جاء الإعلان عن عقار “سوفالدي” الأمريكي في النصف الثاني من العام الماضي ليفتح باب الأمل فى الشفاء أمام نحو 20% من الشعب المصري من المصابين بالالتهاب الكبدي الوبائي لفيروس “سي”، أي ما يقرب من 14 مليون مصري، وذلك بعد أن تم التراجع عن تجربة جهاز يفترض أنه يعالج المرض، وأعلن عنه طبيب بالقوات المسلحة، بعد أن شكك غالبية أطباء الجهاز الهضمي والكبد فى فاعليته لعلاج المرض. “مراسلون” يتعرف من خلال المرضى والأطباء والمختصين على نتائج عقار السوفالدي وتأثيره على فيروس “سي”، وهل بالفعل سينجح فى القضاء عليه؟

جاء الإعلان عن عقار “سوفالدي” الأمريكي في النصف الثاني من العام الماضي ليفتح باب الأمل فى الشفاء أمام نحو 20% من الشعب المصري من المصابين بالالتهاب الكبدي الوبائي لفيروس “سي”، أي ما يقرب من 14 مليون مصري، وذلك بعد أن تم التراجع عن تجربة جهاز يفترض أنه يعالج المرض، وأعلن عنه طبيب بالقوات المسلحة، بعد أن شكك غالبية أطباء الجهاز الهضمي والكبد فى فاعليته لعلاج المرض. “مراسلون” يتعرف من خلال المرضى والأطباء والمختصين على نتائج عقار السوفالدي وتأثيره على فيروس “سي”، وهل بالفعل سينجح فى القضاء عليه؟

إجراءات العلاج

بخطوات بطيئة متثاقلة، متعكزة على ابنها، دلفت إنعام محمد، 50 عامًا، إحدى مريضات فيروس سي، من باب مركز الفيروسات الكبدية الكائن بمنطقة الوليدية فى مدينة أسيوط، لإنهاء إجراءات علاجها على نفقة الدولة. علامات الإرهاق كانت بادية على وجهها وكانت تلتقط أنفاسها بصعوبة ولون عيونها يميل إلى الصفرة.

اكتشفت إنعام إصابتها بالمرض منذ ست سنوات، وكنت تتلقى العلاج عند طبيب خاص إلى أن أعلنت الحكومة عن استعداها لعلاج المرضى.

“سمعت عن علاج جديد بيشفى، فقام ابني قدملي عشان اتعالج على حساب الحكومة، وإحنا لينا 3 شهور بنحاول ناخد العلاج، ولسة مخلصين الورق من قريب، وقالولنا فى المركز استنوا 45 يوم لغاية لما تيجي موافقة العلاج على نفقة الدولة من مصر”.

يشير الدكتور أحمد عبدالحميد، وكيل وزارة الصحة بأسيوط، إلى أن المريض بفيروس “سي” يجب أن يقوم بعدة إجراءات من بينها عمل تحاليل وفحوصات كاملة للدم، وتحليل يسمي “بي سي آر”، وهو الذي يحدد عدد الفيروسات الموجودة داخل جسم المريض – وقد يأخذ هذا التحليل نحو 10 أيام – ثم يقوم بإجراء تحليل عينة كبد أو عمل أشعة “فيبروسكان”، وهذا التحليل لا يأخذ وقتا، ولكن الجهاز الخاص به ليس موجودًا بالمركز، وجارٍ توريده بعد دفع 850 ألف جنيه ثمنا له، وبناء على التحليل الأخير يتحدد دور المريض فى الحصول على العلاج، وكذلك الجرعة المطلوبة للمريض، لأن وزارة الصحة تمنح أولوية فى العلاج للحالات المتأخرة، ثم الحالات الأقل خطورة وهكذا.

ويقول عبدالحميد إن اللجنة القومية للفيروسات الكبدية بالقاهرة، تنظر نحو 1000 قرار علاج على نفقة الدولة يوميًا، واتخذت مؤخرًا قرارًا بمنح 6 مراكز للفيروسات من بينها أسيوط حق الموافقات على العلاج الاقتصادي، وكذلك توفير العلاج من خلال التأمين الصحي للمرضى المؤمن عليهم صحيًا، من فئات الموظفين وأصحاب المعاشات، للتخفيف على المرضى.

