امحمد شعيب، النائب الأول لرئيس البرلمان الليبي ورئيس لجنة الحوار فيه، قبل يوم من حوار جنيف يسرد لـ “مراسلون” بعض التفاصيل عن الجلسات وأهدافها والمشاركين فيها، كما يتحدث عن الاعتداء على منزله في مدينة الزاوية ضمن نص الحوار التالي:

لا زلتم تعولون على الحوار رغم الحرب التي تأكل المجتمع الليبي؟

امحمد شعيب، النائب الأول لرئيس البرلمان الليبي ورئيس لجنة الحوار فيه، قبل يوم من حوار جنيف يسرد لـ “مراسلون” بعض التفاصيل عن الجلسات وأهدافها والمشاركين فيها، كما يتحدث عن الاعتداء على منزله في مدينة الزاوية ضمن نص الحوار التالي:

لا زلتم تعولون على الحوار رغم الحرب التي تأكل المجتمع الليبي؟

أنا على قناعة تامة بان مجتمعنا يمر بمرحلة تحول نحو الديمقراطية وليس تحولاً ديمقراطياً، وأعتقد أن الفيصل الأساسي في هذا التحول هو حوار وطني شامل، لأن المجتمعات لا تبنى إلا بالحوار، انطلاقا من قضية أساسية هي أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، كل شخص يملك جزءاً من الحقيقة ومجموع هذه الأجزاء من الحقائق الصغيرة تشكل بناء المجتمع، عليه لا بد من الحوار ولا طريق إطلاقا للشعب الليبي إلا بالحوار.

هذه تجارب الشعوب نحن لا نخترع شيئاً جديداً، الجزائر خاضت حرباً أهلية وختمتها بالحوار، بريطانيا العظمى خاضت صراعاً مع الجيش الإيرلندي وأنهته بالحوار، ولذلك من الغباء أن يمتشق أي طرف ليبي السلاح وهماً بأنه سيكسب المعركة ضد الطرف الآخر.

نحن شركاء في الجغرافيا والتاريخ والمستقبل، بلد تجمع ناسه هذه الشراكة يجب ألا تحل مشاكله بالعنف، ولذلك أقول أنه ليس بإمكان أحد أن يقتطع أي جزء من ليبيا لأنها كل متكامل، ونحن بإنهاء الحرب بدل أن نخسر خمسة مواطنين نعول عليهم في المستقبل نخسر اثنين، ونوقف حالة النزيف والاحتراب الداخلي التي ستزيد عمق مشاكل ليبيا لأجيال قادمة، لذلك أؤمن بأن الساعة أزفت لأن نأخذ جميعاً قراراً جريئاً وشجاعاً نتجاوز فيه خلافاتنا ونوقف القتال.

انتقلت جلسات الحوار من غدامس إلى جنيف .. ألم يكن بالإمكان أن تستضيفه أية مدينة ليبية؟

الجلسة الأولى في غدامس كانت فيها صعوبة بسبب الهاجس الأمني الذي كان مسيطراً على كل الترتيبات، ليس علينا نحن كأعضاء برلمان وإنما على الوفود الأوروبية، وأيضاً لا يمكننا إغفال أن البلاد منقسمة حول مسألة الشرعية، ما جعل اختيار المدينة التي يمكن أن تستضيف الحوار صعباً للغاية حتى استقر الأمر إلى غدامس.

تكررت العملية في الجلسة الثانية من الحوار، فاقترح السيد برناردينو ليون (مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا) في اجتماع سابق مع لجنة الحوار بالبرلمان أن تكون الجلسة في جنيف ووافق بعض الأعضاء، أنا شخصياً اعترضت وقلت ليبيا أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً، وإن استحال ذلك فالبديل يجب أن يكون تونس وليس جنيف وذلك لدلالة المكان.

فجنيف في أذهان المواطنين الليبيين مرتبطة بحل المشاكل الكبرى والمستعصية مثل مشاكل الشرق الأوسط وغيرها، ونحن نأمل في ليبيا أننا لم نصل بعد لتلك المرحلة من التعقيد، ولكنني اضطررت للموافقة حرصاً على سلامة الوفود الأجنبية سواء الرسمية أو الإعلامية فنحن لسنا بصدد المجازفة بأرواح الحاضرين إلى هذه الجلسة بمختلف صفاتهم.

