“أنا نازح الآن.. ومستهدف في بنغازي” يقول (ي. ت.) الذي كان من أوائل الخارجين على نظام القذافي قبل أربعة أعوام، إلا أنه رغم ذلك لم يفقد فخره بالثورة وعزمه الاحتفال بالذكرى الرابعة لها في مصراتة محل نزوحه.

تقترب الذكرى الرابعة للثورة التي تصادف السابع عشر من هذا الشهر، والليبيون يعيشون حالة اقتتال داخلي تستنزف الأرواح والأموال، وتنقسم سياسياً وعسكرياً بين فصائل عدة تصر على مواصلة الحرب حتى النهاية.

“أنا نازح الآن.. ومستهدف في بنغازي” يقول (ي. ت.) الذي كان من أوائل الخارجين على نظام القذافي قبل أربعة أعوام، إلا أنه رغم ذلك لم يفقد فخره بالثورة وعزمه الاحتفال بالذكرى الرابعة لها في مصراتة محل نزوحه.

تقترب الذكرى الرابعة للثورة التي تصادف السابع عشر من هذا الشهر، والليبيون يعيشون حالة اقتتال داخلي تستنزف الأرواح والأموال، وتنقسم سياسياً وعسكرياً بين فصائل عدة تصر على مواصلة الحرب حتى النهاية.

الذكرى الثالثة للثورة شهدت احتفالات باهتة في بعض المناطق، بينما مناطق محسوبة عليها لم تحتفل بالذكرى بتاتاً، رغم أن الوضع كان أفضل مما هو عليه اليوم على عدة أصعدة.

عقاب للثوار

يقول (ي. ت.) لـ “مراسلون” إن حياته “باتت مخيفة الآن في بنغازي، وذلك منذ انطلاق ما أسموه انتفاضة 15 اكتوبر، فقد تم استهداف منزلي أنا وأسرتي، دون معرفة السبب وراء ذلك”.

“انتفاضة 15 أكتوبر” المسلحة التي خرجت في بنغازي دعماً لعملية الكرامة التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد تنظيم أنصار الشريعة، زادت الأمور تعقيداً في مجتمع بنغازي، فقد أدت لنزوح عدد كبير من السكان المناهضين لعملية الكرامة خوفاً على حياتهم.

(ي. ت.) الذي لم ينتمي لأي كتيبة عسكرية يعتقد أن ما يحدث قبل إتمام الثورة عامها الرابع، وكأنه “عقاب لمن خرجوا على نظام القذافي”، مضيفًا “جرمي الوحيد الذي جعل حرمة منزلي مستباحة، كوني أحد الثوار وأخي سقط شهيدًا خلال الثورة، ولا يحق لي حتى العيش في مدينتي، لأصبح نازحاً في مصراتة انتظر مصيري أنا وعائلتي”.

“ولكنني سأحتفل بالذكرى أنا وعائلتي، ولا بد من إحيائها، وليست الحكومة من عليه القيام بذلك بل الثوار أنفسهم” يقول (ي. ت.).

لا شيء يستحق

على الجانب الآخر يقول سالم محمد – أحد سكان بنغازي – إن “الثورة انتهت ولا بد من انتهاء مفهوم الثوار”، فبحسب اعتقاده “نعم نجحت الثورة وسقط القذافي، ولكن لا وقت لدينا لتمجيد الثورة والثوار، فليعودوا إلى أعمالهم السابقة أو ينظموا إلى الجيش، وكفى بهم إذلالًا لنا لأكثر من ثلاث سنوات، فجميعنا ضحينا، ولا داعي للمزايدات”.

يذهب سالم أبعد من ذلك حين يقول “نحن ندفع ثمن سكوتنا على تجاوزاتهم في الأعوام الثلاثة السابقة، وتركنا فرصة للعابثين بأن يعبثوا في بلادنا بحجة الثورة والثوار، جميعهم أبناؤنا وهذا وطننا، فهل سنموت به جميعنا ونحن نقتل بعضنا البعض، أليس الجيش هم أبناؤنا والثوار من أبنائنا كذلك!”.

