في مفتتح الشهر الجاري، يوم الأحد الأول من شباط/فبراير 2015، أطلق أمين شرطة 7 رصاصات من مسدسه الميري، استقرت جميعا في الجانب الأيمن لمريض – متهم بالإرهاب- كان يرقد تحت الحراسة في مستشفى إمبابة العام في القاهرة، وقتلته الرصاصات –بالطبع- على الفور، أما القاتل فقد قال إن القتيل استفزّه “عبر سبّ قيادات الدولة”.

في مفتتح الشهر الجاري، يوم الأحد الأول من شباط/فبراير 2015، أطلق أمين شرطة 7 رصاصات من مسدسه الميري، استقرت جميعا في الجانب الأيمن لمريض – متهم بالإرهاب- كان يرقد تحت الحراسة في مستشفى إمبابة العام في القاهرة، وقتلته الرصاصات –بالطبع- على الفور، أما القاتل فقد قال إن القتيل استفزّه “عبر سبّ قيادات الدولة”.

لم يكن ذلك الأحد عاديا، ففي اليوم نفسه، وفي الحيّ –إمبابة- نفسه،  أقدم أمين شرطة آخر (وهي رتبة  أرفع من الجندي وأدنى من الضابط) على إطلاق  النار على سائق سيارة أجرة جماعية (ميكروباص)، حاول الهروب من حاجز مرور (كمين) بسبب عدم حمله لرخصة قيادة، فتلقى في جسده 5 رصاصات من أمين الشرطة، قتلته –أيضا- على الفور.

وغير بعيد عن القاهرة، إلى الشمال في محافظة المنوفية، وما زلنا نتحدث عن نفس اليوم، قتل رقيب شرطة –رتبة متوسطة أخرى- جاره الموظف في خلاف على قطعة أرض.

بينما – في النهار نفسه –  تجمهر أقارب محتجز، توفي أثناء احتجازه في قسم شرطة روض الفرج، ,سرعان ما استدعي الأمن المركزي سريعا لفض “التجمهر” الغاضب.

ربما كان ذلك اليوم الحافل استثنائيا في جمعه كل تلك “الحوادث”، لكن الظواهر المتكررة لابد أن يحتشد بعضها معا في يوم ما، وقد يتخذ التكرار شكلا آخر، فيتكرر اتهام شرطي بعينه، بقتل مواطن بالطريقة نفسها والمنطقة ذاتها، كما حدث مع أمين شرطة آخر قتل محاسبا – الشهر الماضي – في محافظة البحيرة شمال غرب البلاد، ثم اتضح أنه كان قد قتل مواطنا بالطريقة نفسها قبل أعوام ثلاثة، ولم يتم حسابه.

يقول المثل العربي “من أمن العقاب أساء الأدب”، وربما ليس هناك من يأمن العقاب في مصر الآن قدر السلطات الأمنية، وقد كان ممكنا، حتى ما في فترة مبارك، خصوصا سنواتها الأخيرة، ملاحقة بعض رجال الشرطة، وسجن بعضهم، وإثارة الرأي العام كله بقضايا مثل مقتل “خالد سعيد” أو تعذيب “عماد الكبير”، أما اليوم، وخاصة بعد أحكام “قضية القرن” التي شهدت تبرئة جميع المتهمين في قضايا قتل مئات المتظاهرين أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير، بمن فيهم الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته وقياداته الأمنية، والتي تلت البراءات الفرعية، أي تلك التي اتهم فيها ضباط  وأفراد الشرطة في كل منطقة ومحافظة على حدة، لقد أطلق على تلك البراءات سخرية لقب مهرجان “البراءة للجميع”، بل إن تلك القضايا قد اشتملت على الأٌقل على توجيه اتهامات لرجال أمن ومسؤولين في السلطة التنفيذية، أما “قضايا” ما بعد الثورة، فقد شهدت سلوكا آخر، هو توجيه اتهامات إلى زملاء الضحايا، وأشهرها القبض على زهدي الشامي نائب رئيس حزب التحالف الشعبي (اليساري)،  في إطار التحقيق في مقتل زميلته شيماء الصباغ في هجوم لقوات الأمن على مسيرة للحزب يوم 24 يناير الماضي،  قبل أن يتم منع النشر من القضية بقرار من النائب العام،  وكما في حال القبض على قيادات أولتراس الزمالك، في إطار التحقيق في مقتل 22 من زملائهم إثر هجوم من قوات الشرطة عل طابور المشجعين، قبل بدء مباراة الزمالك وإنبي في 8 من شباط/فبراير الجاري.

