أعلنت حكومة المهندس ابراهيم محلب مطلع تموز/ يوليو الماضي عن إقرار الموازنة العامة الجديدة للدولة لعام 2015-2016، ولاقت الموازنة اعتراضات عديدة من خبراء الاقتصاد والمهتمين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

“مراسلون” التقى إلهامي الميرغني الباحث الاقتصادي والقيادي بحزب “التحالف الشعبي الاشتراكي” لتناقش معه أهم ما أثير حول الموازنة العامة الجديدة من اعتراضات، وهو يوضح فيها كيف تثقل الموازنة الجديدة كاهل الفقراء بمزيد من الفقر.

أعلنت حكومة المهندس ابراهيم محلب مطلع تموز/ يوليو الماضي عن إقرار الموازنة العامة الجديدة للدولة لعام 2015-2016، ولاقت الموازنة اعتراضات عديدة من خبراء الاقتصاد والمهتمين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

“مراسلون” التقى إلهامي الميرغني الباحث الاقتصادي والقيادي بحزب “التحالف الشعبي الاشتراكي” لتناقش معه أهم ما أثير حول الموازنة العامة الجديدة من اعتراضات، وهو يوضح فيها كيف تثقل الموازنة الجديدة كاهل الفقراء بمزيد من الفقر.

بداية ما هي الفروق الواقعية بين الموازنة العامة 2015-2016 وما قبلها؟

توجد حقيقة أولية يجب أن ننطلق منها قبل تقييم الموازنة. وهي أن معدل التضخم منذ إقرار الموازنة القديمة وحتى أيار/مايو الماضي زاد بنسبة 2 بالمئة، وبالتالي فإن أي تغيير في أرقام الموازنة الجديدة لا يراعي هذه الزيادة لا يعكس نموا حقيقيا، خصوصا أن معدل النمو السكاني وصل أيضا الى 2.8%، وانخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار.

ما أبرز التغيرات التي لحظتها في الموازنة الجديدة؟

بالمقارنة مع الموازنة السابقة نجد أن الأجور انخفضت (من 26% من المصروفات في العام الماضي إلى 25% في الموازنة الجديدة). والدعم انخفض أيضا (من 30% إلى 27%)، أما فوائد الديون فزادت (من 25% إلى 28%)

هل تعكس تلك الفروق الانحيازات الاقتصادية والاجتماعية للنظام الراهن؟

الانحيازات واضحة ولا تصب في مصلحة ذوي الدخل المحدود. فبعد خروج مشروع الموازنة من مجلس الوزراء طلب الرئيس تخفيض عجز الموازنة، وتم تخفيض مخصصات الأجور والدعم والصحة والتعليم. هذا جزء من الانحياز.

ثانياً استمرار الإصرار على الإعفاءات الضريبية للمستثمرين من خلال قانون الاستثمار الجديد، ورفض فرض ضرائب تصاعدية على الدخل. بينما تم رفع الضرائب المباشرة على أجور العمال والموظفين.

أي أن العمال والموظفين يدفعون اليوم 31 مليار جنيه ضرائب، وأصحاب الشركات الصغيرة والمحلات والورش يدفعون 13.9 مليار جنيه فقط، وأصحاب المهن الحرة من فنانين ومحامين ومهندسين وأطباء لا يدفعون سوي 1.6 مليار جنيه. هل يوجد انحياز اجتماعي أكثر وضوحا من ذلك؟

ولم تكتفي الحكومة بذلك بل تعتزم تطبيق مرحلة جديدة من ضريبة القيمة المضافة التي تطالب بها المؤسسات الدولية بما يزيد من أعباء المعيشة على الفقراء ومحدودي الدخل.

إذن، التغييرات الحاصلة لن تصب في صالح الفقراء برأيك؟

التغير الحادث هو تغير نحو المزيد من التمويل بالديون المحلية والأجنبية والمزيد من التعويل على القطاع الخاص ورأس المال الأجنبي وانسحاب الدولة من الأنشطة الرئيسية.

فضلا عن ذلك نلحظ استمرار سياسات الخصخصة والتوسع بها، من خلال تحويل الجهات الحكومية والهيئات العامة إلى شركات، وطرح أسهمها في البورصة، إضافة إلى إقامة شركات مساهمة برؤوس أموال حكومية وهي بوابة كبري للفساد.

