بن فرحات وبن حميدة والبلومي والورتاني وبن غربية والهاني والشرفي، عينة من الصحفيين الذين تلقوا تهديدات بالتصفية من قبل جماعات ارهابية.  وخصصت لهم حماية امنية، ومنهم من رفضها ومنهم من قبلها.

سفيان بن فرحات أحد هؤلاء الذين أفردت لهم وزارة الداخلية مرافقين أمنيين لحمايتهم، بعد أن تأكدت من جدية التهديدات التي وصلته. وهو صحفي معروف، يعمل بالصحافة المكتوبة (جريدة لابراس) ويقدّم برنامجين في الاذاعة والتلفزيون.

من الرقابة إلى الحماية

بن فرحات وبن حميدة والبلومي والورتاني وبن غربية والهاني والشرفي، عينة من الصحفيين الذين تلقوا تهديدات بالتصفية من قبل جماعات ارهابية.  وخصصت لهم حماية امنية، ومنهم من رفضها ومنهم من قبلها.

سفيان بن فرحات أحد هؤلاء الذين أفردت لهم وزارة الداخلية مرافقين أمنيين لحمايتهم، بعد أن تأكدت من جدية التهديدات التي وصلته. وهو صحفي معروف، يعمل بالصحافة المكتوبة (جريدة لابراس) ويقدّم برنامجين في الاذاعة والتلفزيون.

من الرقابة إلى الحماية

يتحدث بن فرحات عن علاقة الصحفي برجل الأمن باستغراب فيقول: “أنا لا أنظر إلى المسألة من ناحية وجود تهديدات وإنما أنظر اليها من ناحية الطرافة ووجود مفارقة عجيبة حصلت. فالبوليس الذي كان يتبع الصحفيين وينظر اليه كعدو لأنه يشي بهم ويسجل عليهم جميع تحركاتهم  ويمنعهم من التنقل وملاقاة بعض الأشخاص ويحد من حريتهم أصبح اليوم مرافقا لهم يحميهم ويسهر على راحتهم اثناء تأدية مهامهم”.

“إنها فعلا نقلة نوعية لم يكن يتصورها أكثر الحالمين ولا يتوقعها اكبر العرافين ولا ينتظرها ابرع المحللين والمتفائلين بنتائج الثورة التي حدثت في تونس” يضيف.

وكان نظام بن علي يخصص فرقا أمنية سرية لمراقبة الصحفيين ومتابعة الناشطين منهم المعروفين بنقدهم اللاذع للنظام وكانت هناك مراقبة أمنية صريحة وواضحة للعيان تتابع بعض الصحفيين في كل مكان.

ويقول محمود الذوادي مدير مركز تونس لحرية الصحافة في هذا الصدد: “في زمن بن علي كان الصحفيون خاصة الذين يراسلون وسائل اعلام اجنبية محاصرين وتتم مراقبتهم ويمنعون من حرية التنقل ودائما ما يستدعون الى مراكز الامن للتحقيق معهم، واليوم انقلبت الآية وصار الأمن يرافق بعض الصحفيين لحمايتهم وتسهيل أداء وظائفهم”.

علاقة من نوع خاص

يقول سفيان بن فرحات بعد أن يعدل نظارته ويفرك بيده شعره: “بوجود مرافق أمني دائم مع الصحفي، يتنقل معه أين يذهب تتولد علاقة بينهما من نوع خاص ربما لن يفهمها العديد من الزملاء الذين مازالت ترسخ في أذهانهم نظرة معينة عن رجل الأمن رسمتها سنوات من التضييق والمراقبة وقمع الحريات”.

وتفسر الكاتبة العامة لنقابة الصحفيين التونسيين سكينة عبد الصمد هذا الامر بقولها: “من الطبيعي أن لا تتغير نظرة المجتمع وخاصة نظرة الصحفيين لرجل الامن هكذا بمجرد سقوط النظام القمعي. هناك فترة من التجاذبات والمراجعات من الضروري القيام بها حتى تترسخ علاقة جديدة تكون اهم ضماناتها احترام حرية التعبير وقيم الجمهورية”.

وتلقى بن فرحات الذي كان في مقر عمله ثلاث رسائل تهديد بالقتل في وقت وجيز لا يتعدى 48 ساعة. وكانت الرسائل مكتوبة بخط اليد وتضمنت تهديده بالقتل رميا بالرصاص وحرقه.

لا ينفي بن فرحات وجود ضغوطات جديدة فرضتها المرافقة الامنية المخصصة له ولا ينكر أن العلاقة مع رجل الأمن ليست دائما ودّية. ويروي حادثة حصلت له مع مرافقه الأمني الذي يتبعه كظله خلاصتها أنه قصد في إحدى الليالي مطعماً يبيع الخمر لملاقاة أشخاص وزملاء على عشاء عمل. وحال وصوله إلى باب المطعم امتنع مرافقه الامني عن الدخول وزمجر واحتج ودخل في مشادة كلامية مع سفيان بحجة أنه لا يستطيع الدخول إلى مكان يباع فيه الخمر وأن التزامه وتدينه يمنعانه من ذلك.

ويقول بن فرحات مغلقا على هذه الحادثة “شعرت بالاختناق مجددا وأحسست أني مكبل كما في السابق”.

أصبح الامر مألوفا

غير أن الصحفي لطفي الحاجي مراسل قناة الجزيرة القطرية في تونس يرى الأمر عادي ويتذكر علاقته برجال الأمن الذين كانوا يتبعونه زمن بن علي ويحدون من تحركاته ويكتبون التقارير عن لقاءاته ونشاطاته ويقول: “في بداية الامر كنت أشعر بالضجر والاختناق لكن بعد مدة من التعود على وجود المراقبة أصبح الأمر مألوفاً”.

