يقف حمدي عبدالرازق، وهو رجل في أواخر العقد السادس من عمره، شارد الذهن، أمام محل بقالة صغير يعمل به في منطقة “السيدة زينب” العتيقة، في جنوب القاهرة. اقترب من متجره أحد الزبائن المعروفين لديه، بدا عبدالرازاق وكأنه ينتزع نفسه سريعا من دوامة أفكاره، وبالغ في إظهار ابتسامته وترحابه بالزبون، لكن عيناه المتواريتان خلف نظارة طبية لم تخفيا شرود ذهنه.

يقف حمدي عبدالرازق، وهو رجل في أواخر العقد السادس من عمره، شارد الذهن، أمام محل بقالة صغير يعمل به في منطقة “السيدة زينب” العتيقة، في جنوب القاهرة. اقترب من متجره أحد الزبائن المعروفين لديه، بدا عبدالرازاق وكأنه ينتزع نفسه سريعا من دوامة أفكاره، وبالغ في إظهار ابتسامته وترحابه بالزبون، لكن عيناه المتواريتان خلف نظارة طبية لم تخفيا شرود ذهنه.

يقول عبدالرازق إن دخله الشهري غير ثابت، يزيد وينقص، لأنه يعمل بنظام اليومية، لكن متوسط ما يحصله شهريا من عمله يبلغ نحو 1200 جنيه مصري (قرابة 157 دولارا شهريا وفقا للسعر الرسمي للصرف). غير أن دخله هذا لا يمثل سوى ثلث نفقاته الأساسية تقريبا، حيث يحتاج إلى أكثر من 3000 جنيه شهريا (395 دولار) ليغطي تكاليف معيشته هو وأسرته.

متوسط الدخل

وتشير دراسة حول الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2012/2013 الصادرة في كانون ثاني/يناير 2014 من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التابع للحكومة، تشير إلى أن متوسط الإنفاق الطبيعي للأسرة المصرية يبلغ نحو 2500 جنيه شهريا. وتوزع أوجه الإنفاق على الأوجه التالية: الطعام والشراب، المسكن ومستلزمات، الأثاث والتجهيزات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية، الخدمات والرعاية الصحية، المشروبات الكحولية والدخان والمكيفات، الانتقالات والنقل، الاتصالات، الثقافة والترفيه، التعليم، المطاعم والفنادق، السلع والخدمات المتنوعة.

فيما كشفت دراسة  أخرى صادرة في تشرين أول/أكتوبر 2011 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن متوسط الدخل يصل إلى قرابة 1650 جنيه شهريا، ولم يحدث تحسن يذكر في الدخل خلال السنوات التالية وفقا لأرقام غير رسمية تنشرها وسائل الإعلام إلا بقدر ضئيل لا يتجاوز 100 جنيه.

نفقات خفية

“أنا رجل مصدر رزقي العمل الحر، ولست موظفا يتقاضى راتبا شهريا ثابتا، وحين يكون لدي احتياجات أساسية، لا بد أن أؤديها، حتى ولو اضطررت للاقتراض”، هكذا يؤكد المواطن المصري عبد الرازق الذي ربما يكون حاله وأسرته أفضل قليلا من نحو 40% من المصريين الذين يعيشون على أقل من 2 دولار يوميا، أي أدنى من 450 جنيه شهريا (60 دولارا) وفق دراسة للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية صدرت منتصف عام 2013.

وبينما لا توضع القاهرة على قائمة أغلى مدن العالم، فإن تكاليف الحياة بها تعد مرتفعة جدا إذا ما قورنت بمعدلات الدخل، فهناك تكاليف إضافية لا يُلتفت إليها لأنها إما غير قانونية، أو أضحت جزء أصيلا من الحياة اليومية للكثير من سكان المدينة، ولا يدرجونها ضمن مصروفاتهم الأساسية لأنها تبدو كنفقات عرضية، أو نتيجة للقدر.

فعبدالرازق يحسب تكاليف حياته في القاهرة بصورة تقليدية، لكن حين سُأل عما إذا كان هناك نفقات خفية يتحملها دون أن تدخل قائمة المصروفات، قال إن هناك الكثير، مشيرا إلى “الرشوة، وشراء سلع لا تصلح للاستخدام، أو تفسد بعد وقت قصير من استخدامها”.

البضائع الرخيصة .. مُكلفة

وأوضح أنه في مرحلة من حياته كان يمتلك سيارة صغيرة قديمة، وكان يذهب بها إلى الميكانيكي لإصلاحها أسبوعيا نتيجة الأضرار التي تلحق بها من الطرق المكسرة والمليئة بالمطبات وأغطية بالوعات الصرف المنخفضة، ويقول “أشتري قطعة الغيار بمبلغ، ويطلب فني الصيانة 4 أضعافه كأتعاب، وأحيانا كنت ارغب في التوفير، فأجد قطعة غيار ثمنها 150 جنيها، وأخرى سعرها 600 جنيه، فأشتري القطعة الأقل سعرا، وتمر أيام قليلة لأكتشف أنها تلفت وتحتاج إلى تغيرها مرة أخرى”.

أوضح التقرير الربع سنوي لهيئة الرقابة على الواردات والصادرات في مصر أن حجم الواردات غير البترولية من الصين خلال الربع الأول من عام 2015 بلغ نحو 16.6 مليار جنيه (2.18 مليار دولار). وهي عادة بضاعة تباع بأسعار زهيدة، لكنها تفتقر إلى الجودة.

