اختار حزب نداء تونس الفائز في الانتخابات التشريعية التونسية السياسي المخضرم السيد الحبيب الصيد ليشكل الحكومة الجديدة.

اختيار الصيد الذي عمل زمن بن علي وبعد الثورة، أثار عديد التساؤلات حول شكل الحكومة القادمة، وبالأخص حول أهم التحديات المطروحة أمامها، للخروج من الوضع الحالي والانطلاق في مرحلة الاستقرار السياسي الذي طال انتظاره.

اختار حزب نداء تونس الفائز في الانتخابات التشريعية التونسية السياسي المخضرم السيد الحبيب الصيد ليشكل الحكومة الجديدة.

اختيار الصيد الذي عمل زمن بن علي وبعد الثورة، أثار عديد التساؤلات حول شكل الحكومة القادمة، وبالأخص حول أهم التحديات المطروحة أمامها، للخروج من الوضع الحالي والانطلاق في مرحلة الاستقرار السياسي الذي طال انتظاره.

بحكم موقعه المستقل، والذي يجنّبه عديد الضغوطات الحزبية، فان الصيد مطالب قبل كل شيء بانجاز التحدّي الاول وهو تنقية المناخ السياسي وخلق حالة وفاق وطني حول ملفات كُبرى، تلتقي حولها الأحزاب والقوى السياسية بغضّ النظّر عن خلافاتها، وتمكين كل القوى من المشاركة سواء من خلال المقترحات أو من خلال المشاورات وحتى المشاركة في الحكومة القادمة.

إن إيجاد أرضية تفاهم بين القوى السياسية وترسيخ حدّ أدنى من الثقة فيما بينها وبين الحكومة، وحده الكفيل بتجنيب البلاد هزّات اجتماعية ووحده أيضا الكفيل بانسيابية القوانين وتسهيل التشريعات التي ستحتاجها الحكومة خلال انجاز باقي المهام المطروحة عليها.

التوافق السياسي

ينتظر تونسيون كثر من رئيس الحكومة المكلّف أن يكون عامل توافق بين مختلف القوى السياسية وأن يسعى بدءا من المشاورات ومرورا بالتشكيلة وانتهاء ببداية الحُكم إلى أن يكون على المسافة نفسها من الجميع.

ويبدو أن المهمة لن تكون صعبة على الرجل، خاصة وأن أكبر الكتل البرلمانية وهي  نداء تونس (وسط)، وحركة النهضة (يمين)، والاتحاد الوطني الحر (وسط) قد اختارت المشاركة في حكومة الصيد.

وحسب الملامح الأولية فإن المعارضة النشيطة قد تنحصر في الجبهة الشعبية (يسار) وبعض التيارات الصغيرة التي لا تشكل قوّة تعطيل في البرلمان ولا في الشارع.

اجتماعيا، يجد السيد الحبيب الصيد نفسه في مواجهة تحدّ آخر لا يقل أهمية، وهو تحديّ السلم الاجتماعي، حيث يدخل الرجل سباق تشكيل الحكومة في مناخ اجتماعي متململ وفي عملية مفاوضات متعثرة بين اتحاد الشغل والقوى النقابية الأخرى من جهة، والتي تطالب جميعها بحسم مسالة الزيادات في الاجور والترقيات والمنح وغيرها من المطالب، وبين حكومة السيد مهدي جمعة قبل ان تغادر.

وتسعى حكومة التكنوقراط التي يقودها جمعة إلى ترحيل كل الملفات وتأجيل كل الاتفاقات إلى الحكومة القادمة. وهو ما سيخلق بلا شك عقبة كُبرى أمام الحكومة القادمة التي ستواجه بسيل من المطالب وكمية كبرى من الملفات.

وقد تواجه الحكومة في أولى أيامها سلسلة من التحركات الاحتجاجية والاضرابات، إذا لم تبادر الحكومة منذ البدء إلى اطلاق مشروع سياسي/اجتماعي بهدف تكريس التنمية والتشغيل والحد من ارتفاع الاسعار وتحسين وضعية المفقّرين والطبقات الضعيفة.

