ليبيا دولةٌ فقيرة. القصّة بدأت مع اكتشاف النفط، عندما قرر الليبيّون جميعا أن يلقوا ما يحملون في أيديهم من معاول وفؤوس وبراميل لنقل المياه متجهين نحو الجلوس وراء المكاتب كموظفين لا يفعلون شيئاً سوى شرب القهوة وتكرار نفس الحديث عن المؤامرة المخيفة التي يحيكها الجميع ضدنا بما في ذلك نحن.

الليبيّون منذ سنة 1959 لا يفعلون شيئاً مع انهيار الاقتصاد المحلي، ونقص الإنتاج الزراعي، وزيادة حجم الواردات التي لا يحتاج جلّها أحد، وهذه الحقيقةٌ غائبةٌ عن سكان ليبيا ممن اقتصر عملهم فقط على تسديد ديون محل البقالة.

ليبيا دولةٌ فقيرة. القصّة بدأت مع اكتشاف النفط، عندما قرر الليبيّون جميعا أن يلقوا ما يحملون في أيديهم من معاول وفؤوس وبراميل لنقل المياه متجهين نحو الجلوس وراء المكاتب كموظفين لا يفعلون شيئاً سوى شرب القهوة وتكرار نفس الحديث عن المؤامرة المخيفة التي يحيكها الجميع ضدنا بما في ذلك نحن.

الليبيّون منذ سنة 1959 لا يفعلون شيئاً مع انهيار الاقتصاد المحلي، ونقص الإنتاج الزراعي، وزيادة حجم الواردات التي لا يحتاج جلّها أحد، وهذه الحقيقةٌ غائبةٌ عن سكان ليبيا ممن اقتصر عملهم فقط على تسديد ديون محل البقالة.

ليبيا دولةٌ فقيرةٌ ومريضةٌ أيضاً، بسبب لعنة الموارد الطبيعيّة وعدم الاكتراث بانتشار أعراض المرض الهولندي ( حالة من الكسل والتراخي الوظيفي أصابت الشعب الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي 1900 – 1950، بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال/ المحرّر)، والإسراف في الإنفاق واتّساع حجم جيوب القذافي بمليارات أزعجت القوى الدولية وشركات المال الأسود لتتم سرقتها مرتين، مرة من خزانة الدولة الفاسدة ومرّة أخرى من جيوب اللصوص الليبيّين أنفسهم، موظفي الدولة الفاسدة نفسها.

كل هذه الأسباب جعلتنا نقرر إعلان حربٍ بيننا لنطرد نصفنا خارج الحدود ويبقى النصف الآخر يتصارع داخل هذه الحدود، متورطين في أزمة كوننا نزاحم بعضنا البعض لأجل العيش في أقل من عشر مساحة الأرض التي نملكها فقط، وبناء عليه لا بد لنا من إعلان حرب ثانية.

أما الحرب الأولى والتي كعاداتنا المتهورة أطلقنا عليها اسم ثورة، فقد انتهت بإعلان ليبيا مدناً منتصرة وأخرى شبه منتصرة ومدن أخرى لم يحالفها الحظ لاختيار مكانٍ عبر فوضى إعادة رسم خارطة ليبيا السياسيّة، تعيد بناء تحالفاتها القبلية التي بقيت على حالها من ما يزيد عن مائة عام.

وهذه مسألة يجب الحديث عنها كون بعض الليبيّين قرروا فجأة عدم الاعتراف بخارطة الأمم المتحدة، ويحاولون تكرار مسلسل القذافي اليوم تحت راية خليفة المسلمين الذي يقتل الناس داعما ما يفعله بفتوى المفتي، الذي يخبر الجميع أن الأمر لا يتعدى كونه: قضاء الله فيهم، بعد أن أصدر منشور وزارة أسر الشهداء، والتي لا يمكن أن تكون حقيقة إلا عبر وجود ملائكة جنة الخلد وقد هبطوا من السماء في أجساد موظّفي الدرجة السابعة.

انتهت الحرب الأولى بنتيجة مثيرة للحنق والغضب، وليس الحديث هنا عن انحياز الشعب أو فلنقل جلّه للمنتصرين كعادة الليبيين دائما، بل الأمر المثير للشفقة هو أن الدولة الجديدة أعلنت تقسيما آخر لليبيّين مبنيّا على التقسيم الأول، كون الموتى أيضا يجب تقسيمهم لا الأحياء فقط، في سابقة لم تحدث في تاريخ البشرية، أن أعلنت الدولة أن وثائق الجنة ومراسيم الغفران والشفاعة تصدر تحت مرأى ومسمع موظفي وزارة رعاية أسر الشهداء، فكان في ليبيا للمرة الأولى في التاريخ البشري وزارة تهتم بأبناء سكان الجنة.