الروتين

“بدأت فى إجراءات العلاج منذ 18 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأنهيت الأوراق المطلوبة مني منذ أسبوع تقريبًا، والعاملون بمركز الفيروسات الكبدية أخبروني بأن علىّ الانتظار لمدة 45 يومًا حتى أحصل على قرار العلاج على نفقة الدولة”. تقول المريضة إنعام التى تعيش في قرية “الخوالد” التابعة لمركز ساحل سليم، أثناء وجودها فى غرفة الكشف الخاصة بمركز الفيروسات الكبدية.

وأثناء تحدثها معنا التقط نجلها محمد محمد عبدالعال طرف الحديث حيث كان يجلس إلى جوارها، وقد بدا عليه علامات الغضب، بسبب الروتين المرتبط بإجراءات الحصول على موافقة للعلاج على نفقة الدولة، وقال: “جيت أنا وأمي مرات كتيرة لمركز الكبد بأسيوط، عشان أخلص إجراءات علاجها، واضطررنا لأجراء التحاليل خارج المركز على حسابنا بسبب الزحام والروتين، خصوصا تحليل الـ “بي سي آر” لأنه بيأخد وقت طويل داخل المركز، وممكن ما يظهرشي قبل شهرين”.

وتابع: “الناس طمنتني وقالت لي إن العقار له نتايج كويسة.. وللأمانة مدفعناش غير 70 جنيه مصاريف إدارية ورسوم ورق العلاج على نفقة الدولة”.

طرق العلاج

من داخل مكتبه فى مديرية الصحة أعرب وكيل وزارة الصحة بأسيوط، عن تفاؤله بعقار “سوفالدي”، مشيرًا إلى أنه يساعد على الشفاء بنسبة قد تصل إلى أكثر من 95%، وأن العلاج متوفر داخل مراكز الفيروسات الكبدية الـتى خصصتها الوزارة، والدولة تحاول توفيره لجميع المرضى.

ويقول: “هناك نوعان للعلاج من فيروس سي أولهما: يسمى العلاج الثنائي وهو حصول المريض على عقار سوفالدي بالإضافة ريبافيرين، وجرعة العلاج تستمر لمدة 6 شهور، بينما النوع الثاني يسمى العلاج الثلاثي وهو الحصول على جرعات من عقارات سوفالدي وانترفيرون وريبافيرين، ومدة العلاج تستمر لمدة 3 شهور”.

وفى هذا الإطار يشير الدكتور نصر قليني، مدير مركز الفيروسات الكبدية بأسيوط، إلى أن العلاج بعقار سوفالدي” بدأ في أول تشرين أول/أكتوبر 2014 ، وهناك 1100 مريض تقريبًا فى أسيوط حصلوا على العقار بالفعل، والمركز يقوم بتسجيل حالات يوميًا للحصول على العقار، لكن ليس لديه حصرا نهائيا بأعداد المرضي المصابين بالمرض داخل المحافظة.

مليون مريض

يعود الدكتور أحمد عبدالحميد، وكيل وزارة الصحة، للحديث مرة أخري قائلا: إن عدد المرضى الذين سجلوا على موقع الوزارة حتى الآن للعلاج بالعقار الجديد لا يتعدي مليون مريض على مستوى الجمهورية، علمًا بأن وزارة الصحة كانت تتوقع تسجيل أكثر من 7 ملايين مواطن تقريبا للحصول على العلاج فى 29 مركزًا منتشرًا على مستوى الجمهورية.

وبحسب تصريحات منسوبة ومنشورة على عدة مواقع إلكترونية للدكتور أحمد مدحت نصر، رئيس الجمعية المصرية للفيروسات الكبدية، فإن عدد المصابين بالمرض وصل إلى نحو 14 مليون مصري، وبلغت نسبة الإصابة به فى بعض القرى 40 إلى 50% من إجمالي البالغين فوق سن 40 سنة.

العلاج الاقتصادي

أثناء إنهاء إجراءات أوراق علاج بعض المرضى أخبرنا مدير مركز الفيروسات الكبدية بأن المركز يقدم طريقتين للعلاج أولهما: العلاج على نفقة الدولة، الذي تتحمل نفقاته وزارة الصحة بدون أية أعباء مالية يتحملها المريض، والثاني: العلاج الاقتصادي. وتبلغ تكلفة العلبة الواحدة لعقار “سوفالدي” من خلاله 2200 جنيه، وتكفي لمدة شهر على أن يتم تكرار العلاج لمدة 3 شهور، أي يتحمل المريض ما يقرب من 6600 جنيه خلال فترة العلاج.