ويضيف الحاجي متذكرا علاقته بالأمن زمن بن علي: “في مرة تعطلت سيارتي وكنت بعيدا على مناطق العمران فقام أعوان الامن بإصلاح العطب وواصلت طريقي. و كانوا يعلمون عني كل شيء، ففي مرات عديدة كانوا يوصلوني إلى الجهة التي أنوي الذهاب إليها، وفي أوقات أخرى يطلبون مني بكل صراحة وبكل ود أن لا أذهب إلى بعض الأماكن حتى لا يضطروا إلى منعي بالقوة متعللين بالتعليمات التي تصلهم”.

لطفي الحاجي يمارس عمله اليوم بكل حرية وينتظر كيف ستكون الأجواء بعد أن أعلن عن تركيبة الحكومة الجديدة في تونس. هو لا يخضع الآن لحماية امنية، لكنه يعتبر التهديدات الارهابية التي وصلت زملائه خاصة في المدة الاخيرة تؤثر على انتاجية الصحفيين خاصة على الشبان منهم الذين يريدون خوض تجاربهم العملية في جو من الحرية والاستقلالية.

ولم يخف الحاجي أمانيه بأن تبنى علاقة بين الصحفي و رجل الأمن مبنية على الاحترام والتعاون، وتخوفاته من أن تعود القبضة الأمنية على الاعلام من جديد بتعلة مواجهة التهديدات الارهابية التي كثرت والقادمة من الجارة الجنوبية ليبيا.

الاثر العكسي

ما يلاحظ في تونس بعد الثورة بحسب أولئك الصحفيين أن هامش الحرية ارتفع وصارت مهنة الصحافة تستهوي الكثيرين، خاصة الشباب منهم الذين نشطوا في مؤسسات إعلامية تونسية وأجنبية وأصبحوا يحلمون بإنتاج مادة اعلامية تليق بالمناخ الجديد.

لكن التهديدات الارهابية التي يتلقاها في كل مرة بعض الاعلاميين التونسيين والمرافقة الأمنية التي تخصصها لهم وزارة الداخلية وأخبار الخطف والقتل جعلت العديد من هؤلاء الشبان يعيدون النظر في مهنة يمكن أن تؤدي ممارستها إلى التضييق عليهم أو حتى تصفيتهم.

وتقول سكينة عبد الصمد الكاتبة العامة لنقابة الصحفيين: “بعد التهديدات الأخيرة التي وصلت للصحفيين نوفل الورتاني ومعز بن غربية، وتواتر اخبار غير مؤكدة عن قتل المدون سفيان الشورابي و المصور الصحفي نذير القطاري المختطفين منذ مدة في ليبيا، وكذلك بعد الحادثة الارهابية في قلب باريس في مقر الصحيفة الساخرة شارلي هيبدو، عاد الخوف للصحفيين” ولوحظ  تراجع المواضيع الاستقصائية التي شهدتها أغلب وسائل الاعلام بعد الثورة.

ويعتبر وليد الماجري وهو من الصحفيين الشبان المختصين في الصحافة الاستقصائية أن الجو العام في ظل التهديدات الامنية  لم يعد آمنا و مريحا، اذ لا يمكن العمل تحت التهديدات الارهابية ولا حتى تحت الحماية الامنية.

ويضيف أن رجل الأمن نفسه أصبح مهدداً أيضاً من قبل الإرهابيين ولم تتضح بعد العلاقة بين الصحفي ورجل الأمن التي يجب ان تعاد صياغتها وفق اليات النظام الديمقراطي الذي لم يتشكل بعد في تونس.

وكانت نقابة الصحفيين التونسيين قد طلبت في الفترة الاخيرة من وزارة الداخلية توفير الحماية لجميع مقرات وسائل الاعلام الوطنية خاصة بعد تهديدات الارهابي كمال زروق التي جاء فيها: “إن الحرب الاولى بدأت على الامنيين والحرب اللاحقة ستكون على الصحفيين”.

قلم ومسدس

ويذهب الدكتور معز بن مسعود المدرّس في مجال الاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار إلى ضرورة وضع العلاقة بين الصحفي ورجل الأمن ضمن سياق عملية تواصل واتصال متوترة وغير متناسقة في اغلب الأحيان.

ويفسر ذلك بوجود رواسب ثقافية تكونت عند الصحفي ورجل الأمن في فترة نظام بن علي، فالإعلام باعتباره أداة كاشفة للحقائق ولتجاوزات السلطة طبيعي أن يكون في صراع مع رجال الأمن الذين دائما ما يكونون في صف السلطة وعصاها الغليظة التي تريد بواسطتهم طمس الحقيقة وترهيب الصحفيين.

المناخ العام من الخوف والترهيب الذي ساد بعد الثورة نتيجة عدة عوامل قد ساهم في التأثير على الصحفيين الشبان الذين مازالوا في بداية خطواتهم المهنية. وهو ما يستدعي حسب بن مسعود برمجة دورات تكوينية للصحفيين الشبان حتى يكونوا مستعدين للعمل  تحت التهديدات وحتى يتمكنوا من حسن التواصل والتعامل مع جميع الاطراف بمن فيهم رجال الأمن.

ويخلص سفيان بن فرحات إلى أنه رغم التحفظات على عودة المراقبة الامنية، برغبة الصحفي هذه المرة، إلا أنه من المفارقات أن يجد الصحفي التونسي نفسه اليوم جنباً إلى جنب مع رجل الأمن في مواجهة الارهاب، الأول يتصدى بقلمه والثاني يواجه بمسدسه.