ترك الحاج حسن الفاخري (60 عاماً) مدينته براك الشاطئ الواقعة على بعد 700 كم جنوبي طرابلس واستأجر منزلا في العاصمة قرب مركز طرابلس لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة حيث يتابع علاج ابنه منذ سنوات.

ما كان الفاخري ليتكبد كل تلك المصاريف لو توفرت لديه بدائل في المنطقة الجنوبية حيث كان يقطن، إذ لا توجد أي مراكز تأهيل لذوي الاحتياجات الخاصة هناك.

ويقول: “فضلا عن مصاريف التنقل والإيجار، أدفع الآن نحو ألف دينارا (نحو 700 دولار أمريكي) شهرياً مقابل علاج ابني محمد ذي الثماني سنوات في مركز التأهيل”.

ينتشر بصمت

ترك الحاج حسن الفاخري (60 عاماً) مدينته براك الشاطئ الواقعة على بعد 700 كم جنوبي طرابلس واستأجر منزلا في العاصمة قرب مركز طرابلس لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة حيث يتابع علاج ابنه منذ سنوات.

ما كان الفاخري ليتكبد كل تلك المصاريف لو توفرت لديه بدائل في المنطقة الجنوبية حيث كان يقطن، إذ لا توجد أي مراكز تأهيل لذوي الاحتياجات الخاصة هناك.

ويقول: “فضلا عن مصاريف التنقل والإيجار، أدفع الآن نحو ألف دينارا (نحو 700 دولار أمريكي) شهرياً مقابل علاج ابني محمد ذي الثماني سنوات في مركز التأهيل”.

ينتشر بصمت

في المركز حيث يداوم محمد على العلاج أطفالٌ ينعزلون عمن حولهم، يُحبون النظام والترتيب بطريقة قد لا يتصورها الآخرون. إنهم أطفال مصابون بالتوحد، هذا الاضطراب المُنتشر بصمتٍ في ليبيا.

لم يتوصل الباحثون لتعريف محدد لاضطراب التوحد ومعرفة أسبابه، لكن بعض الدراسات العلمية العالمية أوضحت أن التوحد هو اضطراب نمائي ناتج عن خلل عصبي (وظيفي) في الدماغ غير معروف الأسباب يظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل ويتميز فيه الأطفال بالفشل في التواصل مع الآخرين وضعف واضح في التفاعل وعدم تطوير اللغة بشكل مناسب وظهور أنماط شاذة من السلوك وضعف في اللعب التخيلي.

وأشارت بعض الدراسات إلى أن التوحد أزمة سلوكية تنتج عن أسباب عدة تتسم بقصور اكتساب مهارات التواصل والعلاقات الاجتماعية وضعف في مهارات اللعب.

مراكز خاصة

قلة المراكز الحكومية المتخصصة بتأهيل أطفال مرضى التوحد أدت لظهور مراكز خاصة، تحاول سد النقص رغم عدم وجود حصر لإجمالي الحاﻻت.

مركز طرابلس الذي زاره “مراسلون” هو أحد تلك المراكز الخاصة وهو يؤوي 500 طفل توحدي.

تقول مدير المركز سالمة الأريل لـ”مراسلون”، إن الأطفال يتم تقييمهم وتشخيص حالاتهم قبل بدء مراحل تأهيلهم، إذ يتم تدريب الأطفال على النطق واللمس والحركة، ومن ثم إدخالهم إلى الفصول الدراسية ودمجهم في المدارس العامة كمرحلة نهائية.

إلا أن مديرة المركز لا تخفي استياءها من إهمال الدولة لهذه الفئات ما يضع حسب قولها عبئاَ كبيراً على عاتق أهاليهم من الناحية المادية والمعنوية، “الطفل التوحدي معاملته صعبة، نحتاج للدعم من قبل الجهات المختصة والعمل الجاد للاهتمام أكثر بهذه الشريحة، علينا وضع خطة بعيدة المدى لضمان حياة أفضل لذوي الاحتيجات الخاصة في ليبيا” تقول الأريل.

الإحصاءات مفقودة

تتراوح نسبة الإصابة باضطراب التوحد على مستوى العالم بين واحد واثنين بالمائة تقريباً، لكن في ليبيا لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد المصابين بهذا الاضطراب.

مدير صندوق التضامن الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية بطرابلس نوري بوصير يؤكد ذلك بقوله إن “طرابلس تضم مركزاً واحداً تابعاً للدولة وهو مركز الهضبة للتوحد الذي يؤوي 400 طفل، ونحن لا نملك إحصائية دقيقة بعدد مصابي التوحد في ليبيا” .

لكنه أطلع “مراسلون” على أن الصندوق يدرس إمكانية فتح مراكز جديدة لذوي الاحتياجات الخاصة في ليبيا، دون أن يحدد الزمان والمكان.

العلاج مجدٍ

“ابني ليس عدوانياً وحالته في تحسُّن مُستمر” تقول أم عبد الرحمن لـ “مراسلون”، فقد تحسنت معاملته مع إخوته وأصدقائه منذ أن التحق بمركز طرابلس حين كان في الثالثة من عمره البالغ اليوم ستة سنوات.

“أشعر بالظلم لأن الدولة لا تقدم أي دعم للحالات المشابهة لابني” تقول الأم، رغم غبطتها لأن عبد الرحمن سيلتحق بالدراسة في المدارس العامة بعد انتهاء مراحل تأهيله الأخيرة في المركز قريباً.

وزارة التربية والتعليم وفرت 58 مدرسة في ليبيا تحت مسمى “الاندماج التربوي” يُجرى فيها دمج الطلبة التوحديين مع الطلبة العاديين في فصل دراسي واحد.

مدير مكتب الفئات الخاصة عبد الرحمن نوقل قال لـ”لمراسلون” إن الوزارة تعمل على إضافة مدارس اندماج جديدة تشمل كافة المناطق، وتسعى لتنظيم ورش عمل تهدف لتطوير معلمي الفئات الخاصة لتقديم أفضل الأساليب التعليمية لهذه الفئة.

نوقل ضم صوته لمن قابلهم “مراسلون” موافقاً على أن قلة اهتمام الجهات المختصة بالفئات الخاصة ساهم في زيادة معاناة أهاليهم، مطالباً الدولة بفتح مراكز إيوائية وتقديم الدعم الكافي ووضع خطط بعيدة المدى لإشراك ذوي الإعاقة في المجتمع.