لم يبق الكثير من الوقت للمرشحين الباجي قائد السبسي (رئيس حزب نداء تونس الموصوف بالليبرالي) والمنصف المرزوقي (الرئيس المؤقت الحالي وحليف حركة النهضة الاسلامية) لرسم الصورة الاخيرة التي تبقى راسخة في أذهان من يتوجهون يوم الأحد، 21 من الشهر الجاري، للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية تشهدها البلاد، منذ الاطاحة بالرئيس السابق بن علي.

لم يبق الكثير من الوقت للمرشحين الباجي قائد السبسي (رئيس حزب نداء تونس الموصوف بالليبرالي) والمنصف المرزوقي (الرئيس المؤقت الحالي وحليف حركة النهضة الاسلامية) لرسم الصورة الاخيرة التي تبقى راسخة في أذهان من يتوجهون يوم الأحد، 21 من الشهر الجاري، للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية تشهدها البلاد، منذ الاطاحة بالرئيس السابق بن علي.

ومع اقتراب نهاية السباق ركز كل من المرشحين على الصورة التي ما فتئت تلعب دور المحمل السياسي الاكثر رسوخا. الباجي قايد السبسي حاول أن يرسم في ذهن التونسيين صورة تكاد تكون ثابتة ونمطية للتعبير عما أسماه بـ”هيبة الدولة”. إذ يحرص السبسي على الظهور الانيق ويكاد يكون من خلال البدلة السوداء وربطة العنق الحمراء والنظارات ذات الاطار الاسود، صورة عن الزعيم بورقيبة، أول رئيس لتونس، والذي يدين له التونسيون باعتباره مؤسس الجمهورية.

ويقف السبسي خاشعا على ضريح بورقيبة، ليستعير تاريخه وهيئته وخطابه وحتى أسلوبه، بما يغرس في الذاكرة الجمعية صورة الزعيم الخالد الذي لايموت وان مات فانه يتواصل في شخص مطابق لمواصفاته ووريثا لكل مزاياه وتاريخه، هو الباجي قائد السبسي.

وتكاد الصورة تتطابق عندما يضع السبسي نظارات بورقيبة السوداء العريضة التي تجعل هذا التداخل في الاذهان ملموسا أكثر، وقريبا أكثر من ذكريات الشعب عن مؤسس الدولة الحديثة وقائد معركة الاستقلال وبناء الوطن والتنمية.

لكن المحمول الدلالي للصور يتناقض أحيانا مع الصورة النمطية لبورقيبة الذي حارب الزوايا الدينية واعتبرها رمزا للتخلف. من ذلك صورته في ضريح الولي الصالح سيدي بلحسن الشاذلي، خاشعا.

ولعل الصورة الأكثر رسوخا في الأذهان هي تلك التي واكبت حضوره في إحدى المقاهي الشبابية وتفاعله بالغناء والتصفيق مع أغنية الراب الشهيرة حوماني (أغنية شبابية حققت أعلى نسب مشاهدة على الانترنيت).

لقد حاول السبسي  توجيه رسائل عديدة، أولها إلى الفئة الشبابية التي رافقته وغنّى معها، والتي أراد أن يعلمها أنه رغم فارق السن بينه وبينها والذي قد يتجاوز الستة عقود إلا أنه يعي جيدا اهتماماتها ويواكب أذواقها ويتفاعل مع ما تتوق اليه وما تترنّم به ذاكرتها الغضّة التي لم تعش ربما معارك الاستقلال  وبناء الدولة مثله لكنها عاشت الثورة وتعيش الآن عصر الراب وعصر الميديا وعصر البحث عن الصورة النمطية الجامعة، والقدوة التي يرغبون في التجمّع حولها وخلق رمز وقائد يجسّدها في أذهانهم.

المرزوقي بدوره لم يتخلف عن سباق الصورة، ولعل آخر صورة كانت لفتاة تلبسه ربطة عنقٍ لطالما رفض ارتداءها في تدليل على لانمطيته وتمرده على المعتاد والقيود.

رحلة المرزوقي مع الزي الخارج عن البروتوكول لا تقف عند حد ربطة العنق، فصور اخرى له تبديه في “برنس” حينا وفي “قشابية” (لباس تقليدي تونسي) حينا آخر، في تشبّث بهذه الصورة التي ترسمه في أذهان المتلقي، حريصا على رمزية هذين العنصرين.

فالبرنس، أو البرنوس هو إشارة واضحة الى أصله الجنوبي وانتمائه القبلي إلى المرازيق الذين اشتهروا بلبس البرنس شتاء، ولحاف الرأس الذي يغطي جزءا كبيرا من الوجه صيفا. أما القشابية، بربرية الأصل، التي ترمز إلى موروث أمازيغي لازال يعتبر اللباس الأول في الشمال شتاء، ويعتبر الحامي والواقي والأكثر شعبية ودفئا.

والمرزوقي يبدو في سباق الصورة حريصا على تنويع زيه والتأكيد على صورته التي رسخت في أذهان التونسيين طيلة فترة حكمه، أكثر من حرصه على تبليغ مواقف سياسية أو برنامجا انتخابيا.

لقد حاول المرزوقي من خلال الصورة بربطة العنق وبدون سُترة، والتي أظهرته قريبا جدا من صورة أوباما، أن يظهر بمظهر الجنوبي الأسمر الأنيق في بساطة والحريص على المظهر اللائق غير المُكلف.

لكن منتقدي المرزوقي يقولون إنه بدا من خلال هذا التغير الجذري من البرنس والقشابية إلى ربطة العنق، مهزوزا وممزقا بين صورة المناضل الحقوقي البسيط والسياسي ابن الطبقات الشعبية، وبين صورة رجل الدولة، الأمر الذي أسقطه في محاكاة منافسه الباجي قايد السبسي.

وبدل أن يعمل المرزوقي على نحت صورة خاصة له تتفوق على صورة المنافس وتتمايز عنه، اعتمد على ما اعتقده نقاط ضعف في خصمه، مثل موضوع التقدم في السن والوضع الصحي للمنافس، وهو ما يفسر حرصه على ترويج صورة له وهو بصدد لعب مباراة في كرة القدم لإبراز أنه أكثر شباب وصحة من منافسه كبير السن.

وهذه الصور العديدة قد تكون لها مزايا الارتسام في أذهان الناس وخصوصا في مخيال الذاهبين الى التصويت يوم الأحد، لكنها بالتأكيد  قد تخلق تداخلا نظرا لتنوعها وكثرتها، حيث لم يثبت أحد المترشحين على صورة واحدة يرسّخها ويرسمها في ذهن الناخب، بل اعتمد كلاهما على عدة صور، حاولا أن يختزلا في داخلها مختلف ما يتوقان اليه أو ما يمثلانه أو ما يرمزان إليه.

ويبدو أن الصورتين الأكثر شيوعا الآن بين أنصار المترشحين وفي وسائل الاعلام وحتى في المخيال الشعبي هما صورة المرزوقي وهو يرتدي ربطة عنق فوق الركح، كبادرة رئاسية جديدة لم يتعود الظهور بها سابقا، وصورة الباجي وهو يغني الرّاب، كمثال يجسّد الرغبة في استجلاب الشباب والاجيال الصاعدة.