على بعد خطوات من قسم الاستقبال بمستشفى كفر الدوار العام بمحافظة البحيرة شمال القاهرة، فوجئ الأهالي بسيدة حامل تصرخ من الألم، بعدما فاجأتها آلام الولادة وأحاق بها المخاض. كانت لحظات عسيرة، طلب أحد المارة إدخال السيدة للمستشفى، لكن الإجابة كانت صادمة، فإدارة المستشفى هي من طلبت منها الذهاب إلى مستشفى الشاطبي بالإسكندرية “لأن الحالة صعبة وتتطلب تدخلاً جراحياً”.

على بعد خطوات من قسم الاستقبال بمستشفى كفر الدوار العام بمحافظة البحيرة شمال القاهرة، فوجئ الأهالي بسيدة حامل تصرخ من الألم، بعدما فاجأتها آلام الولادة وأحاق بها المخاض. كانت لحظات عسيرة، طلب أحد المارة إدخال السيدة للمستشفى، لكن الإجابة كانت صادمة، فإدارة المستشفى هي من طلبت منها الذهاب إلى مستشفى الشاطبي بالإسكندرية “لأن الحالة صعبة وتتطلب تدخلاً جراحياً”.

صرخات السيدة- التي ساقتها قدماها للمستشفى في يوم الجمعة 10 تشرين أول/أكتوبر الماضي- لم تدم طويلاً فلم تمر دقائق حتى بدأت تضع مولودها بصورة طبيعية أمام المستشفى بعدما ساعدتها ممرضتان على إنزال الطفل بعد أن ستراها ببعض البطانيات. الطفل ولد سليما، لكن الولادة أدت إلى إصابة الآم بشرخ في الرحم إلى الشرج، نتيجة الولادة في وضع خاطئ (وقوفاً).

الواقعة أثارت الغضب في أوساط الشارع البحراوي بعدما حمّلت أسرة السيدة المستشفى المسؤولية، لرفضها  إدخال الحالة إلى قسم الطوارئ والإصرار على مغادرة المستشفى قبل أن يأتيها المخاض، وفقا لرواية المستشفى. ثم أخذت الحادثة بعدا جديدا بعدما نشر أحد النشطاء فيديو على موقع “يوتيوب” تظهر فيها صورالواقعة، فيما قام آخرون بتقديم بلاغات تتهم المستشفى بالإهمال في علاج حالات أخرى.

صرخات وآلام

أُلفت عبدالواحد والتي لاتزال في العشرينيات من عمرها قصدت مستشفى كفر الدوار لتضع مولودها بعدما فشل زوجها بتحمل تكاليف العيادات الخاصة “في يوم الجمعة 10 أكتوبر ‘تشرين الأول’ الماضي، ذهبت مع زوجي الذي يعمل محامي، لمستشفى كفر الدوار العام، بعدما اشتدت آلام الولادة، وصعدنا لقسم أمراض النساء، وطلب منا احد الموظفين الانتظار أمام القسم لحين وصول الطبيب المناوب، خاصة أنه لا يوجد سوى طبيب واحد في المستشفى، ويقوم بإجراء عملية قيصرية بقسم الجراحة لإحدى السيدات” قالت ألفت لمراسلون مضيفةً 

 “لكن أمام الصرخات والآلم الذي كنت أعانيه سمح الموظف لي بالدخول إلى القسم والتمدد على أحد الأسرة، وعندها تركني زوجي وأسرع للبحث عن الطبيب، في أروقة المستشفى والذي كان يبدو أنه في يوم أجازته”.

رحلة البحث عن الطبيب

أحمد عبدالفتاح عمر، زوج السيدة ألفت الذي يعمل محاميا، يلتقط حبل الحديث ويروي أنه أسرع كالمجنون يبحث عن الطبيب في كل أقسام المستشفى، متأثرا بصراخ زوجته، لكنه كان كمن يبحث عن إبرة وسط كومة من التراب، فكلما دخل إلى أحد الأقسام كان المرضى يخبرونه بأنه لا يوجد طبيب وأنهم أنفسهم يبحثون عمن يساعدهم في تخفيف معاناتهم.

