مقتل عامل بقسم التحاليل بمستشفى الهواري العام في جنوب بنغازي برصاص عشوائي أمام المستشفى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي كان سبباً أكثر من كافٍ لإغلاق المستشفى، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بنقص الإمدادات والإمكانات.

فالحرب الدائرة في بنغازي والمواجهات المسلحة التي تصاعدت حدّتها منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي ألقت بظلالها على مراكز الخدمات الصحية في المدينة، شأنها في ذلك شأن بقية المرافق العامة.

مقتل عامل بقسم التحاليل بمستشفى الهواري العام في جنوب بنغازي برصاص عشوائي أمام المستشفى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي كان سبباً أكثر من كافٍ لإغلاق المستشفى، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بنقص الإمدادات والإمكانات.

فالحرب الدائرة في بنغازي والمواجهات المسلحة التي تصاعدت حدّتها منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي ألقت بظلالها على مراكز الخدمات الصحية في المدينة، شأنها في ذلك شأن بقية المرافق العامة.

بعد إغلاق مستشفى الهواري لم ينجُ مركز بنغازي الطبي من لعنة الحرب، فضربت الصواريخ الطابق العلوي منه، فاشتعل حريق كاد أن يودي بـ 25 شخصاً تمت نجدتهم في الوقت المناسب، ومع ذلك ما زال المركز يستقبل الجميع على اختلاف انتماءاتهم العسكرية.

مستشفيات أقفلت

منذ اندلاع المواجهات تقلص عدد المستشفيات العاملة في المدينة إلى أربعة فقط، وهي مركز بنغازي الطبي الذي يقدّم خدمات الباطنة والجراحة بتخصصاتها والنساء والتوليد، ومستشفى بنغازي للأطفال، ومستشفى الجلاء للجراحة والحوادث، ومستشفى النفسية الذي توزع طاقمه ومرضاه على مدرستين وعيادة مجمعة.

أما باقي المستشفيات الأخرى وعددها ستّ فقد أقفلت أبوابها، وكان آخرها “مركز بنغازي للكلى” الذي أخلت إدارته مقره في شباط/فبراير المنصرم. وكلها أقفلت بسبب وقوعها في مناطق الاشتباكات أوتعرضها لبعض القذائف، وانتقلت أطقمها لتقديم الخدمات للمواطنين من خلال مركز بنغازي الطبي – أكبر المستشفيات بالمدينة-، أو العيادات المجمعة التي تعرف طبياً بمراكز الرعاية الصحية الأولية.

عمل تحت الخطر

يقول هاني العريبي، مسؤول مكتب الإعلام في مستشفى الهواري العام، إن إغلاق مستشفاهم جاء بعد حادثة مقتل عامل بقسم التحاليل واختطاف طبيب وثلاثة ممرضين نهاية العام الماضي -جرى إطلاق سراحهم في وقت لاحق- إضافة إلى تضرر شبكة الصرف الصحي والكهرباء بسبب سقوط القذائف عليها.

علاوة على هذه الحادثة قُتل عدد من الأطباء والممرضين ببنغازي بالرصاص العشوائي وهم في الطريق إلى عملهم أو أثناء قيامهم بوجابات الإسعاف، فيما تعرض عدد آخر منهم ومن العاملين المساعدين لعمليات “إخفاء قسري”، وتلقى عدد آخر التهديدات، كما أشيعت حول أطباء أنباء حول رفضهم تقديم الخدمة الطبية لأحد الأطراف أو تخصيصها لطرف آخر.

ولم تسلم الأطقم الطبية أيضاً من مشاكل الحرب، حيث اضطر عاملون أجانب إلى ترك المدينة، فيما نزح بعض العاملين الليبيين – كما حدث لجزء من الأهالي- إلى خارج بنغازي، وهذا الأمر أثر على القطاع الصحي حسب مسؤولين، لا سيما أن الأوضاع الأمنية منعت بعض العائلات من إرسال السيدات العاملات في قطاع الصحة إلى أماكن عملهن خوفاً عليهن، وهو ذات السبب الذي حال دون وصول عاملين كثر إلى المراكز الصحية.

وسط كل تلك الأخبار يصف المكتب الإعلامي بمركز بنغازي الطبي الوضع الأمني في المستشفيات العاملة بالمدينة بـ”الجيد”، إلا أنه يؤكد حدوث بعض الاختراقات الأمنية “العرضية” من وقت إلى آخر.

نواقص كثيرة

ليست المشاكل الأمنية فقط هي ما تعاني منه مستشفيات بنغازي، فنقص مواد التخدير الخاصة بالعمليات وبعض الأدوية ومستلزمات الغسيل الكلوي تمثل جانباً كبيراً من هذه المشكلات.

وحول ذلك بيّن خليل قويدر مسؤول مكتب الإعلام بمركز بنغازي الطبي لـ”مراسلون” أن شركات الأدوية قامت بتغطية بعض النقص، مشيرا إلى أن بعض الأطباء بأحد مستشفيات الجراحة الواقعة في أماكن القتال، قاموا بجلب بعض الأدوية من مخازنها بعد تمكنهم من الوصول إليها، وهو ما قلل من أثر هذه المشكلة في الوقت الحالي، إلا أن ذلك لم ينهها بشكل كلي.