ويتعرض سكان القاهرة والمحافظات الأخرى لانقطاع التيار الكهربائي فجأة، عدة مرات يوميا، وهو ما يؤدي لتلف المواد الغذائية، وعدد غير مرصود من الأجهزة الكهربائية.

كما يرتفع اشتراك الانترنت عن نظيره في معظم دول العالم، مع سرعات بطيئة جدا، حيث تبلغ قيمة الاشتراك الشهري للباقة 512/128 ك ب / ث (وهي الأكثر شيوعا) 95 جنيه شهريا.

انخفاض جودة الحياة

محمد حرفوش ينتمي لشريحة اجتماعية مختلفة. فهو يعمل مترجما لدى إحدى الصحف الخليجية، ويحصل شهريا على نحو 10000 جنيه(1310 دولار)، وفي الأشهر العادية التي لا تشهد أحداثا طارئة، ينفق 80% منها، بين مسكن يبلغ إيجاره نحو 3000 جنيه، إضافة إلى المأكل والمشروب وما إلى ذلك.

ويقول حرفوش “سافرت إلى كندا، وعملت كاشيرا في أحد المتاجر الكبيرة خلال فترة دراستي للماجستير، كان دخلي هناك قريبا من دخلي في مصر الآن، وهو دخل منخفض مقارنة بمستوى الدخول في كندا، لكن الفارق أن هناك حدا من جودة الحياة لا يمكن أن تنخفض عنه، فأنت تحصل على ما يوازي ما تدفعه، هنا في مصر تدفع الكثير وتحصل على القليل، مهما كنت ثريا، أذهب إلى مطعم وانفق 50 جنيها لأحصل على طعام رديء، في كندا، أدفع نفس المبلغ لأحصل على وجبة جيدة، ليس أفضل شيء في هذا البلد ولكنها وجبة جيدة، فهناك حد أدنى للجودة لا يسمح بالنزول عنه.

مشروع زواج

وبينما ينفق محمد حرفوش معظم دخله على النفقات التقليدية، وهو ما زال يعيش بمفرده، يقبل حاليا على مشروع للزواج من فتاة أحلامه، وهي خطوة تتكلف غالبا في مصر عشرات الآلاف من الجنيهات، وقد يتطلب الأمر ما يتجاوز 100 ألف جنيه لتأسيس شقة مستأجرة بأسس جيد، إضافة إلى نفقات حفل الزواج، وحلى العروس وما إلى ذلك.

ويرى المترجم الذي يبلغ من العمر 42 عاما، أن النفقات الشهرية بعد الزواج ربما لا تتجاوز القدر الذي ينفقه بمفرده حاليا، لأن إعداد الزوجة للوجبات في المنزل يوفر الكثير، لكنه ليس لديه توقعات واضحة بما يحتاجه من تكاليف إضافية حال وجود أطفال، لديهم نفقات شخصية، ومصروفات دراسة ورعاية متنوعة.

مشكلة قومية

على صعيد آخر يلعب الفساد المستشري في مصر دورا في رفع تكلفة الحياة بسبب الاضطرار الدائم إلى دفع المحسوبيات والرشى. وتحتل مصر المرتبة 94 في قائمة الفساد التي أصدرتها منظمة الشفافية الدولية عن العام 2014. واعترف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في حديثه للمصريين خلال شهر مايو 2015 بأن الفساد مشكلة كبيرة تواجه بلاده، مشيرا إلى ترهل الجهاز الإداري للدولة.

ويشكل الفساد في الجهاز الإداري للدولة الذي يضم أكثر من 5 ملايين فرد، عبئا ثقيلا على المواطنين، خاصة الفقراء منهم، ليس فقط لأنه يلتهم نحو 200 مليار جنيه (26.3 مليار دولار) كأجور ومرتبات وفقا لميزانية العام الحالي، في وقت ترفع فيه الدولة الدعم عن الكثير من السلع والخدمات الأساسية، ولكن لأنه ينخر في جسد البلد، ويرسخ قيم الرشوة والفساد في المجتمع، ويحولها إلى أسلوب حياة “طبيعي” لا غنى عنه لقضاء المصالح، والحصول على الحقوق.

وحين تزور القاهرة ربما تشعر بأن الكثير من العوامل تتكتل على مواطنيها لتجعل حياتهم المتواضعة أكثر تكلفة، وأشد صعوبة، وأن محاولتهم للثورة على تلك الأوضاع في 25 يناير 2011 لم تنجح في خلع الفساد الضارب بجذوره بقوة في أعماق الدولة المنهكة.

أسعار أهم السلع:

لتر البنزين 92 (الأكثر استهلاكا) = 260 قرشا

لتر السولار = 160 قرشا

كيلو اللحم الكندوز (الأبقار البالغة) = 70 جنيها

لتر اللبن البقري الطازج = 7,50 جنيها

عبلة السجائر الكليوباترا (محلية الصنع) = 9 جنيهات

علبة السجائر مارلبورو (مستوردة) = 22,75 جنيه

سعر تذكرة المترو (موحد للخطوط الثلاثة) = 1 جنيه

سعر التاكسي = 3 جنيهات بداية قراءة العداد، و140 قرشا عن كل كيلومتر، وتعريفة الانتظار 30 قرشا للدقيقة