سائق سيارة أجرة، بائع لخبز قروي على رصيف الشارع، حارس بإحدى الشركات الخاصة، وعدد من أصحاب الشهادات العليا عاطلين عن العمل، كل هؤلاء وجدوا أنفسهم عقب انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول  2011 نوابا في المجلس الوطني التأسيسي، نوابا على الشعب التونسي.

سلطت عليهم الاضواء طيلة ثلاثة سنوات، أصبحوا في فترة وجيزة أشهر من نار على علم، صورهم تتصدر الصحف المحلية التونسية وأخبارهم تتداولها الشاشات التلفزيونية.

سائق سيارة أجرة، بائع لخبز قروي على رصيف الشارع، حارس بإحدى الشركات الخاصة، وعدد من أصحاب الشهادات العليا عاطلين عن العمل، كل هؤلاء وجدوا أنفسهم عقب انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول  2011 نوابا في المجلس الوطني التأسيسي، نوابا على الشعب التونسي.

سلطت عليهم الاضواء طيلة ثلاثة سنوات، أصبحوا في فترة وجيزة أشهر من نار على علم، صورهم تتصدر الصحف المحلية التونسية وأخبارهم تتداولها الشاشات التلفزيونية.

تصريحات وحوارات بين الفينة والأخرى تقول إنهم هنا موجودين وفاعلين. مداخلات خلال الجلسات العامة للتأسيسي يناقشون فيها مشاريع قوانين تحدّد التوجهات العامة للدولة. هم من شاركوا أيضا في صياغة دستور البلاد الجديد، وحددوا مصير الشعب التونسي، وأصبحوا اليوم بقدرة قادر مؤسسين للجمهورية التونسية الثانية، لتونس الجديدة، تونس ما بعد الثورة.

رعي الأغنام

ثلاثة سنوات كاملة، سافروا فيها إلى أغلب بلدان العالم، التقوا شخصيات عالمية مرموقة وتحدثوا إليها ندا لند، هدّدوا بسحب البساط من الحكومة كما هددوا بسحب الثقة من رئيس الجمهورية. سكنوا أفخم الفنادق وأصبحوا يتقاضون منحة شهرية فاقت ثلاثة آلاف دينار (حوالي 2000 دولار أمريكي).

واليوم بدأ الستار يسدل عن فترة تأسيسية عاشتها البلاد التونسية، وانطلق السباق نحو خوض الانتخابات التشريعية والرئاسية التي سيكون موعدها الأول يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014. وتحولت الوجهة من المجلس الوطني التأسيسي إلى الإعداد للقائمات الانتخابية أملا في البقاء في السلطة والحفاظ على كل الامتيازات.

منهم من اقتنع بأن دوره قد انتهى مع المرحلة التأسيسية على غرار النائب ابراهيم القصاص الذي بذل كل ما في وسعه للتموقع في حزب سياسي. تقلب يمينا ثم يسارا وعاد يمينا، لكنه أدرك فيما بعد أنه أبعد ما يكون عن السياسة، وأن المهنة الوحيدة التي يتقنها هي سياقة سيارة أجرة، أو ربما رعي الأغنام.

العودة للأصل فضيلة

في تصريحه الأخير بالمجلس التأسيسي يقف القصاص شاهدا على ذلك “بعد الانتهاء من الدستور سأعود لأرعى الأغنام”.

قد تكون كلماته نابعة عن قناعة، لكن لا أحد يعلم ماذا يجول في خاطره من تساؤلات حول عودته مجددا إلى أرض الواقع وكيف سيتأقلم معه مرة أخرى بعد أن ظن أن القدر قد ابتسم له وأنه طلق حياة البؤس بالثلاثة.

ربيعة النجلاوي تحصلت مؤخرا على اجازة الماجستير في الأدب الإنجليزي، هي أصيلة محافظة القصرين بالوسط الغربي للبلاد التونسية، احدى الجهات المهمشة والفقيرة، تحصلت على مقعد عن العريضة الشعبية ثم التحقت بحزب حركة نداء تونس، كانت قبل أن تخوض تجربة المجلس التأسيسي من الشباب العاطل عن العمل.

ربيعة النجلاوي كانت تأمل أن تجد لها مكانا في القائمات الانتخابية لحركة نداء تونس، ورغم أنها تحصلت على نسبة هامة من الأصوات التي زكتها للترشح مجددا (ثاني أعلى نسبة) إلا أن نداء تونس فضّل ترشيح أسماء مغايرة.

النجلاوي وجدت نفسها بين المطرقة والسندان، بين خيارين أحلاهما مر، إما ان تعود إلى ماضي البطالة والفقر أو أن ترضى بقرار الحزب، فما كان عليها إلاّ أن تختار البقاء مع الحزب ولعب دور الراعي للحملة الانتخابية لحركة نداء تونس.