التحدي الأمني

التحدي الآخر الذي لا يقل أهمية وتأثيراً، والذي يتطلب استراتيجية واضحة وامكانات كبيرة، هو التحدّي الامني، وهو الذي شكّل هاجساً لكل المواطنين وللدولة، منذ أكثر من ثلاث سنوات.

السيد الحبيب الصيد مطالب اليوم بتفعيل آليات التنسيق بين مختلف الاجهزة الامنية وخلق مزيد من غرف العمليات المشتركة بين الشرطة والحرس والجيش الوطني وفرق مكافحة الإرهاب وغيرها، وتمكينها من كل الوسائل التي توفّر لها انسيابية في المعلومة وسرعة في التحرّك، واستشعار للاخطار القادمة قبل حدوثها.

ويزيد التحدي الأمني مع تنامي التهديدات الارهابية لتونس. وهو ما يستدعي دعم قدرة العمل الاستخباري الداخلي والخارجي في رصد الخطر، خاصة وان الساحة الليبية لازالت زلقة وتهدد في كل مرة بتصدير الارهاب الى داخل تونس، وهو ما يجعل من عملية الإصلاح الأمني غاية في الدقّة وفي الحساسية، نظرا لارتباطها المباشر بسائر القطاعات الأخرى وتأثيرها على كل مجالات الحياة في البلاد.

ويبدو أن الصيد قد ينجح في هذا الملف، خاصة وأن قانون الارهاب لن يجد بعد اليوم نفس المعارضة التي لقيها مع المجلس التأسيسي والتي عطلت صدوره منذ أكثر من سنة.

التحدي الاقتصادي

أما التحدي الاخر، فهو تحدي الاقتصاد، الذي شكّل منذ أربع سنوات تقريبا عامل قلق لكل الفئات من التونسيين، وحتى لشركاء تونس في الخارج، والذي شهد عديد الهزات، التي كادت في كل مرة ان تودي به الى الانهيار والعجز.

المطلب الملح اليوم أمام حكومة حبيب الصيد هو توفير ما يسمى بطمأنة شاملة للفاعلين الاقتصاديين من بنوك ومستثمرين ومؤسسات مالية، حتى يعودوا الى سالف نشاطهم، ويوفّروا للدولة السيولة الكافية التي تخرجها من الوضعية الحرجة التي تعيشها منذ فترة والتي تتراوح بين عجز عن السداد وبين تقلص شديد لاحتياطي العملة الصعبة، وصعوبة في الاقتراض، وعجز في عديد البنوك التي تتطلب انقاذا عاجلا.

واضافة الى مسألة ضرورة ضخ سيولة في خزينة الدولة، فان الصيد مطالب ايضا بإيلاء مسألة الاستثمار الخارجي، وبالتعاون مع رئاسة الجمهورية والبرلمان والقطاع الخاص، وبطرح اصلاحات جذرية وعميقة في مختلف القطاعات الاقتصادية، سواء من ناحية كلفة الانتاج أو الأداءات وحتى البنية الأساسية ومسالك التوزيع وغيرها من العمليات التي تشهد منذ سنوات تعطيلا كبيرا أدى الى عجز تام في نسبة منها وتدهور كبير في النسبة الباقية.

ولا شك ان الاصلاح الاقتصادي سينجر عنه اصلاح أيضا في مناويل التنمية وفي استراتيجية التشغيل والاستثمار وطرق التبادل والتجارة وغيرها من الاصلاحات، الكفيلة وحدها بضمان الامن الاقتصادي للبلاد وبتوفير نسبة من الرخاء الذي طال انتظاره.

هذه تقريبا أهم التحديات التي تواجه رئيس الحكومة المكلف الحبيب الصيد، والتي قد يجد لها حلولا إذا ما استطاع أن يجد أرضية وئام وتوافق بين جميع الاطراف، وقد يفشل فيها أو في البعض منها إذا اختار ان يواصل في نفس سياسة الترقيع التي اعتمدها سابقوه.