لا يتوفر فيه أي شرط من شروط السباق نحو قصر الرئاسة بقرطاج، ولكنه تحدى كل شيء ووقف الشاب عمران بن حسين مع منافسيه عند خط البداية، متكئاً على كرسيّ أمام أعوان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم تقديم طلبات الترشح لانتخابات الرئاسية، مرتدياً بدلة بنيّة فضفاضة بشكل لافت، لم تفارق جسده لأسابيع، مزهواً وكأنه الرئيس الفائز مسبقاً في انتخابات 23 تشرين ثان/نوفمبر 2014، معتزاً رغم فقره وقلة ذات يده، إلا أنه يرى نفسه الأغنى والأفضل والأقدر والأذكى.

لا يتوفر فيه أي شرط من شروط السباق نحو قصر الرئاسة بقرطاج، ولكنه تحدى كل شيء ووقف الشاب عمران بن حسين مع منافسيه عند خط البداية، متكئاً على كرسيّ أمام أعوان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم تقديم طلبات الترشح لانتخابات الرئاسية، مرتدياً بدلة بنيّة فضفاضة بشكل لافت، لم تفارق جسده لأسابيع، مزهواً وكأنه الرئيس الفائز مسبقاً في انتخابات 23 تشرين ثان/نوفمبر 2014، معتزاً رغم فقره وقلة ذات يده، إلا أنه يرى نفسه الأغنى والأفضل والأقدر والأذكى.

“لا أملك تزكيات شعبية ولا تزكيات من النواب ولا الضمان المالي ولا تمويلاً للحملة الانتخابية، كما أن عمري دون السن الأدنى القانوني المطلوب للترشح للرئاسة، ومع ذلك أودعت مطلبي وسأصبح الرئيس القادم لتونس”، هكذا تحدث عمران لـ”مراسلون” عقب تقديمه مطلب ترشحه للانتخابات الرئاسية يوم الأحد 21 أيلول/سبتمبر 2014، قبل يوم واحد فقط على إغلاق باب الترشحات.

لم يفكر عمران بن حسين قبل أن يودع مطلب ترشحه للرئاسة في منافسيه الكُثر وأغلبهم من العيار الثقيل، أعلام ومشاهير من مناضلين وسياسيين ورجال أعمال وحقوقيين، يُحسب لأغلبهم ألف حساب، ولكن عمران لم يحسب لهم مثقال وزن، ورأى في نفسه الأجدر على التربع على كرسي الرئاسة وقيادة تونس “رئيساً” للجمهورية الثانية.

جمع التزكيات

منذ انطلاق فترة تقديم الترشحات للانتخابات الرئاسيّة، لم يفارق “عمران” أسوار المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) وعتباته، يزور يومياً المجلس منذ الصباح، يرتدي نفس بدلته البنية، ويقف لساعات تحت لهيب الشمس منتظراً أحد النواب القادمين عبر البوابة الشرقية للمجلس ليسهل عملية دخوله إلى الداخل لعدم وجود أي مسوغ قانوني يخوله زيارة البرلمان. بمجرد أن يدخل إلى المؤسسة التشريعية ينقلب عمران من الكائن الوديع الباحث عن عطف النواب لتسهيل عبوره إلى الداخل ليتحول إلى رئيس للجمهورية.

يتجول في أروقة المجلس وفي بهوه وفي جميع فضاءاته، لا يسلم نائب من عرض لبرنامجه الانتخابي، يعدهم جميعاً وعوداً بتعيينهم وزراء وسفراء وقناصل ومستشارين خاصين عنده. تارةً يتوسل إليهم لتزكيته للترشح، وتارة أخرى يأمرهم بذلك، ولا يراعي في ذلك أي اعتبار، يدعو الجميع من مختلف التيارات السياسية والمشارب الحزبية، ومن حوله موظفو المجلس وأعوان الإدارة وصحافيون وأمنيون يضحكون لما يقول ويفعل.

