في المقعد المجاور للعم نجيب بن دردف يجلس الناشط المدني صلاح نجم وإبنه أحمد ذو الثماني سنوات في السيارة الماتيز الحمراء، متنقلين في شوارع بنغازي بحثاً عن عائلات هجرتها الحرب من مساكنها، فنزحت مضطرة إلى إحدى المدارس، أو رب عائلة عجز عن توفير حليب لأطفاله.

في المقعد المجاور للعم نجيب بن دردف يجلس الناشط المدني صلاح نجم وإبنه أحمد ذو الثماني سنوات في السيارة الماتيز الحمراء، متنقلين في شوارع بنغازي بحثاً عن عائلات هجرتها الحرب من مساكنها، فنزحت مضطرة إلى إحدى المدارس، أو رب عائلة عجز عن توفير حليب لأطفاله.

وفي المقعد والحقيبة الخلفيين للسيارة الصغيرة التي تثاقلت بما تحمل، تتكدس البطاطين والوسائد وأغذية الأطفال، وحتى مستلزمات العرائس ليتم توزيعها على المحتاجين والنازحين من الأحياء التي تعرضت للدمار جراء المعارك بين قوات الجيش الليبي وتنظيم أنصار الشريعة وموالين له.

يقول صلاح الذي يعمل صحفياً ومصوراً يوثق دمار المدينة، إنه بدأ العمل التطوعي في عام 2012 رفقة زملائه في منظمة “لأجلك بنغازي أبادر”، لكن الحاجة لمساعدة النازحين وتوفير مواد الإغاثة زادت مع اشتداد المعارك في تشرين أول/أكتوبر الماضي في غياب أي دور للدولة.

ويضيف أنه يحصل على التبرعات بعلاقات شخصية من “أهل الخير” الذين يتكفلون أحيانا بإيصال صلاح وزملائه  بسياراتهم الشخصية.

يعاون صلاح عدة متطوعين بينهم زوجته و ابنه الصغير “مدة”، بالإضافة إلى أربعة آخرين هم أيضاً من نازحي المدينة، أحدهم العم نجيب وابنته اللذان ساهم قرب حيهم الصابري من البحر وتقارب بناياته، في تحويله إلى ساحة حرب شوارع أفضت في النهاية إلى تحويله إلى كومة ركام.

أحياء مدمرة

يسرد صلاح لـ “مراسلون” جزءاً من جهود فريقه في سد العجز الذي يعانيه النازحون قائلاً “أبرز ما قدمناه كان مساعدة النازحين في أكثر من 10 مدارس، ودعمهم بمواد غذائية وبطاطين وفراشات وحليب وقطن أطفال ومواد منزلية وكهربائية و أدوية”.

و يستطرد “قمنا بحملة تحت عنوان “من توفيق” وكانت لروح توفيق بن سعود الناشط الذي تم اغتياله في بنغازي، وكانت الحملة عبارة عن تقديم كرسيين متحركين لمركز المعاقين، وأكثر من 7 كراسٍ وجهازين لقياس الضغط وجهازين لقياس السكر لمركز بنغازي الطبي، كما تم تقديم 12 كرسي متحرك لمركز المعاقين بمنطقة الحدائق، وجهزنا صالة للمربيات في المركز بكل مستلزماتها”.

لكن ما يقدمه صلاح وفريقه لا يعدو كونه نقطة في بحر متلاطم، فالوضع في المدينة كما نقله الناشط صعب وحاجة المواطنين لمواد التموين والأدوية لا تنفذ.

وبحسب أرقام غير رسمية حصل عليها “مراسلون” فإن خمسة آلاف نازح يقيمون في مدارس بنغازي، بينما نزح عشرون ألف آخرون إلى أماكن أخرى داخل المدينة، وصعُب تحديد رقم رسمي نتيجة التوافد داخل وخارج المدينة وانتقال أعداد كبيرة إلى مدن البيضاء وشحات وطبرق في الشرق الليبي.

وتبقى العبارة التي كثيراً ما سمعها صلاح من العائلات المحشورة في فصول مدرسية هي أن “الحكومة لم تقدم لنا شيئاً”.

حجم المأساة

“مراسلون” التقى إحدى تلك العائلات وعاين عن قرب حجم المأساة. رب العائلة عجوز مسن يتلقى مرتبا ضمانياً متدنياً، فيما زوجته تبذل قصارى جهدها لتذود عن 7 أولاد و بنتين أكبرهم بنت لم تتجاوز الـ16 ربيعاً.

