يحاول عبد القادر الشاب العشريني الذي يدير محلاً للملابس، السفر إلى تركيا لجلب بضاعة لمحله، ولكن هذه الرحلة التي اعتاد عليها أصبحت مؤخراً صعبة ومكلفة بعد التقلب والارتفاع الكبير الذي يشهده سعر الدولار في ليبيا، هذا فضلاً عن صعوبة توفيره من الأساس.

يحاول عبد القادر الشاب العشريني الذي يدير محلاً للملابس، السفر إلى تركيا لجلب بضاعة لمحله، ولكن هذه الرحلة التي اعتاد عليها أصبحت مؤخراً صعبة ومكلفة بعد التقلب والارتفاع الكبير الذي يشهده سعر الدولار في ليبيا، هذا فضلاً عن صعوبة توفيره من الأساس.

يحاول عبد القادر حثيثاً منذ مدة توفير مبلغ مناسب من العملة الصعبة بسعرها الرسمي ليكفيه تكاليف السفر والبضاعة. يقول إن أسعار البضاعة زادت في السوق، لأن التجار يحصلون على الدولار من السوق السوداء بسعر يقارب الدينارين للدولار الواحد وذلك بعد توقف بيعه في البنوك، ويبرر غلاء الأسعار بأن تكلفة السفر والنقل وشراء القطعة الواحدة زاد بما يقارب الضعف منذ هذا الارتفاع.

تقلب وتدهور

من أبرز تأثيرات الحرب الدائرة في ليبيا انخفاض سعر العملة تبعاً للظروف الاقتصادية التي نتجت عن عدم استقرار البلاد، فعدا الخسائر الكبيرة في المباني والشركات وتوقف الحركة التجارية في عدد من المنافذ، انخفض كذلك إنتاج النفط بشكل كبير، ولم يعد منذ بداية الثورة في شباط/فبراير من 2011 إلى معدل إنتاجه المعتاد والذي كان يبلغ آنذاك 1.6 مليون برميل يومياً.

كل هذه العوامل أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد وبالأخص سعر صرف العملة، ففي أوائل أيام الثورة انخفض سعر صرف الدينار في السوق السوداء ليصل إلى قرابة 1.6 دينار مقابل الدولار بعد أن كان حوالي 1.32 دينار للدولار الواحد، إلا أنه سرعان ما بدأ في الهبوط ليعود إلى سعره الطبيعي، بفارق 2% عن السعر الرسمي الذي لم يتغير عن 1.36 دينار للدولار الواحد.

هذا الاستقرار لم يدم طويلاً فشهد الدينار عدة تغيرات صعوداً وهبوطاً منذ عام 2011، كان أبرزها الانخفاض الأخير الذي بدأ منذ قرابة 6 أشهر تزامناً مع الاضطرابات العسكرية التي برزت بالذات في منطقة الهلال النفطي، حيث بدأ سعر الدينار في السوق السوداء ينخفض أمام الدولار ليعيد إلى الأذهان فترة التسعينات التي شهدت حظرا جويا وحصار اقتصاديا خفّض من قيمة العملة المحلية.

قلة المعروض

يقول الخبير الاقتصادي خالد مختار إن العملة الليبية تتأثر مباشرة بالمعروض من العملة الصعبة الذي تضخه الدولة في السوق، أما السعر الحقيقي للعملة فهو السعر الذي يعرض في السوق السوداء، بينما السعر الرسمي والذي يبلغ الآن قرابة 1.36 فقد وضعته الدولة عام 2002 بعد ما تم الاتفاق على القيمة الفعلية للدينار مقابل الدولار، ومن وقتها حافظت الدولة ممثلة في مصرف ليبيا المركزي على هذه السياسة بحيث لا يتأثر سعر العملة ويكون في هذا الإطار.

ويضيف مختار أن ارتفاع الدولار واليورو الذي حدث في الأشهر الماضية سببه أساساً قلة المعروض من العملة الأجنبية بسبب توقف ضخ المصرف المركزي لها، وتوقف صرف الائتمانات المستندية للتجار.