وفي حديث سابق لي مع النائب المقاطع عن مصراتة فتحي باشآغا في حوار غدامس قلت له من المؤسف أن نحتاج نحن كليبيين أبناء بلد واحد إلى طرف أجنبي يأتي من وراء البحار ليجمعنا إلى طاولة حوار، ولكن للأسف هذا ما وصلنا إليه.

كيف تم اختيار المشاركين في جلسة حوار جنيف؟

بالنسبة لأعضاء البرلمان عُقدت جلسة تقدم فيها حوالي ثمانية أو تسعة أعضاء للمشاركة، تم اختيار أربعة منهم بالانتخاب، المجموعة الأخرى تم اختيارها بناء على اقتراحات من الوسيط الدولي وبعد التشاور مع أطراف ليبية أخرى، من ثم عرض النتائج علينا فرفضنا بعض الأسماء ووافقنا على بعضها الآخر.

المعيار الأساسي للرفض أو القبول بالنسبة لنا هو أن تحضر عناصر معتدلة ومتوازنة تؤيد الحوار والمصالحة ولم الشمل، ولديهم قناعة بان ليبيا لابد أن تخرج من حالة الحرب.

ألا تعتقد بأن الحوار يجب أن يكون مع الأطراف الاكثر تشدداً، وبالتالي الأكثر تاثيراً في تياراتهم؟

ج- المفاوضات دائماً تبدأ بالأسهل، سأشرح لك التصور العام المفترض لجلسة الحوار، حيث كان من المفترض أن تكون هناك طاولة رئيسية تضم أعضاءً من البرلمان، وأعضاء من المؤتمر بصفتهم الشخصية وليس الرسمية مع مجموعة من المجتمع المدني ككل مثل بعض رؤساء البلديات وممثلي المكونات الاجتماعية والثقافية الليبية يجتمعون بحضور أعضاء البرلمان كممثل للشرعية في ليبيا.

ولكن ما حدث بعد ذلك أن البرلمان أصدر بياناً يرفض فيه الحوار مع أعضاء المؤتمر، وذلك رداً على تبني المؤتمر لعملية الاعتداء على منطقة الهلال النفطي مؤخراً، والتي اعتبرها البرلمان تصعيداً عسكرياً أفسد كل محاولات الأطراف الساعية للحوار لإحلال السلم الأهلي.

وفي الحقيقة الأمور في ليبيا كانت تسير بشكل لا بأس به نحو التهدئة إلا أن التصعيد الذي حدث في المنطقة الوسطى زاد من عمق الشرخ بين الطرفين، وعليه نحن نذهب الآن إلى جنيف لنجلس في غرفتين منفصلتين، وسيكون الوسيط الدولي هو وسيلة الحوار بين الطرفين.

هناك من يقول بأن الثوابت الموضوعة لحوار جنيف ليست ثوابت بناء دولة وإنما ثوابت إيقاف حرب، شبيهة باتقاف الطائف الذي أوقف الحرب في لبنان ولكنه لم يبني الدولة؟

على العكس تماماً .. نحن لايمكن أن نضع وقف الحرب هدفاً للحوار، لأننا بذلك لم نضع حلاً للمشكلة، نحن نذهب للحوار لنؤسس السلم في ليبيا.

من أهم الثوابت التي نتفاوض عليها هو الاعتراف بشرعية البرلمان والذي عملياً أصبح تحصيل حاصل بعد الاعتراف الدولي الكامل بالبرلمان، سنركز أيضاً على قضايا تأسيسية للدولة منها مثلاً تشكيل حكومة شاملة، لأنه في المجتمعات المنقسمة مثل ليبيا جهوياً وقبلياً لا بد من حكومة تمثل جميع الناس.

نفاوض أيضاً على انسحاب المجموعات المسلحة من كافة المدن والمناطق السكنية والمطارات والمنافذ وتسليمها للجيش الليبي، ومن ناحية العمل المؤسسي نناقش موضوع صياغة الدستور وبعض القضايا الأخرى، كما لاحظتِ هذه كلها قضايا تأسيسية للدولة.

نحن نسعى لوجود حكومة شاملة وإنهاء مظاهر السلاح وعودة السلطة المركزية واحتكارها في البرلمان المنتخب ومعالجة بعض الاختناقات الأخرى.