الخصخصة تقود للمزيد من التضخم وارتفاع الأسعار، ولا تضيف قيمة جديدة للاقتصاد المصري بل تستغل الأصول الحكومية التي هي ملكية الشعب المصري.

وما هو دور الدولة في التنمية وفقا للموازنة الجديدة؟

الدولة تخصص مبلغ هزيل لا يتجاوز 75 مليار جنيه للاستثمارات وهو يمثل 9% من إجمالي مصروفات الموازنة وهي نفس نسبة موازنة العام الماضي رغم الزيادة النقدية. وهو ما يعكس إصرار الدولة على الانسحاب من دورها كقاطرة للتنمية والتعويل على الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي.

ولا نعرف ماذا سيكون مصير المشروعات المرتبطة بحياة المواطنين ومعيشتهم إذا لم يقبل القطاع الخاص على هذه المشروعات سوى المزيد من تردي المرافق والخدمات العامة والمزيد من رفع تكلفة الحصول عليها.

هل ترى أن الموازنة العامة الجديدة قادرة على رفع معدلات الناتج المحلي والقضاء على البطالة أم أن الأمر لا يتعدى كونه أرقاما وهمية؟

مصر دولة تعيش على القروض وسداد الفوائد وبيع الأصول، ولا توجد استثمارات حقيقية في القطاعات السلعية (الزراعة والصناعة) بل تتوجه أغلب الاستثمارات للسياحة والعقارات. وبالتالي لدينا تحفظات كبيرة على الحديث عن معدلات النمو المتوقع وخفض معدلات البطالة.

بل إن إصدار قانون الخدمة المدنية سيؤدي في حال إقراره الي زيادة البطالة، حيث سينضم الخارجون من الجهاز الحكومي لصفوف العاطلين العمل.

هذا فضلا عن مئات المصانع المتوقفة وعشرات المصانع المملوكة للقطاع العام والتي يصرخ عمالها منذ سنوات لضخ استثمارات وتشغيلها بينما الحكومة لا تسمع سوي صوت رجال الأعمال.

من هو الممول الأكبر في الموازنة العامة الجديدة هل الطبقة الوسطى والفقراء أم رجال الاعمال والاستثمار؟

العمال والموظفين وأصحاب المعاشات والطبقة الوسطى، لكن رجال الأعمال يستنزفون أصول الشعب لتحقيق مكاسب كبيرة برعاية الدولة.

كيف تقيّم السياسات الاقتصادية التي تجلت في الموازنة الجديدة؟

ما يحصل هو استمرار نفس السياسات القديمة والتوجهات المباركية وبنفس الطريقة وتوزيع الاعباء بنفس طريقة مبارك التي ثار ضدها الشعب في 25 يناير.

ما هي الحلول التي تراها هامة وضرورية وعلى الحكومة اتخاذها خلال الفترة المقبلة لتحقيق العدالة الاجتماعية؟

يوجد عدد من الحلول الضرورية اللازمة لتحقيق العدالة الاجتماعية منها: زيادة الاستثمار في القطاعات السلعية وتقليل الاعتماد على الخارج، ووضع ضوابط للاستيراد، وزيادة الضرائب الجمركية على السلع الترفيهية.

هناك ضرورة أيضا لاتباع استراتيجية لتوفير السلع والاحتياجات الاساسية للمواطنين بمنتجات محلية من خلال دعم المنتج المحلي ووضع قيود على الواردات لصالح المنتجين.

اما زيادة الموارد الضريبية فيجب أن يتم من خلال فرض ضرائب تصاعدية على الدخول تتدرج إلى 40% على الدخول المرتفعة، وفرض ضرائب علي أرباح وتعاملات البورصة، إلى جانب فرض ضرائب على القصور والشاليهات والشقق السكنية المغلقة، وتقليل الاعتماد علي الديون المحلية والخارجية.

وأخيرا زيادة الانفاق علي الخدمات العامة كالتعليم والصحة والمرافق العامة كالمياه والكهرباء والصرف الصحي والمواصلات ووقف برامج الخصخصة التي تتم في هذه القطاعات بما يزيد من حدة الفقر.