حسب بيانات صندوق المحادثة الخاص بحسابي على موقع فيس بوك،  بدأ الحوار الأول بيني وبين الأستاذ خالد السرجاني في 30 كانون الأول/ديسمبر 2013، وعلى عكس المعتاد البداية كانت منه هو. سألني على نحو مباغت عن سبب توقيف صفحة كنت أعدها في جريدة أسبوعية عن الفضائيات المصرية وكواليسها، قلت إن إدارة الجريدة لم تحتمل سخونة المنشور خصوصا وأنها مملوكة لصاحب إحدى القنوات. وبعد إعلان استنكاره أعطاني خلاصة خبرته في العلاقات المتشابكة بين الصحف والفضائيات في هذه المرحلة وأن الحل هو انتقال الصفحة لجريدة ليس لديها توازنات.

حسب بيانات صندوق المحادثة الخاص بحسابي على موقع فيس بوك،  بدأ الحوار الأول بيني وبين الأستاذ خالد السرجاني في 30 كانون الأول/ديسمبر 2013، وعلى عكس المعتاد البداية كانت منه هو. سألني على نحو مباغت عن سبب توقيف صفحة كنت أعدها في جريدة أسبوعية عن الفضائيات المصرية وكواليسها، قلت إن إدارة الجريدة لم تحتمل سخونة المنشور خصوصا وأنها مملوكة لصاحب إحدى القنوات. وبعد إعلان استنكاره أعطاني خلاصة خبرته في العلاقات المتشابكة بين الصحف والفضائيات في هذه المرحلة وأن الحل هو انتقال الصفحة لجريدة ليس لديها توازنات. كان يعلم أن هذا مستحيل لكني لم أهتم سوى بأنه سأل، فحتى معظم القراء الذين تابعوا الصفحة لثلاثة أسابيع متتالية لم ينتبهوا لاختفائها، خصوصاً وأنني لم أعلن ذلك صراحة تقديراً للضغوط التي يتحملها زملائي في هذه الجريدة.

موسوعة صحفية وسينمائية

وسط كم الذكريات الذي نشره أقران جيلي عن علاقتهم بالسرجاني، خجلت من وضع هذه الذكرى على صفحتي الشخصية، فهي وإن كانت تظهر مدى دقة متابعته لما ينشر في الصحف المصرية، واهتمامه بتحصيل التفاصيل وهو ما رفع يومها روحي المعنوية جدا، وأكد لي أننا كنت أصنع مضمونا يستحق المتابعة، لكنها تتضاءل بالمقارنة بخبرات أخرى حصل عليها زملائي من السرجاني الذي كان بحق موسوعة صحفية وأدبية وسينمائية تأكد تميزها في العزاء الذي أقامته مؤسسة الأهرام للراحل بجامع عمر مكرم يوم الأربعاء 10 أيلول/سبتمبر، حيث جلس الصحافيون جوار الأدباء ومثقفي وسط البلد متراصين إلى جانب السينمائيين خصوصا المنشغلين بصناعة المهرجانات وأحوال الجمعيات السينمائية في مصر حيث كان السرجاني عنصرا فعلا فيها خلال العشرين عاما الأخيرة ويزيد.

الحوار بيني وبين السرجاني على فيس بوك انقطع قبل أن يوصل مرة أخرى بعد أن توليت خلال الشهور الستة الأولى من هذا العام إدارة رابطة المحررين المصريين الذي كان هو عضوا متطوعاً في لجنة التسيير المنوط بها التخطيط لنشاطات الرابطة التي انطلقت بالتعاون بين البرنامج المصري لتطوير الإعلام والشبكة العالمية لمسؤولي التحرير وشبكة الصحافة الأخلاقية.