بعد نصف ساعة من رحلة البحث، حضر الطبيب وقام بالكشف على السيدة ألفت، وكان تشخيصه هو أن “الحالة صعبة ومش هتولد هنا، شوف عربية ووديها مستشفى الشاطبي”، فطلب منه الزوج خطاب تحويل لمستشفى الشاطبي، وهو ما رفضه الطبيب قائلا “إذهبوا إلى المستشفى كأنكم جايين من البيت عليهم مباشرة”.

كلمات الطبيب وإصراره على مغادرة الحالة للمستشفى أثارت الريبة في نفوس مرافقي “ألفت”، لكن انينها جعل من زوجها يهرع لإحضار سيارة تقله إلى مستشفى الشاطبي- التي تبعد عن المستشفى قرابة 20 كيلو متر- متناسياً كل المعاناة التي يتعرض لها وزوجته، فقد انصب كل تفكيره في كيف تتوقف صرخات زوجته. حتى اضطر في النهاية إلى أخذها خارج المستشفى، ووقع ما وقع.

“رفضت تنفيذ التعليمات”

إزاء حالة الاستياء والغضب الذي عم الشارع البحراوي، خاصة بعد انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للواقعة، قررت المستشفى الدفاع عن نفسها، فألقت بالاتهامات على السيدة مؤكدة أنها رفضت تنفيذ تعليمات الطبيب المختص، وغادرت المستشفى.

المستشفى أصدرت بياناً جاء فيه إن “الطبيب المعالج نصح السيدة بأن تتحرك داخل قسم الولادة، وأنها فوجئت بآلام الولادة أمام قسم الاستقبال والطوارئ، وطلب الفريق الطبي دخول السيدة لقسم الاستقبال والطوارئ، إلا أن المرافقين لها رفضوا رغم وجود الفريق الطبي الذي قام بعملية الولادة في نفس المكان تحت ساتر البطاطين، ثم وافق المرافقون على دخولها الاستقبال، لاستكمال عملية الولادة”.

الفيديو يناقض بيان المستشفى

أمام هذا الإصرار من قبل المستشفى على عدم الاعتراف بالخطأ نشر أحد المواطنون مقطع فيديو على شبكة الإنترنت تظهر فيه تفاصيل الواقعة حمل عنوان “دليل كذب أطباء مستشفى كفر الدوار” ظهرت فيه “ألفت” في الشارع أمام المستشفى، وليست في المستشفى كما ذكر بيان إدارتها، كما يُظهر الفيديو إحدى السيدات وهي تقول إن الطبيب أخبرهم أنه لا يوجد ولادة قيصرية بالمستشفى، وأنها ستذهب لمستشفى الشاطبي بالإسكندرية، ثم يظهر زوجها وهو يحضر “ترولي” المستشفى لتجلس عليه وهى تتألم، أثناء انتظار سيارة أجرة تقلهم إلى  الشاطبي.

الأطباء يتضامنون

واحتجاجا على الواقعة نظم نشطاء بمدينة كفر الدوار في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي وقفة احتجاجية أمام المستشفى التي شهدت الواقعة، طالبوا خلالها بإقالة وزير الصحة، متهمينه بالإهمال والفساد الإداري مع إدارة المستشفى وتقصيرهم في عملهم، ما يمثل خطورة على حياتهم، كما تقدم ثلاث أطباء من العاملين بقسم العناية المركزة بالمستشفى، ببلاغ إلى النيابة الإدارية، ضد إدارة المستشفى اتهموها بالإهمال والفساد الإداري.