يقول اقويدر إن ما زاد الطين بلة هو تدمير مقر جهاز الإمداد الطبي خلال الاشتباكات في وقت سابق من العام الماضي، الأمر الذي صنع فجوة كبيرة في توفير الأدوية الأساسية، إضافة إلى نقص المواد المستوردة الواصلة إلى المدينة نظراً للظروف الحالية.

وعلى ما قاله قويدر يتحدث (م . أ) طبيب تخدير بمستشفى الجلاء للحوادث وهو المشفى الرئيسي للجراحة بالمدينة عن نقص شديد في بعض مواد التخدير منذراً “بكارثة على وشك الوقوع” حسب تعبيره إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.

“المواد في نقص مستمر وعدد الحالات التي تتطلب الجراحة نظرا للاشتباكات في ازدياد” هكذا أوضح (م.أ) مشيرا إلى أن المواد التي تُستجلب للمشفى في الفترة الحالية رديئة الصناعة والنوعية، وأكد أن “نقص بعض المواد المهمة مثل عقار بروبوفول قد يتسبب في إغلاق قسم العناية المركزة”.

صعب وجيد

لم تتوقف معظم الأطقم الطبية عن العمل بعد إغلاق مستشفياتهم، فقد توجهت هذه الأطقم للعمل سوياً مع مركز بنغازي الطبي على تقسيم أيام الدخول والطوارئ بينها خلال الأسبوع الواحد، ولكن مسؤول المكتب الإعلامي بالمركز يُبين أن العاملين يستوفون 60% فقط من الطاقة اللازمة لتشغيل المركز حالياً، وذلك بسبب مغادرة العمالة الأجنبية في المهن الطبية المساعدة التي تقدر بـ 50% من الكادر العام، واصفا هذا الوضع بـ”الصعب”.

ومن جانب آخر وصف مدير مكتب الإعلام بإدارة الخدمات الصحية بنغازي أحمد العوامي وضع الإدارة بأنه “جيد” على الرغم من الظروف التي تمر بها المدينة، وهي الإدارة المختصة بشؤون العيادات المجمعة والرعاية الصحية الأولية والتطعيمات، وأشار إلى أنهم تلقوا في الشهر الماضي كمية من التطعيمات تسد النقص.

مستشفى النفسية

ورغم كل ما تقدم من صعوبات إلا أن معاناة  نزلاء مستشفى الأمراض النفسية تعد هي الأكبر، حيث انتقل المستشفى من منطقة الهواري ببنغازي إلى داخل المدينة بعد سقوط القذائف عليه، وتم وضع النزلاء في إحدى المدارس، وافتتحت عيادة للكشف والمعاينة وصرف الأدوية بواحدة من العيادات، فيما طالبت الإدارة أكثر من مرة أهالي النزلاء بأخذهم خوفاً على حياتهم.

وتعليقاً على ذلك يقول المدير التنفيذي للمستشفى فرج بوخريص إن بعض النزلاء يقيمون لديهم منذ 30 سنة، وبعضهم لم يزره أهله منذ دخوله، وتحدث بوخريص عن أن بعض الأهالي قاموا بأخذ المرضى ولكنهم أعادوهم لاحقاً للمستشفى.

وفي خضم كل ذلك تُكرّر الإدارة بين الفترة والأخرى مناشدتها الأهالي للقدوم واستلام أبناءهم وخاصة أصحاب الحالات المرضية البسيطة، معللة ذلك بالعجز عن تقديم الخدمات الصحية للمرضى ونقص الأدوية.

الأطباء مستمرون

تختلف آراء الناس عند سؤالهم عن رأيهم في الخدمات الصحية بالمدينة، فمنهم من يضع اللوم على العاملين بالقطاع، بينما يعتبر آخرون أن الوضع الذي تعاني منه المستشفيات “عادي بالنسبة إلى الظروف الحالية” في حين يشكر آخرون مجهودات الأطباء والممرضين، بينما يذهب آخرون إلى أن المستشفيات لا تعمل بشكل جيد في الأوضاع العادية مشيرين إلى أن كثيرا من الأطباء يتغيبون على الرغم من الحاجة إليهم، حسب وصفهم.

ووسط كل ذلك يقول كثر ممن تحدثوا إلى “مراسلون” من الأطباء والأطقم الطبية إنهم قد يلاقون نفس مصير زميلهم الذي لقي حتفه أمام مستشفى الهواري، ومع ذلك يؤكدون عزمهم على متابعة واجباتهم مطالبين الحكومة بتحمل مسؤولياتها تجاه قطاع يعتبر من أهم قطاعات الدولة.

وعلى الرغم من الظروف الأمنية التي تعانيها المدينة وفي ظل مشاكل المرتبات الخاصة بالعاملين في قطاع الصحة، إلا أن المستشفيات المفتوحة ما تزال تقدم خدماتها وسط شكاوى نقص الأدوية وبعض المعدات الطبية ومستلزمات العلاج، وحدوث بعض الاختراقات.