الرئيس المجنون

أصبح “عمران” محل تندر لدى موظفي المجلس والحراس والأمنيين، ينادونه بالرئيس المجنون أو مجنون الرئاسة. بثيابه الرثة وحقيبته الصغيرة المليئة بما تيسر من ملابس داخلية وبعض الأوراق الشخصية يتنقل عمران داخل البرلمان ويملأ الفضاء من حوله ضحكات حيث حل أو جلس.

عمران بن حسين صاحب الـ34 ربيعاً، كث الشعر أسمر اللون نحيل يكاد يغرق في بدلته البنية التي ترافق دربه نحو قصر الرئاسة بقرطاج، لم يبلغ بعد السن القانونية للترشح لرئاسة الجمهورية، وهي كما حددها الدستور الجديد وقانون الانتخابات بـ 35 سنة على الأقل. كما أن الشاب المهووس بالرئاسة لم يتعب من وعود النواب بمنحه ثقتهم وتزكيته للترشح، فيما لم يجمع ولا توقيعاً واحداً من الشعب؛ بينما يعزي ذلك قائلاً: “لا أملك المال الكافي ولا سيارة لأتجول في الجهات وأجمع التواقيع، ولكني على ثقة بأن كل التونسيين يحبونني وجميعهم سيصوتون لي، لأني وحدي أمثلهم وأنا الضمان لاسترداد حقوقهم”.

لا يملك “عمران” المال المفروض كضمان مالي للترشح للرئاسة، والمقدر بـ 10 ألاف دينار تونسي، أي ما يناهز 6250 دولاراً. كما لا يملك فلساً واحداً لتمويل حملته الانتخابية، ويعلم جيداً أنه دون توفر الشروط القانونية التي لا يملك منها شيئاً، فإن ملفه سترفضه هيئة الانتخابات، ومع ذلك يعلن للجميع أنه سيكون رئيس تونس القادم، ويعرب عن حملته لإصلاح الاقتصاد ومقاومة الإرهاب وتشغيل الشباب وقيادة البلاد في جهل فظيع بحدود الصلاحيات الدستورية للرئيس القادم.

المناضل المغمور

يروي عمران نضالاته ويعلن للجميع أنه قدم الكثير لتونس رغم صغر سنه، وكان شوكة في حلق الرئيس المخلوع، يقول إنه مناضل من الرعيل الأول عارض المخلوع زين العابدين بن علي، وتم تهجيره إلى فرنسا، حيث حصل على اللجوء السياسي هناك وقضى أيام الجمر في الغربة، وكان من أشد معارضي نظام الاستبداد.

ويضيف أنه طرد تعسفياً من وظيفته وصدرت في حقه أحكام لم ينصفه القضاء فيها بعد، ويذكر أنه تعرض لاعتداءات من الأمن حتى بعد الثورة، مستنكراً ما يحدث على درب الانتقال الديمقراطي في تونس. ويردد عمران متحسراً على عدم قدرته الترشح سنة 2011 لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، مشيراً إلى أنه كان يعوزه المال والدعم الشعبي. واليوم أسس حزباً اسمه تونس الجديدة، ولكنه قدم ترشحه كمستقل. ويرى أن الحلول تكمن في برنامجه الانتخابي لإعادة الأمن والاستقرار للبلاد ولبث انتعاشة اقتصادية عبر قدرته على إدارة الحكم وعلاقاته التي سيبنيها بعد الوصول إلى الحكم.

مطلب الترشح الخاص بعمران بن حسين سيرفض بلا ريب لغياب كل الشروط القانونية عنه، ولكن يكفي الشاب شرف محاولة دخول سباق هو خارجه لا محالة.

حلم عمران في كرسي الرئاسة مشروع كمواطن تونسي، بعد أن كان ذاك المنصب مقدساً طيلة عقود من الزمن، وكان قصر قرطاج منطقة محرمة على التونسيين. لا يمكن لأحد أن يصادر أحلام هذا الشاب المهووس بالرئاسة، ولا أن يكبت جماح رغبته في المساهمة في بناء تونس الجديدة كما يراه، ولكن عمران أخطأ موقع البناء وتوقيته وآلياته، وعليه أن يبحث عن موقع آخر ليساهم عبره في بناء الجمهورية الثانية.