حين غادر عبد المجيد الجدي منزله الريفي بمنطقة السلامة بمعتمدية بئر الحفي في اتجاه ولاية سيدي بوزيد لتسوية وثائق إدارية تخصه، لم يدر بخلده ان يوم 12 أيار/مايو، سيكون يومه الأخير. وأن شمس اليوم التالي ستشرق على فرضيتيْ انتحاره وموته تحت التعذيب على يدي رجال الشرطة.

ففي الوقت الذي اعلنت فيه الشرطة موته انتحارا داخل زنزانته نفت أسرته فرضيّة الانتحار متهمة أعوان الأمن بتعذيبه حتى الموت.

وفاة مريبة

حين غادر عبد المجيد الجدي منزله الريفي بمنطقة السلامة بمعتمدية بئر الحفي في اتجاه ولاية سيدي بوزيد لتسوية وثائق إدارية تخصه، لم يدر بخلده ان يوم 12 أيار/مايو، سيكون يومه الأخير. وأن شمس اليوم التالي ستشرق على فرضيتيْ انتحاره وموته تحت التعذيب على يدي رجال الشرطة.

ففي الوقت الذي اعلنت فيه الشرطة موته انتحارا داخل زنزانته نفت أسرته فرضيّة الانتحار متهمة أعوان الأمن بتعذيبه حتى الموت.

وفاة مريبة

يقول شقيقه الأصغر رياض الجدي لـ”مراسلون” إنّه شكّ في اختفاء شقيقه عبد المجيد منذ الساعة التاسعة صباحا ليوم 12 أيار/مايو “فهو لا يرد على الهاتف”.

وبعد ساعات عصيبة من الانتظار والبحث علمت أسرة عبد المجيد ان ابنها موقوف لدى منطقة الحرس الوطني بسيدي بوزيد بشبهة “التورط في سرقة سيارة”.

هي ذات الشبهة التي تم إيقافه من اجلها خلال شهر شباط/فيفري حيث تعرّض للضرب الشديد وللتعذيب مثل سحله وتقييده وقد برّأته المحكمة لاحقا من هذه التهمة ليتولّى خلال منتصف شهر نيسان/أفريل رفع قضية تحت عدد 83097 ضد أعوان فرقة الأبحاث بالحرس الوطني بسيدي بوزيد بتهمة “التعذيب” وفقا لما ذكره شقيقه لـ”مراسلون”.

يقول محدثنا بحزن شديد إنه تم إيقاف عبد المجيد من قبل نفس الأعوان وبذات التهمة وهي شبهة التورط في سرقة سيارة. وبعد تفطن أسرته لعملية إيقافه مُنِعَ شقيقه من مقابلته في مركز الاعتقال.

وفي صباح اليوم التالي تلقت الأسرة مكالمة من أعوان الحرس الوطني لتعلمهم بوفاة ابنها عبد المجيد بعد إقدامه على الانتحار داخل زنزانته.

ترفض أسرة عبد المجيد رواية أعوان الحرس وتستبعد فرضيّة انتحاره متوجهة بتهمة التعذيب حتى الموت لأعوان فرقة الأبحاث الذين باشروا التحقيق معه في ذات اليوم.

يقول شقيقه رياض “عبد المجيد لا ينتحر حتى وان كان محكوما بل هو تعرض للإعداء والتعذيب حتى الموت”.

هذه الفرضيّة تبنتها المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب كما تبنتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان لتصدر بيانا تطالب فيه بالتحقيق العاجل لكشف الحقيقة حول الوفاة الغامضة لموقوف داخل منطقة الحرس الوطني.

وتتمسك أسرة الضحية بتتبع اعوان فرقة الأبحاث المتورطين في شبهة التعذيب وقد تم الاستماع الى عائلة الضحية من قبل قاضي التحقيق في سيدي بوزيد وفقا لما ذكره شقيقه رياض لـ”مراسلون” مؤكدا أن أسرته لن تتوقف عن كشف حقيقة مصرع ابنها داخل مركز الإيقاف.

ارتفاع حالات التعذيب!

حالة وفاة أخرى راح ضحيتها البائع المتجول عبد المنعم الزياني والذي دخل في خلاف مع عوني أمن بسبب التجارة الفوضوية في أحد شوارع العاصمة.

وحسب منظمة مناهضة التعذيب تعرض الزياني إلى الضرب. كما أنه صرّح لأسرته لدى زيارته في سجنه انه تعرض للتعذيب الشديد والعنف والصعق بالكهرباء في مركز الإيقاف الأمر الذي خلف له اوجاعا شديدة على مستوى جنبيه وكتفه وأسفل رقبته.

تعكّر الوضع الصحي لعبد المنعم الزياني وعجز عن الاكل ثم دخل في غيبوبة تم اثرها نقله للمستشفى حيث خضع لعمليتين جراحيتين على مستوى أسفل الرقبة إلا ان ذلك لم يحسن من وضعه الصحي ليتم إعلام أسرته بوفاته نهاية شهر نيسان/افريل. 

وتعتبر منظمة مناهضة التعذيب أن حالتيْ الوفاة المذكورتين حصلتا في ظروف تحيط بها شبهة التعذيب وسوء المعاملة مشيرة في تقريرها الشهري الخاص بشهر أيار/ماي الى انها أحْصتْ 23 ملفا يتعلق بحالات تعذيب وعنف وسوء معاملة طيلة الشهر المذكور. 