مشكلة توقف تحويل العملة الأجنبية عن طريق المصرف المركزي عرقلت حياة أحمد الصحفي الذي يعمل بالمراسلة مع جهة أجنبية، حيث أصبح عاجزاً عن استلام مكافآته المالية بعد توقف المصرف المركزي عن استقبال الحوالات الخارجية.

يقول أحمد – 32 عاماً – إنه يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة، خاصة وأنه من سكان مدينة الزاوية التي يشهد محيطها اشتباكات شبه مستمرة منذ أشهر، مما ساهم في ارتفاع الأسعار داخلها بشكل كبير، “الأسعار تزيد باستمرار وأنا أعمل دون أن أحصل على مكافآتي، ولا أملك أي مصدر رزق آخر”.

ورغم ارتفاع سعر العملة الأجنبية إلا أن أحمد يعتبر وضعه المالي في السابق أفضل، لأن الفرق في السعر لا يمكنه تغطية الارتفاع الكبير في أسعار السلع في السوق، “أنا خسران في الحالتين” يقول أحمد.

مكافآت وتعويضات

لكن مختار يقول أن عاملاً آخر برأيه سبب في هذا الانخفاض ألا وهو المكافآت الكبيرة التي صرفت لأفراد الميليشيات المسلحة، والتعويضات التي صرفت للذين سجنوا خلال حكم القذافي (أي زيادة المعروض من الدينار الليبي في السوق في مقابل العملة الصعبة) فضلا عن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة الرسمية.

ويدلل مختار على كلامه بقوله “إنه عندما يقول السيد علي الترهوني – رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور – مثلاً إن مجموع ما أنفقته الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وصل إلى 143 مليار دينار، في دولة عدد سكانها 5 أو 6 مليون دون أن توجه هذه الإنفاقات إلى قطاع البناء أو الاستثمار وفي وقت قصير لا يزيد على سنتين أو ثلاث، فإن هذا المبلغ لا يمكن أن يستوعبه السوق الليبي البدائي وسيكون أحد عوامل إضعاف العملة والتسبب في التضخم الذي نراه في الأسعار”.

الحرب تعيقنا

أما الناطق الرسمي باسم مصرف ليبيا المركزي عصام العول يعزي أسباب التذبذب في سعر الدينار بالدرجة الأولى للظروف الأمنية في البلاد، ويقول أن المضاربين في السوق السوداء يستغلون الظرف لأجل تحقيق مكاسب شخصية، ويضيف العول أن الدولار كذلك ارتفع سعره بالأسواق العالمية وهو عامل مساعد لارتفاع الأسعار بالداخل.

كما يبين العول أن انخفاض إنتاج صادرات النفط وانخفاض سعره في الأسواق العالمية كذلك أضافا عبئاً على الاقتصاد الليبي، ويقول إن المصرف قلق من استمرار حجم الإنفاق العام بمعدلات لا تتناسب مع حجم الإيرادات المحصلة، وأضاف بأن المصرف اقترح اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير في تخفيض حجم الإنفاق إلا أنه كان هناك تباطؤ في تنفيذ بعض الإجراءات ورفض لبعضها الآخر.

ويقول العول أن المصرف لا يستطيع تغطية السوق الليبي من العملة الصعبة في ظل الظروف الحالية، ويضيف في ذات السياق أن محافظ المصرف المركزي شكل لجنة استشارية لوضع عدد من السيناريوهات لمعالجة الأزمة الاقتصادية ومن بينها تقوية الدينار الليبي.

نهاية الرحلة

بعد قرابة شهر من المحاولات تمكن عبد القادر من الحصول على تحويلات مصرفية بعد إعادة فتحها بشكل محدود في مدينة البيضاء شرق ليبيا، لكنه يقول أن المبالغ التي تتوفر عبر التحويلات لازالت غير كافية له ولأمثاله من التجار إضافة إلى طول المدة الزمنية فبعض التحويلات قد تستغرق أكثر من 3 أسابيع حتى تصل وجهتها، وينتظر كغيره بأن تساهم الدولة في حل جذري لهذه المشكلة.