أن يهاجر مواطن من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى ليبيا، ويعمل مزارعا أو عامل نظافة أو مهرِّبا عبر الحدود ليجمع ما يمكِّنه من أن يركب أحد قوارب الموت المتجهة نحو أوروبا، فهذا أمرٌ صار ظاهرة طبيعية ضمن موجة الهجرة المتزايدة منذ سقوط نظام القذافي، أما أن يتزوج الرجل من مواطنة ليبية ويقرر العودة معها لبلده الفقير هو أمر مثير للاستغراب.

المجتمع في الجنوب الليبي لا يتقبل مثل هذه الزيجات ويحارب حتى مجرد التفكير بها، ولم تحدث سابقا زيجات مشابهة، مما أثار جدلاً اجتماعياً واسعاً حول القضية التالية الذكر.

هذا ما حدث مع أحمد آدم اورينييجا (34عام) وهو مواطن من جمهورية إفريقيا الوسطى، ومع رقية ع. ز (30عام) من بلدة تراغن (140 كم جنوبي سبها) التي تعمل مدرسة لمادة التاريخ، حيث التقيا فقررا الزواج رغم علمهما باستحالة موافقة الأهل والمجتمع على هذه الزيجة، مما اضطرهما إلى الهرب سوية من تراغن إلى القطرون (500 كيلومتر جنوب سبها) وهناك تزوجا بمساعدة بعض معارف رقية وبدأا الاستعداد للسفر عائدين إلى إفريقيا الوسطى.

“مراسلون” التقى الزوجين في القطرون وكان معهما الحوار التالي:

أحمد، كيف جئت لليبيا ولماذا؟

جئت بمساعدة المهرِّبين عبر تشاد، ودخلت ليبيا عام 2011، وتوجهت مباشرة لتراغن لأني أعرف بعض أصدقائي يعملون هناك. كنت في قريتي “كانغابندورو” -بمقاطعة فاكاجا- أعمل في الزراعة مع والدي وإخوتي، وعندما بدأ العديد من شباب القرية بالهجرة إلى أوروبا، بسبب انعدام أي أمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية وبسبب الاضطرابات الأمنية التي شهدتها البلاد،  قررت أن أجرب حظي وأهاجر إلى ليبيا، وأن لا أعود إلى بلدي.

ولكنك الآن ترتب للعودة إلى افريقيا الوسطى، مالذي غير رأيك؟

أحمد: نعم، زوجتي هي من أقنعتني بالعودة إلى بلدي معها، كان من الممكن أن نقيم في ليبيا، ولكن هذا الأمر مستحيل مع رفض مجتمعها لزواجنا. أضف إلى ذلك أن زوجتي أقنعتني أن هناك مشاريع عديدة قد نستطيع من خلالها توفير حياة كريمة لنا في بلدي، وستشرح لكم زوجتي أكثر عن هذا القرار.

رقية، كيف تعرفتِ على أحمد؟

رقية: لقد كان يعمل في مزرعة والدي، وكنا نذهب للمزرعة يوميا مع الأهل، وفي أوقات كثيرة يأتي أحمد لبيتنا وخاصة في المناسبات والأعياد. وقد كنت الوحيدة في أسرتي مهتمة بتعلم اللغة الفرنسية، فكنت أطيل الحديث معه وأتحيّن الفرص لأسجل منه الكلمات الجديدة وأحفظها، واستمرت هذه الرحلة التعليمية من 2011 إلى 2014. لم أنتبه أن علاقتي بأحمد صارت أكثر عمقا، ولكن في ذات الوقت لم ينتبه لنا أحد، حيث كنا نتحدث أمام الأهل بالفرنسية، ويحدث بيننا تواصل خفي، ونمى بيننا تقارب جميل.

كيف وصلتما لقرار الزواج؟

رقية: بعد أن تأكدت مشاعرنا وتصارحنا بها، كان أحمد هو من طلب مني الزواج بشكل جريء حتى أنه عرض أن يتقدم لوالدي لخطبتي. وجدت نفسي أوافقه الفكرة بدون أدنى تردد، ولكنني حذرته من إخبار والدي. فكرت أن أهمس لأحد من المقربين، ولكني أيقنت أني سوف لن أجد من يقف بجانبي مهما كان واعيا ومتفهما.

ماذا فعلتِ حتى تكملي طريقك مع أحمد للزواج؟

رقية: طلبت من أحمد أن يسافر للقطرون حتى أجنبه غضب أهلى في حال رفضوا الفكرة، ولكنه رفض وظل باقيا ولكن بعيدا عن الأنظار ليحاول حمايتي في حال تعرضت لأي خطر.

حدثت والدي لاحقاً في الأم. لم أنتبه لحركة والدي السريعة ويديه التي انهالت علي بالضرب، حتى أنه صار يهيج ويتنقل بين الحجرات في البيت باحثا عن أي شئ ليضربني به. كان سلك كهربائي هو الأقرب إليه، وبدأ في ضربي بكل ما أوتي من قوة. ظلّت أمي تشاهد أبي ولا تحرك ساكنا. أتذكر أنها كانت تبكي وأنا اسمع تقريعها لي: ليش يا بنتي!! شن ناقصك!! هكي اديري فينا!!!.