هذه الحالات شملت موقوفين ومحتفظ بهم تم استخدام “أساليب مهينة” في الاعتداء عليهم وذلك في الشارع وأمام عائلاتهم وداخل السيارات الإدارية وأيضا داخل المقرات الأمنية والسجنية.

كما ذكرت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في تقريرها انه يتم اللجوء في الغالب الى تلفيق التهم لضحايا التعذيب والعنف ويتم إيقافهم وإحالتهم الى القضاء بتهمة إهانة موظفي الامن وإصدار احكام ادانة ضدهم.

السيدة بيّة تعرضت وابنتيْها زينب وسمية يوم 2 أيار/ماي الى الضرب والاعتقال في منطقة الملاسين حيث باشرت القوة العامة تنفيذ حكم هدم منزلهنّ وتم نقل الام وابنتيها الى مركز الشرطة بحي هلال.

تقول هذه السيده أن رجال الشرطة واصلوا الاعتداءات عليهن لفظيا وبدنيا. من ذلك الضرب بكرسي والركل وهن منحنيات.

كما ذكرت المتضررات انهنّ طرحن أرضا بمركز الشرطة ووضعت رؤوسهنّ فوق بعضها البعض بشكل مهين. بعدها تمت احالتهنّ بحالة سراح على محكمة الناحية بحي الزهور بتهمة “هضم جانب (إهانة) موظف عمومي”.

تعطيلات القضاء 

تؤكد راضية النصراوي رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب ان التعذيب لم يتوقف بل انه تفاقم ما بعد الثورة.

وتصف النصراوي حالات التعذيب المرصودة مؤخرا ب”المفزعة” مشيرة الى ان المنظمة تتلقى يوميا شكاوي من حالات تعذيب داخل مراكز الإيقاف وايضا داخل السجون وذلك لانتزاع اعترافات او التعذيب لعدم احترام الموقوف للتراتيب او عند التخاصم مع عون.

وتؤكد النصراوي ان التعذيب جناية في القانون التونسي وان عقوبته الدنيا هي 8 سنوات سجن وقد تصل العقوبة الى الاعدام إذا انجر عن التعذيب سقوط او موت.

وتضيف النصراوي “ما يحزنني شخصيا هو عدم اعتراف السلطات بوجود هذه الظاهرة وهذا امر خطير”.

ورغم اتهامات المنظمات الحقوقية تنفي وزارة الداخلية تورط اعوانها في ممارسة التعذيب. وبخصوص التقاضي يواجه ضحايا التعذيب تعطيلا في حسم القضايا المرفوعة “فمن ضمن 400 قضية مرفوعة في التعذيب ما بعد الثورة نظر القضاء في 20 قضية فحسب اي ما يعادل 5٪ من مجموع القضايا المرفوعة” وفقا لما ذكره منذر الشارني ممثل منظمة مناهضة التعذيب لـ”مراسلون”.

كما جاء في بيانات المنظمة انها أحصت خلال سنتي 2013 و2014 حوالي 295 حالة تعذيب تورط فيها بدرجة اولى رجال الشرطة ثم اعوان السجون في مرتبة ثانية ثم الحرس الوطني في مرتبة ثالثة ثم تأتي أطرافا اخرى.

كما ذكر الشارني ان ما يعطل هذه القضايا هو رفعها ضد مجهولين. فضحايا التعذيب يجهلون اسماء الاعوان كما ان اغلب القضايا يتم النظر فيها وفقا للفصل الخاص بالاعتداء بالعنف الصادر عن موظف عمومي وليس على اساس قضايا لذلك لا تُوجد في ارشيف القضاء قضايا تحت عنوان التعذيب.

وتواجه اغلب القضايا المرفوعة اليوم من قبل ضحايا التعذيب بطئاً كبيراً على مستوى البحث الابتدائي وبعضها يتم حفظه ضد مجهول.

الحكومة تتابع

من جهته قال ماهر قدور رئيس خلية حقوق الانسان بوزارة الداخلية في تصريح لـ”مراسلون” إن الوزارة تسعى للانفتاح على كل المنظمات الوطنية والدولية للناشطة في مجال حقوق الانسان وهي بصدد تنفيذ مشاريع مشتركة معهم لتأسيس أرضية جديدة صلب قطاع الأمن قوامها ضمان حقوق الانسان واحترام حقوق الموقوف وحفظ كرامته.

كما أشار قدور إلى إن الحالات المرصودة من قبل منظمة مناهضة التعذيب ومن قبل منظمات أخرى تتابعها وزارة الداخلية بكل جدّية وتفتح فيها تحقيقات للوقوف عند التجاوزات المرصودة موضحاً أنها تظل مجرد أعمال فردية معزولة.

كما ذكر قدور أن الوزارة تعتمد إلى جانب تقارير المنظمات الحقوقية على آلية رصد ذاتية عبر أربع تفقديات تتولى مهمة الزيارات السرية والعلنية لمراكز الإيقاف للوقوف عند التجاوزات مؤكدا أن الوزارة بصدد تنفيذ مشاريع مشتركة مع المنظمات الدولية من أجل تحسين البنية الأساسية لمراكز الإيقاف ومن أجل تدريب أعوان الامن في مختلف الأسلاك على اكتساب ثقافة حقوق الانسان في تعاملهم مع الموقوفين وحفظ كرامتهم.

وقال أيضا إن وزارة الداخلية تحتاج إلى الدعم في هذا المجال وأساسا دعم الامكانيات المادية من أجل توفير “لوجستيات” حماية حقوق الموقوفين في مراكز الاحتفاظ.