بقية النواب وجدوا لأنفسهم مكانا لهم في القائمات الانتخابية لأحزابهم، فنواب تيار المحبة (العريضة الشعبية سابقا)، وهو حزب قدم نفسه على أنه حزب الفقراء والمهمشين والمعطلين عن العمل، حزب وعد في الانتخابات السابقة أن يعيد ثمن الخبزة إلى 100 مليم، عادوا ليخوضوا تجربة الانتخابات التشريعية وكلهم أمل في أن يحافظوا على مقاعدهم بقصر باردو.

تيار المحبة مثالا

حزب تيار المحبة (يمين) يضم نوابا من فئة اجتماعية متواضعة، على غرار النائب عن محافظة منوبة الواقعة شمال البلاد التونسية سعيد الخرشوفي، بائع خبز الطابونة (خبز تقليدي قروي) على رصيف الشارع، وهو أيضا من أصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل.

كذلك النائب عن محافظة باجة الواقعة بالشمال الغربي للبلاد التونسية، معطل عن العمل ومتحصل على شهادة الماجستير في القانون، بالإضافة إلى النائبة عن محافظة القيروان الواقعة بوسط البلاد التونسية ريم الثايري وأيضا اسكندر بوعلاقي نائب عن محافظة سوسة بالساحل التونسي وهما أيضا معطلان عن العمل.

كما أن النائب عن زغوان الجديدي السبوعي الذي عمل قيما في معهد ثانوي لمدة ثلاثة سنوات منذ سنة 2007 يستعد للعودة إلى عمله إذا خسر الانتخابات القادمة. كذلك يضم تيار المحبة النائب مولدي الزيدي وهو شاب تحصل على الاجازة الوطنية في الجباية لكنه عمل في مجال الفلاحة.

نواب تيار المحبة، مثلوا مفاجأة انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، إذ لم يتوقع كل من كان مهتما بالشأن السياسي أن يتصدروا المراتب الأولى في الانتخابات، لكن في المقابل مثلت المرحلة التأسيسية بالنسبة اليهم فترة صعبة، ذلك أنهم واجهوا العديد من الانتقادات اللاذعة حتى أنهم شعروا وبالاحتقار ولطالما ردّدوا ذلك خلال الجلسات العامة وفي تصريحاتهم الصحفية.

ولا ندر إن كان نواب تيار المحبة سيتحصلون على نفس النتائج خلال الانتخابات القادمة خاصة وأن العديد اعتبر أن الحظ وعدم المعرفة بالأحزاب الأخرى لعب دوره في نجاحهم، وخاصة بعد كل الانتقادات التي وجهت إليهم طيلة الفترة السابقة.

ولكن السؤال المطروح كيف سيكون مستقبل هؤلاء في صورة اخفاقهم؟ هل سيغدو كل واحد فيهم حاملا بين يديه سيرته الذاتية وشهاداته العلمية متنقلا بين مؤسسة وأخرى يطرق أبوابها باحثا عن عمل؟ ثم كيف سيكون استقبالهم هذه المؤسسات لهم؟ أسئلة يجب أن يستعدوا لها نفسيا في حال فشلهم في الانتخابات.

حارس بشركة

طارق البوعزيزي النائب عن حزب الانتقال الديمقراطي (وسط) والذي ترشح أيضا للانتخابات التشريعية القادمة كان يعمل حارسا بإحدى الشركات الخاصة، والنائب فؤاد ثامر عن الجبهة الوطنية الشعبية ترشح أيضا للانتخابات التشريعية وهو شاب كان عاطلا عن العمل قبل الالتحاق بالمجلس.

هؤلاء تعودوا طيلة ثلاثة سنوات على حياة “الأضواء” على أن يكون لهم موقع مرموق في المجتمع فهم نواب الشعب وقد يبدوا الأمر صعبا عليهم في حال فشلهم في الانتخابات.

الانتخابات القادمة فقط ستحدد مصير هؤلاء، إما مواصلة الحياة التي تعودوا عليها بعد وصولهم إلى قصر باردو، أو العودة إلى ما قبل تاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، فقط نتائج ما سيفرزه الصندوق هي الفيصل والمتحكم في مصيرهم.

قد يخسرون كل الامتيازات التي تمتعوا بها طيلة الفترة الفارطة ولكن كل هذا هو ضريبة الديمقراطية التي حولت حياتهم من حال إلى حال من المهمشين العاطلين عن العمل والمغمورين إلى شخصيات عامة، وقد تكون ضريبة الديمقراطية هذه المرة عودتهم إلى نقطة الصفر..إنها الديمقراطية.