بعد الضرب هددني والدي بالموت إذا عدت لهذا الحديث من جديد. طبعا كنت مصرة على قراري فما كان مني إلا أن اتصلت باحمد وطلبت منه أن يسبقني للقطرون، وبعد سبعة أيام هربت بمساعدة إحدى صديقاتي وزوجها إلى القطرون.

عادة لا تستطيع النساء في المجتمع الليبي الحديث مع آبائهن في موضوع الزواج، لما لم تمهدي للأمر مع والدتك مثلا؟

رقية: كنت أعرف الرد مسبقا، وما فعلته هو رسالة لأهلي بأنني لم ارتكب خطأ، وأنني صارحتهم قبل أن اتخذ أي قرار، لم تكن أسباب رفض أهلي مقنعة بالنسبة لي، كان رفضهم فقط لأنه إفريقي (أسود البشرة)، لو تناقشوا معي في خُلقه أو طباعه أو أي أمور حياتية لكانت الأمور أقل حدة ولكنا توصلنا إلى نقاط مشتركة.

لماذا اخترتم القطرون؟

رقية:لأن أهالي تراغن لا يتمتعون بعلاقات جيدة مع أهالي القطرون (التبو)، لذا يصعب عليهم أن يلحقوا بي وبزوجي هنا، ولكن هذا أمر نسبي ومؤقت وغير مضمون على المدى الطويل، خاصة وأن أهلي أهدروا دمي ودم زوجي، وهذا ما شجعنا على السفر لإفريقيا الوسطى.

وكيف تمت مراسم الزواج؟

رقية: تزوجنا عند أحد المشائخ المحليين في القطرون في الرابع من كانون الثاني/يناير الماضي. لم يوثق العقد بحسب القانون في ليبيا، ونرغب في توثيقه قانونيا في إفريقيا الوسطى، وأنا الآن حامل في شهري الثاني.

هل انتهت ملاحقة أهلك لكما بعد علمهم بإتمام زواجكم؟

رقية: لا، لم تنتهِ، ما يزال أهلي يريدون الوصول إلينا وقتلنا، ولولا أنهم لا يستطيعون الوصول للقطرون لقتلوني وزوجي بلا رحمة، نحن نتفهم موقفهم ونتمنى أن يقبلوا وضعنا ولو بعد سنين.

هل تعلمين أن الحياة في إفريقيا الوسطى صعبة جدا، فمستوى التعليم هناك متدنٍ بشكل كبير، وتعتبر أفريقيا الوسطى واحدة من الدول الإفريقية العشر الأكثر فقراً، إضافة إلى انتشار امراض كالإيدز والملاريا والسل النشط، هل تدركين ما يعنيه قرارك بالعيش هناك؟

رقية: نعم أدرك ذلك، وقد قرأت عنها جيدا إضافة لما أوضحه لي أحمد، ولكني أملك إيمانا بأن الله هو الرزاق. لدي أمل كبير أن أكون بذرة لتحسين الوضع ولو في قرية زوجي على الأقل. أدرك أن الأمر صعب من ناحية البيئة وطريقة التفكير والعيش، ولكن أثق بنفسي وأثق بزوجي في أننا سنصنع التغيير وسنحسِّن من وضعنا.

ولكن كل ما ذكرتِه أحلام قد لا تتحقق على أرض الواقع، هل وضعت خطة لتبدأين بها العمل هناك؟

رقية: نعم، أخذت معي جميع مدخراتي، وعندما أكون هناك ستتضح أمامي صورة المشاريع التي قد أعمل عليها.

كانت ردة فعل المجتمع رافضة تماما لزواجك، هل اتصل بك أحد من الأهل او الصديقات وسألوك عن دوافعك لهذا الزواج؟

رقية: للأسف لم يتصل بي أحد، حتى صديقاتي باستثناء واحدة وهي تلك التي ساعدتني وزوجها في الهرب إلى القطرون. زواجي كان صادما لهم وغريبا في مجتمعنا. أكاد أجزم أن هذا ينطبق حتى على الرجال الليبيين إذا تزوجوا بإفريقيات، أتمنى أن اكون بزواجي قد كسرت حاجز الصمت في هذه القضية.

قلتِ أنكم ترتبون للسفر إلى افريقيا الوسطى، متى تسافرون وكيف؟

رقية: حاليا أقوم بتغيير العملة التي جمعتها وكذلك زوجي، كما ننتظر أول سيارة ستتحرك لإفريقيا عبر تشاد، لا تذهب السيارات على الدوام إلى هناك لذا سنضطر للإنتظار.

ماذا كان سيحدث لو لم تتزوجي من أحمد؟

رقية: كنت سأقتل نفسي.

كلمة أخيرة

أحب زوجي أحمد وأشعر معه بالأمان هنا وفي افريقيا الوسطى وفي أي مكان بالعالم.