في هذا الجزء الثاني من الحوار مع “مراسلون” يتحدث وزير الخارجية التونسي عن الأحداث الإقليمية التي تهدّد استقرار تونس، وخاصة ما يحدث في ليبيا. ويتحّدث الحامدي عن تصور وزارته للدبلوماسية التونسية وعن علاقة بلاده بدول الجوار ومصر وبلدان الخليج.

مراسلون: وزارتكم تعد أكثر وزارة لها رهانات تتعلقّ بإنجاح المسار الانتقالي فهل وجدتم صعوبة في مهامكم وتجاوزتم موروث الحكومات السابقة ؟

في هذا الجزء الثاني من الحوار مع “مراسلون” يتحدث وزير الخارجية التونسي عن الأحداث الإقليمية التي تهدّد استقرار تونس، وخاصة ما يحدث في ليبيا. ويتحّدث الحامدي عن تصور وزارته للدبلوماسية التونسية وعن علاقة بلاده بدول الجوار ومصر وبلدان الخليج.

مراسلون: وزارتكم تعد أكثر وزارة لها رهانات تتعلقّ بإنجاح المسار الانتقالي فهل وجدتم صعوبة في مهامكم وتجاوزتم موروث الحكومات السابقة ؟

الحامدي: أنا لا أرغب في الحديث عن موروث الحكومات السابقة، بالنسبة لي أنا  إنسان لي خبرة في المنظمات الدولية، وأعلم أن النجاح لا يتحقق دون تضافر الجهود، لذلك حرصت منذ استلمت مهامي  على تحفيز جميع العاملين في الوزارة وجلست مع ممثلي النقابة واستمعت لطلباتهم المعقولة وغير المعقولة ونفذنا الممكن منها، كما عملت من أجل أن يدرك الكلّ أن هذه الوزارة هي ملكهم واني عابر سبيل لن يتجاوز بقائي السنة. وللحقيقة فقد  وجدت تعاونا كبيرا منهم.

بالعودة مواقف رئاسة الجمهورية، سبق  أن أصدرت الرئاسة أكثر من موقف مناقض لموقف الحكومة من ذلك الموقف في ليبيا التي دعمت الرئاسة أحد أطراف النزاع فما تعليقكم؟

أنا لا أتدخل في قرارات رئاسة الجمهورية نحن لنا إستراتيجية واضحة، وتونس معروفة بالاعتدال والحياد الايجابي ويجب أن يعلم الجميع أن مستقبل تونس الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي  مرتبط بليبيا، فتدهور الأوضاع في ليبيا ستكون تداعياتها كبيرة جدا على تونس وقد تطال الانتخابات والاستقرار السياسي، لذلك فالشأن الليبي شان تونسي داخلي ولا يسمح بأخذ جانب طرف ضد آخر.

إذن كيف تتعاطون معها ؟

يجب التعاطي مع جميع الأطراف وان نتعامل معهم على نفس  المسافة  دون أن ننجر للوقوف إلى جانب طرف ضد الآخر فهذا يفقدنا مصدقتينا، ولكن هذا الخيار لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي مما يحدث في ليبيا.  فنحن اليوم نبحث عن تجاوز الأزمة ومن ذلك اجتماع دول الجوار في تونس في شهر جويلية (يوليو) الفارط، الذي صدرت عنه عدّة توصيات وشكّل لجنة أمنية وسياسية وجّهت  دعوة إلى جميع الأطراف الليبية للجلوس على طاولة الحوار، فنحن نرى أن الحلّ في ليبيا هو حلّ سياسي، ونؤمن ان تحكيم العقل سيؤدي إلى نتيجة.

وماذا عن الدعوة إلى التّدخل العسكري في ليبيا ؟

هناك بعض الأصوات التي تدعو إلى تدّخل عسكري في ليبيا ونحن لا نرى ان ذلك سيمثّل حلا وإنما سيعقد الأمور في ليبيا .