إذا كان ما سبق في معظمه عمليات قتل “ظاهرة” وعلنية، في الشارع أو ستاد الكرة، أو حتى في مستشفى عام، فإن ما يجري في أماكن الاحتجاز المغلقة أسوأ بكثير، وطبقا لتقريره يومان رايتس ووتش الصادر في 21 كانون الثاني/يناير 2015، فإن “موجة من الوفيات في أماكن الاحتجاز” تجتاح مصر، نتيجة التكدس والتعذيب وإساءة المعاملة، ورصد التقرير عبر منظمات محلية وتقارير الطب الشرعي ،وفاة 90 حالة في أٌقسام شرطة  محافظتي القاهرة والجيزة فقط، في الفترة من كانون الثاني/يناير إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2014، وبزيادة قدرها 40 بالمئة عن 2013، تلك الأرقام الكبيرة لا تتضمن 27 محافظة أخرى إلى جوار القاهرة والجيزة، وهي تتناول في معظمها حال أماكن الاحتجاز “الظاهرة”، كأقسام الشرطة وعربات الترحيلات، ولا تستطيع بسهولة الوصول إلى ما يجري في السجون.

بالنظر إلى أعداد الضحايا الهائلة، إن في تظاهرات السياسة أو في الحوادث “العادية” أو المحتضرين في أماكن الاحتجاز، يُستنتج أن أعدادا هائلة بدورها من أًصحاب الزي الرسمي، على اختلاف درجاتهم قد ارتكبوا فعل القتل مرة ومرات، وهم – رغم ذلك- لازالوا في الخدمة، فما تأثير ذلك على أداء مؤسسة رسمية بالغة الأهمية كوزارة الداخلية؟

لقد انعكس ذلك بوضوح في سهولة تكرار ارتكاب القتل الشرطيّ ضد التظاهرات أيا كان نوعها أو مناسبتها أو سلميتها، وامتداد أفعال القتل تلك  إلى أماكن غير معهودة كمستشفى أو ستاد كرة، ولأسباب تافهة وغير معقولة كـ”الاستفزاز” أو “عدم حمل رخصة” أو حتى خلاف عادي، والإهمال الجسيم والعمدي في معاملة المحتجزين، وكل ذلك أشاع لدى الجمهور العام انطباعا بأن لدى السلطات الأمنية تطمينات عليا بأنها لن تتعرض لأي محاسبة على الإطلاق، وهو ما يؤكده حقيقة أن شرطيا واحدا لم يعاقب أو يحاسب حتى الآن في مئات حوادث القتل المتنوعة في الأربع سنوات الأخيرة.

لقد احتاجت الشرطة وقتا طويلا لتستعيد بعض القبول العام بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي اختارات لاندلاعها يوم عيد الشرطة نفسه، في تحد لتجاوزات وجرائم الكثير من رجالها، أما اليوم، فإن الحرب مع الإرهاب – وهي حقيقية – قد تصلح غطاء للجرائم الشرطية، لكن لبعض الوقت فحسب، فمع كل جريمة رسمية يسجل نصر جديد للإرهاب، الذي لا يسعده شيء قدر أن تكون المعركة بين فريقين من القتلة.