تقيم العائلة التي طلبت عدم ذكر اسمها في مدرسة بمنطقة الماجوري مع 20 عائلة أخرى بعد فرارهم من حي الصابري المشتعل. وكل صباح تتزاحم العائلات العشرين على دورتي مياه إحداهما للرجال و أخرى للنساء.

يضيق صدر الأم فتقول إنهم لم يتعرضوا لمضايقات داخل المدرسة لكن الحياة صعبة في فصل دراسي يستعمل لكل ما يخطر بالبال.

وبحسب الأم فالحكومة وبقية الجهات المسؤولة لم تقدم لهم شيئاً وكل ما وصلهم من معونات أتى عبر الهلال الأحمر وبعض الجمعيات الأهلية، في حين اقتصر دور المجلس البلدي على عملية حصر النازحين بالتعاون مع الهيئة الليبية للإغاثة .

كما لم تقم أية فرق طبية بالكشف الصحي على النازحين بالمدرسة والتأكد من كونها مكاناً صحياً يصلح لسُكنى العائلات العشرين.

في مدرسة أخرى وجد “مراسلون” عائلة من خمسة أفراد، زوج مصاب بفشل كلوي و وزجة وثلاث أبناء.

تعاني العائلة الفاقة فمرتب الزوج متوقف بسبب ما سماه “إجراءات إدارية”، ولايتجاوز ما يملكونه من حطام الدنيا بضعة أغطية و فُرش وزعها عليهم الهلال الأحمر في زيارته اليتيمة بداية نزوحهم الذي يبدو بلا نهاية.

كما أنها لم تحظى بزيارة أي جهة حكومية باستثناء بعض الجمعيات الخيرية المكونة من فاعلي الخير.

طوارئ دون ميزانية

ليس صلاح نجم الوحيد وعائلات بنغازي المهجرة من يشتكي من أداء الحكومة وتقصير السلطات فالمسؤول الإعلامي السابق للجنة إدارة الأزمة الخاصة بمدينة بنغازي هاني بالراس علي هو الآخر انتقد أداء الحكومة في مواجهة أزمة بنغازي، قائلاً إن اللجنة “خاطبت الحكومة من أجل توفير ميزانية طوارئ دون أي استجابة”.

وفي أغلب المرات التي تواصل  فيها “مراسلون” مع بالراس علي لمتابعة شؤون اللجنة كان ينقل لنا شكواه من أداء الحكومة، وعدم وجود ميزانية لدى اللجنة المكلفة من قبل ديوان رئاسة الوزراء وتضم أغلب رؤوساء القطاعات العامة بالمدينة.

بل إن المسؤول السابق الذي اعتاد أن يرافق أعضاء اللجنة في جولات يومية داخل المدينة خلال الشتاء الماضي، نقل لنا أيضاً شكوى مسؤولي القطاعات والشركات العامة في المدينة من نفاذ الميزاينات المتاحة بين أيديهم دون أن تهب الحكومة لدعمهم.

ويشمل ذلك شركة الخدمات العامة المنوطة بها أعمال النظافة والتخلص من القمامة المتراكمة في المدينة والتي بحسب بالراس علي لم تستلم أية أموال منذ 7 أشهر، وكذلك فرع شركة الكهرباء في بنغازي الذي قال مديره إنه يعمل دون ميزانية في ظل الانقطاع المتواصل للكهرباء .

تحامل

وزارة الحكم المحلي استنكرت في بيان شديد اللهجة في آذار/مارس الماضي ما وصفته بالهجوم غير المبرر من بعض مسؤولي لجنة الأزمة في بنغازي عليها، وانتقدت بعض وسائل الإعلام لـ”تغاضيها عن حقها في الرد و إظهار الجانب الآخر”.

ووصفت ما يوجه لها من اتهامات بالتقصير بأنه “هجوم وتحامل يندرج ضمن الدعاية الانتخابية المسبقة”، التي تُستغل فيها “آلام واحتياجات المواطنين في مدينة بنغازي وكذلك حسابات شخصية بحتة”.

وكل ما بررت به الوزارة – التي تتخذ من مدينة شحات في الشرق الليبي مقراً لها – هذا التقصير كان القول بأن “التأخير في تسييل الأموال لم يكن للوزارة علاقة به، وإن ما حدث كان نتيجة للمعاملات المالية من قبل الجهة ذات العلاقة”.

ساهم في إعداد التقرير جميلة عن الرحمن من بنغازي