بعد صدور حكم الدائرة الدستورية بشأن الفقرة 11 من المادة 30 والتعديل السابع للإعلان الدستوري، والذي قضى بحل مجلس النواب الليبي المنتخب، ارتفعت أصوات مرحبة بالحكم، فيما صدحت الأخرى برفضه بشكل تام بحجة أن الحكم صدر تحت ضغوطات مارستها جهات سياسية وحزبية في طرابلس على الدائرة الدستورية.

مجلس النواب أيضا قابل هذا الحكم بالرفض لذات الأسباب، مؤكداً على أنه سيواصل عقد جلساته وممارسة مهامه مع الحكومة المؤقتة في طبرق، معلقاً أن قرار المحكمة “لا قيمة له”.

بعد صدور حكم الدائرة الدستورية بشأن الفقرة 11 من المادة 30 والتعديل السابع للإعلان الدستوري، والذي قضى بحل مجلس النواب الليبي المنتخب، ارتفعت أصوات مرحبة بالحكم، فيما صدحت الأخرى برفضه بشكل تام بحجة أن الحكم صدر تحت ضغوطات مارستها جهات سياسية وحزبية في طرابلس على الدائرة الدستورية.

مجلس النواب أيضا قابل هذا الحكم بالرفض لذات الأسباب، مؤكداً على أنه سيواصل عقد جلساته وممارسة مهامه مع الحكومة المؤقتة في طبرق، معلقاً أن قرار المحكمة “لا قيمة له”.

وحتى صف القانونيين في البلاد انقسم على نفسه في تفسير منطوق الحكم، وهي المسألة التي ساهمت بشكل كبير في تشتيت الرأي العام، وجعلت كلاً يؤيد التفسير القانوني الذي يناسب هواه ويفضي إلى مراده.

ولمحاولة فهم حيثيات القضية واللغط القانوني المثار حولها، يلتقي “مراسلون” الأستاذ الجامعي والمحامي سعد بشير الرفادي، المخول بالمرافعة أمام المحكمة العليا بموجب قانون المحاماة الليبي، وهو صاحب خمسة مؤلفات قانونية وخبرة تزيد عن أربعين سنة في مجال المحاماة.

س- كيف توجز لنا تاريخ المحكمة العليا الليبية؟

ج- المحكمة العليا هي أعلى هرم الهيئات القضائية في أي نظام كان، ومعمول بها دولياً ومعروفة في الأنظمة اللاتينية والأنجلو سكسونية.

المحكمة العليا الليبية تتبعها جميع المحاكم الأدنى منها درجة، أُنشئت في 10 -11- 1953 ، وقد تناوب على رئاستها أكثر من رئيس، منهم إنجليز وأمريكان ومصريون، وكان أول رئيس محكمة المستشار محمد صابر العقاري في عام 1953.

قبل ثورة فبراير كان رئيسها عبدالرحمن بوتوتة، وبعد فبراير المستشار كمال ادهان الذي فصل في قضية رئيس الوزراء أحمد امعيتيق الشهيرة، ولا يوجد للمحكمة العليا مقر ثابت ومعروف فقد هُدم مقرها بعد انقلاب 69.

س- كيف استقبلت كمختص في القانون حكم المحكمة العليا الأخير بشأن البرلمان؟

ج- الحكم من وجهة نظري كان معيباً وغير واضح، إذ أن منطوق الحكم كان بشأن الفقرة 11 من المادة 30 التعديل السابع في الإعلان الدستوري، والذي وُضع من قِبل لجنة مقترحات فبراير المكونة من 6 أعضاء من المؤتمر الوطني، و 9 من خارج المؤتمر الوطني العام برئاسة الأستاذ الدكتور الكوني عبودة، ونحن هنا أمام مقترحات ولسنا أمام نص دستوري أو تعديل دستوري، إنها مجرد مقترحات ضُمِّنت ضمن المادة 30 للإعلان الدستوري.

س- هل يعني ذلك أن التضمين أعطى المقترحات الصبغة التشريعية والقانونية وأصبحت بمثابة دستور ؟

ج- إنها فبركة خطيرة، ويبدو أنها انطلت على المؤتمر الوطني العام، وكنت قد انتقدت ذلك في حينه، وقلت من أنتم يا لجنة فبراير، ووصفتهم بأنهم قفزوا على الدستور في وجود المؤتمر الوطني العام – الجهة التشريعية الوحيدة آنذاك – وهو إحدى السلطات الثلاث في البلاد، فلم يكن من المعقول أو القانوني أن يتعامل مع مقترحات لجنة على أنها دستور.