لكن المؤتمر الوطني الليبي طالب بالتدّخل العسكري  في ليبيا ؟

هذا موقف داخلي لا نتدخّل فيه، ما يعنيا من هذا هو موقفنا نحن.

وما هو موقف تونس من ذلك خصوصا وأن التدّخل العسكري في ليبيا ستكون له انعكاسات على تونس؟

هذا أكيد، فالتدّخل العسكري سيعقد الأمور على المستوى الأمني كما سيدفع بمئات الآلاف إلى اللجوء إلى تونس، ووضعنا الاقتصادي الحالي لا يمكنه تحمّل أكثر مما هو عليه الآن.

هل هناك مخاوف من نقل المعركة إلى تونس واستهداف بعض البعثات الدبلوماسية من قبل منتسبين لأطراف النزاع في ليبيا ؟

نحن نعى ما نقول، لذلك أكدنا أن التدّخل العسكري سيعّقد الأوضاع امنيا وسياسيا لليبيا ولتونس، وهناك احتمال أن يقع جرّنا إلى النزاع ، لهذا أصدرنا منذ فترة بيانا اشرنا فيه انه سيقع ترحيل أي مواطن ليبي يمارس السياسة في تونس وقمنا بترحيل البعض.

هل رحّلتم مجموعة كبيرة العدد ؟

بعض الأفراد، دعوا عبر قنوات تلفزيونية للعنف في ليبيا، وهنا أشير إلى أن العلاقة بين الشعب التونسي والشعب الليبي تاريخية وهم في القلب لكن لنا استقرار بلد نحافظ عليه ولا نقبل بالمساس منه من قبل أي كان، ونعلم أن تعقّد الأمور في ليبيا سيمكن البعض من استغلاله لتعقيد الأوضاع في تونس.

تقصد الإرهابيين والمهربين؟    

أجل. ولذلك وجب حماية حدودنا لمنع نقل الصراع الى تونس او تهريب السلاح، ولهذا دعونا في خلية الأزمة (التابعة لرئاسة الحكومة) إلى الرفع من نسق الاستعداد الأمني والعسكري على الحدود وأصدرنا توصيات لتشديد الرقابة والتفتيش، وهذه التوصيات ليس مقتصرة على العمل في المعابر الحدودية فقط بل على طول الشريط الحدودي الذي يبلغ حوالي 500 كلم.

نعود لرفض تونس للتدّخل العسكري في ليبيا كيف ستدفعون إلى تجنب هذا؟

لا نقول رفض، ولكن نحن لدينا رغبة بإعطاء فرصة للجهود السياسية والدبلوماسية في ليبيا  ولا نعتقد أن التدخّل سيحل الإشكال وإنما سيعقد الأمور ويدفع نحو صوملتها.

وكيف سوقتم لهذا التصور؟

منذ البداية أقمنا مشاورات مع سفراء الدول التي يهمها الشأن الليبي واجتمعنا في السفارة التونسية واتصلت بوزراء الخارجية للدول المعنية واتصلت بالأمين العام للأمم المتحدة وطالبته بالتحرك من أجل الدفع نحو حوار وطني ليبي واستجاب الأمين العام. وكان من المنتظر أن يعقد الحوار الوطني لكن هذا لم يحدث للاسف.

تحدّثنا عن تصوركم لحل الأزمة الليبية فهل لديكم تصورا  لما بعد الأزمة الليبية وكيف تستثمرون دوركم الحالي لتحقيق نوع من المكاسب الاقتصادية مستقبلا ؟

أغلب الإخوة الليبيين يعترفون بالوقفة التاريخية لتونس مع ليبيا في ثورتها وبعدها. واليوم لدينا أكثر من 1.5 مليون مواطن ليبيي في تونس ولا يوجد بلد قام بذلك. نحن ندعمهم كما ندعم المواطن التونسي، يتلقون تعليمهم في المدارس العمومية التونسية ويعالجون في المستشفيات العمومية التونسية ويستهلكون المواد الأساسية المدعومة مثلثهم مثل التونسيين، نحن وقفنا معهم ولسنا نتذمّر منهم بل نرحّب بهم.