المهموم بأحوال المهنة

ملمح آخر ربما لا يعرفه الكثيرون عن السرجاني، حتى هؤلاء الذين تابعوا صفحة “صحافة” التي دشنها أولا في جريدة “الدستور” وأكملها لفترة في جريدة “المصري اليوم” علما بأنه بالأساس من أبناء “الأهرام”، ملمح يتعلق بحماسه الشديد للمشاركة في كل الأنشطة التي تخص تطوير مهنة الصحافة في مصر والحفاظ على مصداقية الصحفيين والصحف على حد سواء. ائتلافات وروابط لا حصر لها شارك فيها السرجاني، كان خطيبا مفوها  يتمتع بخلفية معرفية وثقافية تساعده على سرد أفكاره والاسترسال بها حتى يحاصره المستمعون بالأسئلة.

لقطة ربما تكون الأخيرة التي جمعتني به في حزيران/يونيو الماضي، مؤتمر عن “مستقبل صالات التحرير المدمجة” أقيم بوسط القاهرة بتنظيم “رابطة المحررين المصريين”، حيث وجدني أحمل عدة نسخ من ديوان شعر يسمى “عصير قصب” فطلب بكل ما لمحب القراءة من فضول نسخة حصل عليها بالطبع، فمن الذي يمكن أن يقول لا لمحب الكتب خالد السرجاني.

أشهر عازب راحل

هذه اللقطة ربما توضح لمن لاحظ أن كل من سجلوا سيرة الراحل بعد وفاته المباغتة ركزوا على حبه للكتب ومكتبته الضخمة التي يتجاوز محتواها الثلاثين ألف كتاب. صاحبه طويلا لقب “حامل الكتب “خصوصا في زياراته التي لم تنقطع لسور الأزبكية، وفي المرثيات المؤثرة التي سطرها زملاء وتلاميذ السرجاني تظهر ملامح كثيرة من شخصيته الموسوعية المنفتحة على كل العوالم، مرثيات جمعت بين الاحتفاء بالراحل والشجن المتفرد بسبب ظروف الرحيل، حيث توفي عن عمر ناهز 54 عاما في اليوم التالي مباشرة لتخليه عن لقب “أشهر عازب في الوسط الصحفي”.

دخل خالد السرجاني الدنيا يوم جمعة، وخرج منها يوم السبت 6 أيلول/سبتمبر. يصفه الكاتب أحمد الجمال بأنه كان “بسيطا متواضعا صادقا بشوشا قارئا محترفا ولم أصادفه مرة واحدة طيلة تلك السنوات التى زادت على ربع قرن خالى الوفاض من “شنطة” كتب حديثة طازجة يحملها بيده، أو من مئات المصادر والمراجع والأفكار يحتويها ذهنه المتوقد”.

فيما ينعيه تلميذه في جريدة الدستور هاني سمير بأنه “حازم كثير الغضب لا يعرف المجاملات.. الوهلة الأولى التي تراه فيها تتمنى ألا تتعامل معه وألا تعمل تحت رئاسته، لكن بعدما تتعامل معه تكتشف حقيقته إنه حقا معلم أجاد تعليم الكثيرين، واسع الاطلاع في كل المجالات، كتاب يسير على قدمين، وأكثرهم رحمة وحنو على العاملين في بلاط صاحبة الجلالة”.

أما النقابي البارز يحيي قلاش والذي زامل السرجاني في معارك نقابية عدة فكتب مؤكدا أنه ” كان في جيله نسيجا وحده، وعاش عمره المقدر بيننا ببساطة وعمق، وكانت انحيازاته في الحياة واضحة ومحددة، لكنه لم يكن أبدا من أصحاب القوالب النظرية أو الجمود الفكري”.

سيل من مقالات التأبين فاجأت القراء الذين لم يكن السرجاني من المشهورين لديهم بين وجوه الشارع الصحفي. وداع رفيع القدر لم يتكرر مؤخراً إلا مع الزميل هاني درويش (تموز/يوليو 2013) الأمر الذي ربما يفسر انتفاضة الغضب من تعليقات أنصار تنظيم الإخوان الشامتة في رحيل السرجاني باعتباره من أنصار 30 حزيران/يونيو. ذهبت تعليقاتهم السوداء أدراج الرياح، وبقت مناقب السرجاني تتردد في كل الإصدارت الصحفية، والاحتفاء به كاتبا وقارئاً دفع الكثيرين للايمان بأن ما تتركه خلفك هو الذي يبق، تماما كما فعل السرجاني.