س- ولكن كما تعلم جاءت لجنة فبراير لوضع مقترحات تخرج المؤتمر من المأزق الذي وقع فيه عقب الضغط الشعبي المتواصل في الشوارع والميادين المطالب برحيله والانتقال إلى مرحلة جديدة؟

ج- نعم هذا واضح، لكن كانت هناك نوايا مسبقة بالمماطلة والهروب إلى الأمام  من قبل كتل أو مجموعات حزبية داخل المؤتمر، وظهرت النوايا عقب إعلان لجنة فبراير أن يتم انتخاب رئيس الدولة مباشرة من القاعدة الشعبية، وهذا ما عارضه أعضاء من  المؤتمر، ما دعى المؤتمر إلى إحالة الموضوع إلى البرلمان المنتخب والذي في أولى جلساته بمدينة طبرق قرر أن يكون انتخاب رئيس الدولة من القاعدة الشعبية مباشرة.

بالإضافة إلى أن بعض الجماعات المصلحية لم تحظ بنصيب وافر من المقاعد داخل البرلمان المنتخب الذي حل محل المؤتمر الوطني، كل ذلك من وجهة نظري أدى إلى وضع العصي في دواليب البرلمان عبر الطعون والقضايا المرفوعة أمام المحكمة الدستورية.  

س- بالعودة إلى حكم الدائرة الدستورية ما هي أوجه الخلل في الحكم بالتحديد؟

ج- الحكم لم يكن موفقاً أولا لأنه ليس من اختصاص المحكمة العليا بل من اختصاص الدائرة الإدارية، وكان يفترض أن يكون منطوق الحكم يقبل الطعن من حيث الشكل، ويرفض من حيث الموضوع وذلك بعدم اختصاص المحكمة “ولائيا”، وأن ما أصدرته المحكمة من حكم هو تعديل دستوري وليس حكماً قضائياً وهذا مخالف لاختصاصاتها، ولأن الطعن المقدم من النواب المنشقين عن مجلس النواب وتغيبوا عن جلساته قصداً لم يكن منصباً على تشريع بل مقترحات.

س- علمنا من مصادر إعلامية وأخرى مقربة للبرلمان أن هناك ثلاثة قضاة مستشارين من الدائرة الدستورية فروا من طرابلس إلى طبرق ، ألا يُعد هذا أمراً مريباً؟

ج- إذا صح ذلك، فعلى المستشارين الفارين تقديم إفاداتهم لوسائل الإعلام أو أمام البرلمان في طبرق، لتوضيح ملابسات الحكم ولماذا فروا، وهل تعرضوا لضغوطات أو تهديدات ما، ولو افترضنا جدلاً حدوث ضغوطات؛ فإن الحكم يعتبر صدر بالإكراه.

أيضا هناك مسألة مهمة جداً لم تنتبه لها المحكمة العليا، وهي غياب ثلاثة قضاة عن الجلسة التي تم النطق فيها بالحكم، وهذا يعتبر حكماً منعدما طبقا للقانون، لأن الوضع الطبيعي هو أن تقوم الجمعية العمومية بالمحكمة العليا باستبدال المتغيبين أو المنسحبين بآخرين.

وما يدعم شكوكنا حول الظروف التي أقيمت فيها الجلسة هو أنه أثناء نطق القاضي بالحكم سمعنا من يكبر خارج المحكمة ويهلل بالقرار، معنى ذلك أن الحكم قد تسرب قبل النطق به.

س- ما هي الآلية القانونية التي عبرها يتم الطعن في الانتخابات البرلمانية؟

ج- الطعن في الانتخابات تم في القانون المنظم لها وهو قانون (10) 2014، ومن قام بذلك هو المحامي عبدالمجيد الميت لكنه تراجع وسحب الطعن، بهذا فإنه لا يمكن الطعن لاحقاً في الانتخابات مهما كانت الأسباب نظراً لاستيفاء المدة القانونية للطعن والمحددة بـ 60 يوماً من تاريخ صدور القانون.

س- برأيك كيف يجب أن يكون موقف البرلمان الليبي بعد صدور الحكم؟

ج- من وجهة نظري أن البرلمان جسم شرعي معترف به دولياً، ويجب على الليبيين الالتفاف حوله، وأما بخصوص الحكم الصادر؛ فيجب أن يطلب من الدائرة الدستورية تصحيح وتفسير منطوق الحكم وفقاً لنص المادة 290 من قانون المرافعات وتصحيح الأحكام وتفسيرها.

إذ أن منطوق الحكم كان معيباً مم أدى إلى تفسير وفهم خاطئين، فكل مواطن أصبح يفسره على هواه، وحتى بعض وسائل الإعلام تداولت كلمة حل البرلمان التي لم تكن واضحة في منطوق الحكم، يجب أن يكون حكماً باتاً ونهائياً واضحاً ومفسراً، بعد ذلك من حق البرلمان تحريك دعوة قضائية جديدة في إحدى المحاكم الدولية والمحكمة الأفريقية.