اللهث وراء جمع التزكيات أصبح هاجس كل من رغب في الترشح للانتخابات الرئاسية. وبات المشهد مألوفاً في شوارع تونس، كما في المجلس الوطني التأسيسي الذي صار وجهة وقبلة العديد من الشخصيات المعروفة وغير المعروفة، التي جاءت تلتمس من النواب أن تزكيها، وتدعي بأن لها برنامجاً انتخابياً يلبي تطلعات الشعب.

اللهث وراء جمع التزكيات أصبح هاجس كل من رغب في الترشح للانتخابات الرئاسية. وبات المشهد مألوفاً في شوارع تونس، كما في المجلس الوطني التأسيسي الذي صار وجهة وقبلة العديد من الشخصيات المعروفة وغير المعروفة، التي جاءت تلتمس من النواب أن تزكيها، وتدعي بأن لها برنامجاً انتخابياً يلبي تطلعات الشعب.

هذا السباق الماراثوني، شهدته تونس على إثر الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها يوم 23 نوفمبر/تشرين ثان 2014. ويشترط  قانون الانتخابات في تونس أن يحصل المترشح على تزكية للانتخابات الرئاسية من 10 نواب من مجلس الشعب على الأقل، أو جمع عشرة آلاف توقيع من الناخبين.

طيلة الأيام الماضية التي سبقت آخر موعد لتقديم الترشحات نشطت “سوق الباحثين عن التزكيات”، لكن رافقت هذه العملية تصريحات فجرها العديد من السياسيين وخلفت حالة صدمة بسبب ما قيل إنه شراء توقيعات النواب والمواطنين.

شبهة المال السياسي

لئن حرص بعض المترشحين على التوجه بأنفسهم إلى مختلف مشارب البلاد قصد جمع التزكيات، فإن البعض الآخر جند فرقاً وإمكانيات مادية ضخمة للقيام بذلك، مما فتح الباب للتساؤل حول مصداقية هذه العملية.

أولى التهم التي طالت نواب التأسيسي أشعلت شرارتها المرشحة للرئاسية ليلى الهمامي، التي أكدت أن بعض النواب طلبوا مبالغ تراوحت بين 10 آلاف (قرابة 5500 دولار) و80 ألف دينار، مقابل توقيعهم.

وسرعان ما تتالت التصريحات النارية الملوحة بتفشي المال السياسي بالمجلس الوطني التأسيسي. ففي تصريح لمراسلون كشف رئيس الحزب الشعبي التقدمي هشام حسني، إحدى الشخصيات التي سعت إلى تقديم ترشحها للانتخابات الرئاسية وتخوض التجربة، أن السبب الذي حال دون ترشحه يعود لكونه ذهب ضحية أربعة نواب كانوا قد وعدوه في إطار التزام أخلاقي بتزكيته، لكنهم أخلوا بوعدهم مقابل تزكية رجل أعمال بمقابل مالي على حدّ تعبيره.

كما أفاد، أنه عندما اتجه إلى التزكيات الشعبية فوجئ بالناخبين يطالبونه بالمال مقابل التزكية، مشيراً إلى أنهم تعودوا على ذلك من قبل المترشحين الآخرين الذين جمعوا التزكيات بالمال.

هشام حسني انتفض نتيجة هذه السلوكيات وطالب النيابة العمومية بضرورة فتح تحقيق عاجل في ملابسات تزكية عدد من النواب لرجال أعمال.

وذكر هشام حسني لمراسلون أن أحد أعضاء حزبه اكتشف أن عبد الرحيم الزواري وزير في النظام السابق مُنح تزكية منه دون علمه.

ووعد برفع قضية، مشيراً إلى أن الحزب الشعبي التقدمي سيرفع قضية لدى المحكمة الإدارية ضد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في حال لم تأخذ بعين الاعتبار التزوير في التزكيات، وسيطالب بتعليق إجراء الانتخابات الرئاسية إلى حين البت في الطعون المقدمة في التزكيات.

انسحابات بسبب تفشي المال السياسي

شبهة المال دفعت ببعض الشخصيات الأخرى إلى الانسحاب من هذا السباق، على غرار لطفي المرايحي أمين عام الاتحاد الشعبي الجمهوري، الذي قال إن المشهد السياسي طغى عليه المال السياسي. وكذلك عبد القادر الزيتوني منسق عام حزب تونس الخضراء، الذي ندّد بما اعتبره عمليات البيع والشراء التي عرفتها محافظات تونس، واعتبر أن عملية التزكية ليست حرة ونزيهة وإنما خضعت للبيع والشراء.

كما انسحبت عديد الشخصيات الأخرى على غرار البشير الصيد، رئيس حركة مرابطون الذي قرر الانسحاب بعد أن تبين له أن الانتخابات المرتقبة مغشوشة على حدّ تعبيره. وأيضاً القيادي في حزب التحرير عبد المجيد الحبيبي.

من جهتها، كشفت رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية بدرة قعلول أن أسباب انسحابها من سباق الرئاسة تعود أساساً لجملة من الاعتبارات من أهمها أن السباق يُحسم في الخفاء في غرفة مظلمة على حد تعبيرها.

وألمحت في ذات السياق إلى الطريقة التي يتم بها جمع التزكيات والأصوات من خلال المال السياسي الفاسد، مضيفة: “كنت أتصور أن هذا المنصب سيتناسب مع كل من له قدرة وكفاءة على الإقناع، ولكن الحقيقة مختلفة، وهو ما جعلني أنسحب، وعاش من صان قدره”.

السياحة الحزبية… سبب البلية

يوضح رئيس الحزب الشعبي التقدمي هشام حسني أن المال السياسي ليس غريباً على المجلس التأسيسي، فقد أكد أن البرلمان سجل على امتداد الفترة الانتقالية تفشي هذه الظاهرة؛ وكان ذلك في إطار السياحة البرلمانية، حيث تم بيع وشراء ذمم عدد من النواب، مشيراً إلى أن قضاياهم مازالت منشورة في المحاكم.

وبدوره قال رئيس مكتب الوطن العربي وبقية العالم لحزب التيار الديمقراطي محمد عمار إن السياحة الحزبية في تونس بدأت منذ عام 2012 في إطار إعادة مشهد الكتل السياسية داخل المجلس، مشيراً إلى أن هذه الكتل صاحبها شراء لعدد من الأصوات وصلت إلى 50 ألف دينار للصوت الواحد.

ومهما فاحت رائحة المال السياسي، فإن جمع التزكيات تبقى مجرد تأشيرة عبور إلى المحطة الأولى وهي الترشح للانتخابات الرئاسية، لكن يبقى الصندوق هو الفيصل والحكم الذي سيثبت مدى شعبية المترشحين ووزنهم الحقيقي والفعلي.