واتهم الأطباء الثلاثة في بلاغهم إدارة المستشفى بالإهمال وعدم تعيين إخصائي بقسم العناية المركزة بالمستشفى منذ عشرة اشهر، إضافة إلى أن رئيس القسم كان طبيبا مقيما خبرته في العناية المركزة لا تتعدى الخمسة أشهر، كما أن استشاري العناية المركزة طبيب متعاقد على العمل فقط أربعة أيام في الأسبوع، ما يؤكد أن القسم يظل بدون مسؤول لمدة ثلاثة أيام كل اسبوع.

بلاغ الأطباء كشف عن وجود تصدعات وشروخ في مبنى المستشفى أيضا، حيث أوصت لجنة من كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية بعد معاينتها المكان على إزالة البناء، ورغم ذلك قررت إدارة المستشفى استمرار العمل به.

بلاغات جديدة

واقعة السيدة “ألفت” ليست فريدة، فقد تقدم زوجان آخران ببلاغين ضد المستشفى، اتهموا فيه إدارتها بالإهمال في التعامل مع حالات ولادة سابقة .

البلاغ الأول كان باسم السيدة رشا محمود عبدالحميد، والتي قالت فيه إنها دخلت المستشفى، يوم 20 أيلول/سبتمبر، وأجريت ولادة قيصرية، ولكن الطبيب لم ينظف مكان العملية جيداً، ما سبب لها آلاما مبرحة، أدت إلى إنتفاخ في البطن وخروج صديد من مكان الجرح.

أما البلاغ الثاني فكان من السيدة فتحية غازي صالح، والتي شاء حظها العاثر أيضا أن تجري عملية ولادة قيصرية بالمستشفى، لكن إهمال الأطباء دفعها لتقديم بلاغ ضد الإدارة، قالت عنه “دخلت المستشفى، يوم الجمعة 19 سبتمبر ‘أيلول’ الماضي لإجراء عملية، وقام الطبيب بإجرائها لكنه لم ينظف مكان الجرح وأجرى خياطة لمكان العملية، وبعد خروجي من المستشفى بيومين، اشتدت الآلام، وعندما عدت للطبيب رفض تحمل المسؤولية، وطالبني بالعودة للمستشفى وهناك قامت طبيبة أخرى بإعادة فتح الجرح وتنظيفه وإعادة خياطته مرة أخرى”.

النيابة تحقق

محافظ البحيرة اللواء مصطفى هدهود، قرر إحالة  طبيبا النساء والتوليد بمستشفى كفر الدوار العام، للنيابة الإدارية للتحقيق في واقعة السيدة ألفت وتحديد المخطئ، وتوقيع الجزاءات اللازمة في حالة ثبوت أخطاء عليهما وعلى الأطباء المتواجدين بالمستشفى وقت حدوث الواقعة.

الدكتور محمد نعمة الله، وكيل وزارة الصحة، أكد أن واقعة ولادة السيدة التي حدثت بالقرب من المستشفى، محل تحقيق من قبل النيابة الإدارية، وهي من ستقرر ما إذا كان هناك خطأ من عدمه”.

“نعمة الله” أكد أن طبيب المستشفى لا يستطيع إجراء عملية الولادة خارج غرف المستشفى تحت أي ظرف، لأنه في هذه الحالة سيتعرض للعقاب بتهمة هتك عرض سيدة.

“أرواحنا بلا ثمن”

بينما تواصل النيابة الإدارية عملها في التحقيق مع مسئولي المستشفى، وقفت السيدة “ألفت” تتحسر على ما آلت إليه حالة البلاد من إهمال، وصل إلى عقاب المرضى على مرضهم، من قبل أطباء أرغموا على العمل في المستشفيات الحكومية دون رغبتهم، فقرروا عقاب المرضى البسطاء بالإهمال.

“ألفت” قالت بحسرة إن أرواح الناس أصبحت بلا ثمن، وإن حياة الفقراء ستظل رخيصة طالما ساد الإهمال، فلطالما سمعت عن فساد المستشفيات وأخطاء الأطباء، لكن التجربة التي عاشتها كانت خير دليل على ذلك.