سالم يعارض الاحتفال بذكرى الثورة، لأنه برأيه لا يوجد شيء يستحق الاحتفال به وسط كل هذا الدم والاقتتال، با هو وقت للوقوف على الأخطاء وإصلاحها.

نحتفل لانحتفل

حكومة الثني لم تحسم أمرها بعد بخصوص إحياء ذكرى ثورة 17 فبراير هذا العام، إذ أنها لم تعلن عن خطتها إقامة أي حفل بهذه المناسبة، الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد بزازة أكد لـ”مراسلون” أنه لا يوجد أي خطة للاحتفال حتى الآن، إلا أنه علّق “إلى حين يوم 17 فبراير سيتغير الكثير”.

بينما أكدت عدد من المجالس البلدية نيتها الاحتفال هذا العام رغم سوء الأوضاع في بعضها والتي وصلت إلى حدوث اشتباكات داخلها ونزوح سكانها كما في بلدية بنغازي، حيث قال عضو المجلس البلدي بنغازي أنيس المجبري لـ “مراسلون” أن المجلس سيشكل خلال اليومين المقبلين لجنة للتجهيز للاحتفال “وذلك لكونه أمراً ضرورياً الاحتفال بمثل هذا اليوم”.

على الجهة الأخرى، حكومة الإنقاذ الوطني بطرابلس قررت أن تحتفل إحياءً لذكرى الثورة، كيف لا وهي التي طالما أعلنت دعمها لـ”الثوار” واستنكرت وصف بعض فصائلهم بالإرهابيين.

لا وقت لذلك

إلا أنه حتى في تلك المدن بعض المواطنين لهم رأي آخر في الاحتفال هذا العام، إذ يقول أحمد العرفي – أحد سكان طرابلس – إنه “لا وقت لدينا هذا العام للاحتفالات”، فمدننا جميعها تنزف، متسائلًا “ما هو الانجاز الذي علينا الاحتفال به؟”.

احتفل الليبيون بنجاح الثورة عام 2011، وتواصلت الاحتفالات غير المسبوقة في ليبيا للعام التالي – 2012 –، إلا أن الليبيين الذين تأمل الكثير منهم بتحقيق دولة ديمقراطية مستقرة، بدأحماسهم يخفت تدريجياً في الأعوام اللاحقة نتيجة التدهور المستمرة في أوضاع البلد.

يقول سالم العوامي – أحد سكان بنغازي – لـ”مراسلون” إن الثورة لم تحقق أيًا من إنجازاتها، “وكل عام يسوء الحال عن العام الذي قبله، حيثُ تدهور الوضع الأمني أكثر من ذي قبل، وزادت الدماء المراقة”.

ويضيف العوامي أن الشعب الليبي كان خلال ثورة فبراير على كلمة واحدة و”قلوبنا على بعضنا، إلا أننا الآن أصبحنا نتفنن في كره بعضنا”، متابعًا “نكاد نندم على خروجنا في ثورة فبراير، فقد كنا تحت سيطرة طاغي واحد، ولكننا الآن تحت حكم طغاة، ولا نعرف أي طاعة تتوجب علينا”.

إلا أن معتز العبيدي – أحد سكان بنغازي – لازال متفائلاً و يرى أن “ليبيا الآن في مسارها الصحيح، خاصة بعد أن يتم القضاء على الإرهاب، وستكون دولة كما كنا نتمناها، حيثُ نادينا مرارًا وتكرارًا ببناء الجيش الليبي وإنهاء التشكيلات المسلحة، وها هو جيشنا سيقضي على تلك التشكيلات الإرهابية”، بحسب تعبيره.

هكذا هو حال الليبيين اليوم، انقسام شديد في وجهات النظر، خلف معارك عسكرية على الأرض، ودولة إسلامية تتمدد في الظل وتطمح للبقاء، وحكومتان وجهتان تشريعيتان مختلفتان، ومشروع حوار يلوح في الأفق، وشعب ينتظر أن يصل إلى بر الأمان.