تعرض منزلك في مدينة الزاوية منذ أيام للاعتداء والحرق.. هل تتهم أحدا بهذا العمل؟

أتهم ضيق الأفق وعدم الإدراك وعدم قبول الآخر ورفض التعددية، الثورات العربية فتحت مرحلة جديدة في التعامل المجتمعي هي القبول المتبادل، كل ما في الأمر أننا يجب أن نقبل بعضنا، لم يعد بالإمكان أن يحتكر السلطة طرف معين أو طائفة معينة أو حزب معين، المواطن العربي برأيي انطلق نحو المشاركة في الحياة العامة، وبالتالي علينا أن نتسلح جميعاً يمين ويسار إسلاميين وليبراليين وكل التنوع الموجود بالبلد يجب أن نتسلح بعقلية القبول المتبادل.

الاعتداء على منزلي من الناحية الإنسانية كان مؤلماً ومحزناً، وأحزنني كثيراً أن مكتبتي احترقت بالكامل، وتم الاعتداء على الأشياء الصغيرة الخاصة بزوجتي العزيزة والتي تعني لها الكثير، وكنت أتمنى ممن يخالفني في الرأي أن يرد علي بالحجة وينتقدني، لأن العنف لا يولد الا العنف والكراهية.

أنا كنت حريصاً على التعامل بعقلانية وتسامح حتى مع من اعتقلني في عهد القذافي، لأنني كنت أنظر للمستقبل ولا أسعى للانتقام، وحتى أولادي لم أحك لهم عن تجربتي في السجن حتى يحظوا بعلاقة منسجمة مع محيطهم الاجتماعي.

وأثناء الحملة الشرسة التي أتعرض لها طلبت من أبنائي أن لايردو على أحد ولا يهتمو لما ينشر على فيسبوك، لانها زوبعة وستنتهي وسيعلمون يوماً ما بأنني أسير في الاتجاه الصحيح.

ماذا كانت الرسالة من وراء الاعتداء برأيك؟

ماحصل كان نتيجة لحالة العداء غير المنطقية للبرلمان التي تتصاعد في المدينة، والتي أسس لها التيار الذي فشل في الانتخابات.

الزاوية مدينتي التي أحبها، وأتألم لكل الشباب الذين يموتون فيها، تمنيتهم أن يكونو ناس علم وثقافة ومسرح وسينما وأن يعيشو عصرهم، ولكن الروح الإسبارطية الموجودة داخل المدينة نعاني منها جميعاً، أتمنى أن تنتهي هذه الحالة ونصل إلى قناعة بأننا لا بد أن نتعايش.

أنا كنت قبل هجوم “فجر ليبيا” على منطقة السدرة أنوي القيام بزيارة لمدينة مصراتة، وأقنعت 20 عضواً من البرلمان بالذهاب معي، كنت أطمح فقط لإذابة الجليد بيننا ففي النهاية مصراتة مدينة ليبية وأهلها أخوتنا لايفرقنا شيء.

وقد أعلمت بهذه المبادرة السيد ليون وبعض الأصدقاء من مصراتة، ولكن بعد الهجوم على الهلال النفطي أصبح الامر فيه صعوبة، وإن كنت لاأزال محتفظاً بالفكرة إلا أن هجوم السدرة ضيع علينا فرصة في كسر الجمود الحاصل بين الليبيين.

بعد معارك الهلال النفطي هل تعتقد أن الأمور خرجت عن السيطرة في ليبيا؟

ربما من الصعب القول بأنها خرجت عن السيطرة، ولكن أستطيع القول بأن هناك مخاوف حقيقية تهدد البلد، الكيان الوطني الليبي أصبح في خطر، مؤسسات الدولة بدأت تتفكك فعلاً وتنقسم عمودياً، وأيضا أصوات الجهوية أصبحت تعلو بشكل متزايد مع ارتفاع وتيرة المعارك، وهناك بعض الأطراف الدولية تستنيم هذه الحالة وتعززها.

من المؤسف جداً أن الكيان الذي استلمناه من أجدادنا ربما يصبح حلماً للجيل الجديد، لازلنا نقاوم ولازال وجود البرلمان في طبرق بحضور الأعضاء عن المنطقة الغربية يمنع الكارثة، ولكن الواقع أن هناك تهديداً للكيان الوطني قد يستدعي لا سمح الله وجوداً أجنبياً في ليبيا.