذكر أمام جهل وتعصب الجموع من امتلاك المصور لأي تراخيص تؤكد أنه مصور، لا فائدة معهم”.

كلام الجواشي نابع من واقع ما تعرض له من اعتداء بالضرب وكسر لكاميرته الخاصة، والاستيلاء على هاتفه المحمول من قبل مواطنين غاضبين، استاؤوا من تغطيته الصحفية السنة الماضية لأزمة انقطاع البنزين بمنطقة تاجوراء شرق العاصمة طرابلس.

فهذه الحادثة حسب اعتقاده “تشكل نموذجاً عن مدى خوف وتحفظ العقلية الليبية اتجاه أي شخص يحمل بين يديه كاميرا ويتأهب لالتقاط صورة في مكان عام”.

بطاقة لاتكفي

بأسف يشرح أحمد القايد لـ”مراسلون” وهو المختص بإصدار تصريحات وبطاقات دائمة للصحفيين والمصوريين المستقلين والهواة بمكتب الإعلام الخارجي التابع لوزارة الإعلام، أنه  كان يفترض بالبطاقة الصادرة من مكتبهم أن تغني عن أي أذونات إضافية أمام رجل الأمن.

لكن حسب تعليله أن “التوجس الأمني، والجهل بالتوجيهات الأمنية يبطل من قوة هذه البطاقة”، إلا أن مكتب الإعلام الخارجي حسب قوله يبقى ملتزماً تجاه  من يصدر له بطاقة في حال تعرضه لأي مشاكل مع الأمن.

“لحسن الحظ أن جميع المواجهات والمصادمات مع الأمن تنتهي من خلال الاتصالات الشخصية والعلاقات الاجتماعية، والأرجح أن المصورين بعد انقضاء الأمر يفضلون عدم الشكوى لتيقنهم بأنه لاجدوى من ذلك” يقول القايد.

يبالغون أم لا

تعتقد المصورة الفوتوغرافية هبة محمد أن المصوريين المستقلين يبالغون في استعراض قصصهم على هاشتاق “#نعم #لحرية #المصورين”.

وتفسر ذلك بأن من يهاجمون رجال الأمن من المصورين هم غير راضين عن الحكومة التي تسير غرب البلاد، مؤكدة عدم تعرضها للمضايقات أو التحرشات أثناء تصويرها في الشوارع العامة “لا من قبل الميلشيات والتي تمثل المنظومة الأمنية في ليبيا، ولا من قبل الأفراد”.

وعلى عكس موقف هبة، يؤكد المصور الفوتوغرافي طه كريوي رئيس المنظمة الليبية للتصوير أن ما يمنع العديد من هاويات التصوير عن قص تجاربهن مع التحرش والاستيقاف من الأمن والعامة “هو فقط التحفظ الاجتماعي، والذي يصل حد وصم المرأة الصريحة بشكل لا أخلاقي”.

ما يتفق معه صفار الذي يقول إن العديد من الفتيات الليبيات يعشقن التصوير ويمتلكن كاميرات جيدة تسمح لهن بالابداع، “لكن نتيجة واقع التحفظ الاجتماعي المنتشر بالأخص في المدن البعيدة عن العاصمة، لايفتح المجال لتقديم أنفسهن لا كهاويات ولا حتى كمتخصصات تصوير صحفي”.

ويدلل صفار على كلامه بأنه في مدينته مصراتة (شرق طرابلس) ومن خلال منظمة تكوين كانوا دائماً يحاولون تشجيع وتقديم المصورين من خلال خلق المنافسات والمعارض، إلا أنه لم يحصل مطلقاً أن تقدمت نساء لهذه المسابقات أو حاولن إظهار مواهبهن، “ويظل فقط حضورهن الظاهر ونتاج تصويرهن موجوداً على صفحات الفيس بوك وبقية وسائل السوشال ميديا” يقول صفار.

المراقب لصفحات الفيس بوك سيلاحظ أنه يعج بالمواهب الليبية الشابة التي تستعرض إنتاجاتها بتحفظ يناسب مثاليات المجتمع الليبي، وتقدم نفسها كفنانة أو فنان هاوٍ ليصير عالم السوشال ميديا المتنفس الوحيد  لحرية الرأي وللاشتكاء، ولثوتيق حالات الاعتداء، وفي بعض الأحيان للتجريم الصريح.

بالمقابل يؤكد العديد من هواة التصوير تركهم لهذه الهواية وبيع كاميراتهم نتيجة للجهل الاجتماعي الموجه ضدهم في الشوارع العامة والقمع الأمني في ليبيا، ليتنازل العديد منهم في نهاية المطاف عن موهبته، ورغباته، وأحلامه منصاعاً لواقع يزداد انغلاقاً على كافة الأصعدة.