كانت “إنعام” قد أخبرتنا فى بداية حديثها عن عدم قدرتها على دفع نفقات العلاج الاقتصادي قائلة: “دفعت كل اللى معايا على العلاج، ودبرت مصاريف التحاليل والأشعات الخارجية بصعوبة، ولو أنني أملك المال لكنت قدمت على العلاج الاقتصادي فورًا”، مطالبة وزارة الصحة بسرعة صرف العلاج مراعاة لظروف المرضى الصحية.

أما نبوية منير، 65 عامًا، التي جاءت من محافظة المنيا للحصول على العقار الجديد، فتشتكي من عدم قدرتها على تحمل تكاليف الانتقال بين محافظة المنيا وأسيوط، مشيرة إلى أنها من مركز ملوي، والسيارة التي تنقلها من منزلها إلى مركز الفيروسات الكبدية بأسيوط تحصل على 200 جنيه فى المرة الواحدة، بواقع 4 مرات شهريًا، وتطالب بتوفير العلاج فى مراكز المحافظات.

العقار المصري والأمريكي

خلال جولتنا بمركز الفيروسات الكبدية علمنا أن هناك عقار سوفالدي مصنع في مصر، ولكن لا يتم استخدامه، حيث يتم استخدام العقار الأمريكي.

وفي هذا الإطار يقول الدكتور ألبير توفيق، نقيب صيادلة أسيوط السابق: “هناك نوعان لسوفالدي، الأول أمريكي، حيث قامت وزارة الصحة بالاتفاق مع شركة “جلياد” الأمريكية على توريد 225 ألف جرعة منه في يوليو (تموز) من العام الماضي كمرحلة أولى لعلاج المرضى به فى مراكز الفيروسات الكبدية، وبدأ العلاج به فى أكتوبر (تشرين أول) 2014، أما الثاني فهو المصري وتقوم باستيراد مادته الفعّالة الشركة المصرية لتجارة الأدوية، وتنتجه وتطرحه فى الأسواق بتكلفة 2670 جنيها للعلبة”، منوهًا إلى أن المادة الفعّالة فى العقارين واحدة، وأن العقار المصري لا يصرف إلا بوصفة من الطبيب.

ويؤكد الدكتور نصر قليني، مدير مركز الفيروسات الكبدية بأسيوط، أن العقار المصري لم تتم تجربته، “حيث إننا نستخدم العقار الأمريكي، ولا نستطيع الحكم عليه إلا بعد 3 شهور من منحه للمرضى”.

جهاز الكفتة

تزامن الإعلان عن عقار “سوفالدي” مع إعلان القوات المسلحة عن “اختراع” جهاز يعالج الالتهاب الكبدي الوبائي والإيدز، حيث تم تأجيل تجربته أكثر من مرة، وهو ما دعا المصريين إلى إطلاق اسم جهاز “الكفتة” عليه، نظرًا للتهرب من تجربة الجهاز بعد الإعلان عنه أمام الرأي العام.

وهو ما دفع المحامي خالد أبوبكر إلى رفع دعوة قضائية ضد اللواء إبراهيم عبدالعاطي، وآخرين يتهمهم بالتغرير وتصدير الوهم للمواطنين. وفى هذا الإطار وصف الدكتور عصام حجي، المستشار العلمي للرئيس السابق عدلى منصور، جهاز علاج فيروس سي، بـ “الجهاز الكذبة”، حسب تعبيره.

وقال حجي فى حوار سابق له على فضائية  “سي بي سي 2” : “الجيش كان يجب أن يقدم اعتذارًا رسميًا عن هذا الجهاز، نظرًا لتقديمه عن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة”. وتابع: “جهازا التشخيص والعلاج اللذان قدمهما عبدالعاطي غير مبنيين على أساس علمي”.

وحول هذا الأمر رفض مدير مركز الفيروسات الكبدية التعليق على جهاز القوات المسلحة، وقال: إننا نتابع حالات مرضانا باستمرار، حتى لا يتعرضون لانتكاسات صحية بعودة الفيروس لهم مرة أخرى، ولذا يتم إجراء تحاليل دورية لهم بعد انتهاء جرعة العلاج بسوفالدي لعدة شهور، حتي يتم التأكد من شفاء المريض بشكل تام.