وعلى المستوى الاقتصادي؟

أنا متأكّد أنه  بعد استقرار الأوضاع في ليبيا ستجد الشركات التونسية الترحيب هناك كما يرحبون باليد العاملة التونسية.

هل لديكم في الوزارة تصورا  لكيفية الدخول في السوق الليبية؟

طبعا فنحن ولأول مرة في الوزارة كوّنا خلية مختّصة في الدبلوماسية الاقتصادية، وهذه الخلية مهمتها البحث عن أسواق للمستثمرين التونسيين وهي تشتغل بنسق مرتفع على الصعيد الإفريقي والآسيوي، وننتظر أن تستقر الأوضاع في ليبيا لنقوم بزيارة إليها وإقامة شراكات بين رجال ونساء الأعمال التونسيين والليبيين، فالوضع الأمني اليوم في ليبيا لا يسمح بذلك .   

وهل كان الوضع الأمني في ليبيا، هو سبب غلق السفارة التونسية في ليبيا؟

هذا كان بدوافع الاحتياطات الأمنية. والوضع الحالي في ليبيا لا يسمح بوجود سفارة هناك. وبما أننا نتعامل مباشرة مع وزير الخارجية الليبي فلا يوجد داعي اليوم لفتح السفارة، ولذلك قمنا بغلقها مع الإبقاء على قنصليات تعمل لتقديم خدمات قنصلية للمواطنين التونسيين في ليبيا، وقمنا بفتح مكتب قنصلي على الحدود مع ليبيا لتقديم خدمات للتونسيين.

وهل رفعتم من الاستعدادات الأمنية لحماية الدبلوماسيين في ليبيا تحسّبا لتكرار عملية الخطف؟

بطبيعة الحال قمنا بذلك، وسبق لي ان زرت ليبيا في شهر فيفري الفارط واجتمعت بالوفد الدبلوماسي التونسي في ليبيا واكتشفت أن بعض الدبلوماسيين كانوا برفقة عائلاتهم فطلبت منهم أن يرسلوا عائلاتهم لكنهم رفضوا لارتباطات عديدة، فأرسلنا إليهم أوامر مباشرة من الوزارة تقضي بعودتهم إلى تونس إن رفضوا إرسال عائلاتهم بمفردها. وكان ذلك قبل أن تقع عملية خطف الدبلوماسيين، وطلبنا بدعم التواجد الأمني في محيط السفارة وللتذكير فان عملية الخطف لم تتم من مقر السفارة وإنما خارجها، ونحن لا يمكننا أن نوفر حماية للدبلوماسيين خارج السفارة. واليوم تحسّبا من عمليات استهداف البعثة الدبلوماسية كثّفنا من التواجد الأمني لحماية الدبلوماسيين عبر الترفيع في عدد أعضاء الفرق الأمنية سواء التونسية أو الليبية.

وماذا عن العلاقات مع الجزائر التي شهدت هزات منذ 2012؟

علاقتنا مع الجزائر هي على أعلى مستوى ويمكن اعتبارها الافضل منذ الاستقلال نظرا لوجود ارادة سياسية من قادة البلدين على تطوير العلاقات. وفي لقاءين بفخامة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رفقة رئيس الحكومة التونسي أكّد لنا أن أمن تونس واستقرارها من أمن الجزائر واستقرارها، وقال إن الجزائر لن تتخلى عن تونس اقتصاديا وامنيا، وبالفعل قدّمت لنا مساعدات مالية هامة من الجزائر بحوالي 250 مليون دولار وستصلنا قريبا مساعدات مالية أخرى هامة. وهناك رغبة جزائرية حقيقية لدعم تونس على عدة مستويات.  

والعلاقة بالمملكة المغربية، هل تأثرت بالتقارب التونسي الجزائري؟

علاقتنا بخير، والتقينا في زيارتنا إلى المغرب مع الملك المغربي لأكثر من ساعة أعرب فيها عن استعداد المملكة لدعمنا.