وعلى جانب آخر لم يجد أبناء سكان النار من انحازوا للجانب الذي لم تخدمه الظروف ، لم يجد هؤلاء دولة يعمل فيها الشياطين بدوام ربع يوم كما تعمل الملائكة في الوزارة مستحيلة الحدوث، والتي قد يطولها الفساد الإداري – هذا إذا لم يكن قد طالها فعلاً، ليجد بعض الأحياء أنفسهم شهداء ينالون مرتبات شهرية ليس في الجنة طبعاً.

وهذه واقعة حدثت فعلا في مؤسسة الجيش الليبي والتي خرجت وثائق تفيد أنها أرسلت شخصا ميتا في رحلة إيفاد لإتمام الدراسة في الخارج، وأحالت مجموعة أخرى من الموتى على التقاعد لتستمر مرتباتهم في الصدور دون علم الورثة، فنحن فاسدون حتى النخاع، لكنّنا مسلمون جداً وهو الأمر الذي سيتسبب في إعلان الحرب الثانية على ما يبدو.

إنّها حرب دينيّة بامتياز، ولن تكون نهايتها إلا عبر قرارٍ شجاع يتخّذه الشعب الليبي بعد أن يكون قد يئس من التقاذف بالفتاوى واستخدام اسم الله بالمجان، وبعد الحرب الليبية الضروس قبل ثلاث سنوات، والتي أعلنت عن ثورةٍ الجميع يدّعي أنه يدافع عن مبادئها التي لا يعلم أحد ماهيتها كونها لم تُعلن حتى اليوم، خلاف مبدأ وحيد وهو الإطاحة بمعمر القذافي.

القرار الذي يجب أن يعلنه الشعب قبل أن يذهب نصفه ضحية الحرب القادمة هو قرار إغلاق باب الجامع أمام الساسة، وإغلاق أفواه رجال منابر المساجد عن الحديث في السياسة، بكلمات موجزة فصل الدين/مضمار المقدس، عن السياسة/مضمار المدنّس، كخطوة أولى، وفصل رأس مال الدولة عن الحكومة كخطوة ثانية، ليبحث الموظفون عن أماكن أخرى للعمل بدلا من التشبث بفستان الدولة العارية، وليكون دور الحكومة فقط مراقبة كيفية صرف هذه الأموال في اتجاه التنمية وتوفير الخدمات الرئيسية للمواطنين فقط.

أمّا من يمتلك حلماً خرافياً أوأيديولوجيا يسعى عبره إلى حكم العالم فعليه البحث عن جيب آخر ليفرغه لا جيب ميزانية الدولة، وعلى المواطن الذي يريد زيادة دخله البحث عن أرض يزرعها أو مبنى يقوم بتشييده بدلا من البحث عن وساطة تخول له الحصول على مرتب ثالث أو رابع لوظيفة لا يقوم بها أحد.

المشكلة كما يقول الصادق النيهوم “… تخص الفرد العاجز عن فهم مسؤوليته تجاه الديمقراطية التي ينعم بها، وليس ثمة عمل أسوأ من أن يجلس المتعهدون وبناة العمارات في المقاهي ويطالبوا الدولة بزراعة ليبيا ومدّها بالمصانع”.

ليبيا دولة كل سكانها مسلمون، لكن يبدو أن بعض هؤلاء اكتشف أنه أكثر إسلاما من الآخرين. نعم يا سادة إنها ليبيا، دولة تحوي ثلاثة رؤساء وزارة ولا أحد يعلم أين الرئيس. ليبيا دولة اقترف شعبها كل الجرائم الممكنة وغير القابلة للتصديق وفي زمن قياسي ولا يزال مؤمنا بخرافة الثورة المباركة.

والشعب طيب القلب الذي مستعدٌ كل فرد من أفراده لقتل الآخرين جميعا بسبب نزاع حول مسائل سطحيةٍ كحق ركن السيارة أو عميقةٍ كعمق الإيمان بموت القذافي من عدمه، وأكذوبة الدولة الغنيّة والتي في واقع الأمر لا تمتلك سوى أنها تهب العالم أكبر مكب للقمامة لا يحترم كل سكانه أبسط مبادئ الملكية المشتركة. ليبيا دولة لا تزال لا تمتلك شعباً.

نحن مسلمون لكن المفتي هو من يقرر من منا مسلمٌ ومن منّا مسلمٌ جداً، وهذه ورطة وجد المفتي نفسه عالقا فيها منذ قرر العالم أعادة تصدير المسلمين جداً الى بلدان المسلمين الأقل إسلاماً، ليتم إعلان الحرب الدينيّة بين المسلمين كعادتهم منذ موقعة الجمل وصفين حيث اعتاد سادتنا ذبح سادتنا، واليوم لا يزال سادتنا يريدون جز رقاب سادتنا وفي يد كل منهم مصحف وفي رأسه فكرة واحدة مفادها أن الله يريد منه قتل الآخر.