مظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف من سكان بنغازي (شرق ليبيا) خرجت يوم الجمعة الفائت (الأول من آب/ أغسطس الجاري) تحت شعار “بنغازي لن تركع للإرهاب”، قابلتها مظاهرة أخرى لمؤيدي تنظيم أنصار الشريعة المسلّح حملت شعار “بنغازي ستركع لله” لم يتجاوز عدد المشاركين فيها العشرات.

مظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف من سكان بنغازي (شرق ليبيا) خرجت يوم الجمعة الفائت (الأول من آب/ أغسطس الجاري) تحت شعار “بنغازي لن تركع للإرهاب”، قابلتها مظاهرة أخرى لمؤيدي تنظيم أنصار الشريعة المسلّح حملت شعار “بنغازي ستركع لله” لم يتجاوز عدد المشاركين فيها العشرات.

هذا الاستقطاب الذي تزداد حدته كل يوم تعيشه بنغازي منذ قرابة ثلاثة أشهر، على وقع حرب تدور رحاها بين قوى الجيش والصاعقة المؤيدة لعملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ضد تنظيم أنصار الشريعة المنضوي تحت مجلس شورى ثوار بنغازي.

مجلس شورى الثوار الذي تشكل مؤخراَ يضم كتائب محسوبة على التيار الإسلامي مثل جماعة أنصار الشريعة ودرع ليبيا-1، وكتيبة راف الله السحاتي، ويقودها عدد من القادة الميدانيين للثوار الذين قاتلوا ضد نظام معمر القذافي مثل محمد الزهاوي وجلال مخزوم ووسام بن حميد.

وتشهد مناطق عديدة في بنغازي مثل بوعطني والليثي وبوهديمة والقوارشة والسلماني وراس عبيدة والماجوري وغيرها اشتباكات دائمة بين الطرفين، ما يسفر عن وقوع قتلى وجرحى بشكل يومي.

جثث مجهولة الهوية

ارتفاع وتيرة القتال في العشر الأواخر من رمضان أجبر مجموعة من الأطباء في مركز بنغازي الطبي على طلب تصريح بدفن قرابة 30 جثة مجهولة الهوية، قاربت على التعفن بسبب عدم وجود مكان فارغ لها في ثلاجة الموتى.

يقول الطبيب المتطوع محمد المسلاتي لـ”مراسلون” إنه بالتعاون مع زملائه وبعض المتطوعين دفنوا يوم الجمعة، الأول من آب/أغسطس، جثامين جلبت للمركز الطبي بعد الاشتباكات التي دارت في منطقة بوعطني بنغازي، بين قوات الصاعقة وقوات مجلس شورى ثوار بنغازي.

وجرى قبل الدفن استدعاء عدد من الأطباء الشرعيين لأخذ عينات من الحمض النووري DNA للمساعدة على التعرف على هويات القتلى في وقت لاحق، “ولأن إكرام الميت دفنه ولا يجوز أن تتعفن هكذا” يقول المسلاتي، مشيراً إلى أنهم جميعاً لم يكن بحوزتهم أوراق ثبوتية ولم يأتِ أحد للسؤال عنهم، مشيراً إلى أن المركز الطبي يستقبل عشرات الجثث يومياً.

أسبوع دامٍ

الاشتباكات التي استمرت لأكثر من أسبوع بمنطقة بوعطني في محيط معسكرات الصاعقة، أعقبت هجوماً شنته القوات التابعة لأنصار الشريعة مدعومة بمجلس شورى ثوار بنغازي يوم الاثنين 21 يوليو/ تموز على معسكر اللواء 319 صاعقة، لينتهي مساء ذلك اليوم بالاستيلاء على معسكر اللواء ومعسكر كتيبة الصاعقة 36 بمنطقة بوعطني، ويخلف بانتهائه العشرات من القتلى والجرحى.

أسبوع من القتال نهاية شهر رمضان استعملت فيه جميع أنوع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى قصف بالطيران الحربي من قبل سلاح الجو التابع للجيش، تعذر معه على فرق الإنقاذ التابعة للهلال الأحمر التدخل وانتشال الجثث من منطقة الاشتباك، الأمر الذي تسبب في تهجير سكان منطقة بوعطني والمساكن بعد جرح عديدين إثر سقوط قذائف على منازلهم.

يقول محمد المصراتي أحد أفراد فوج الكشافة بمدينة بنغازي لـ”مراسلون” إن العائلات النازحة من المناطق التي شهدت اشتباكات كان في استقبالها عدد من شباب الكشافة وبعض أهالي المناطق الأخرى ببنغازي، أما من خرجوا من المدينة فاتجهوا إما شرقاَ باتجاه المرج أو غرباَ باتجاه اجدابيا، ولا توجد إحصائية بعدد المهجرين حتى الآن بسبب استمرار القتال في مناطق النزوح.

وزارة الصحة أعلنت بعد العيد كحصيلة نهائية للاشتباكات 112 قتيلًا و529 جريحاً توزعوا على مركز بنغازي الطبي ومستشفى المرج العام، تم انتشالهم من مناطق الاشتباك.

تأكيد ونفي

في الـ 29 من شهر يوليو/ تموز والذي صادف ثاني أيام عيد الفطر أعلن مجلس شورى ثوار بنغازي وأنصار الشريعة سيطرتهم على كافة المعسكرات بالمدينة، والتي كانت تسيطر عليها قوات الصاعقة برئاسة العقيد ونيس بوخمادة، باستثناء معسكر اللواء 319 التابع للسلفيين.

وبمجرد إخراج قوات الصاعقة من هذه المعسكرات باشر أنصار الشريعة بهدمها وتسويتها بالأرض واحداً تلو الآخر، في محاولة لبث اليأس في نفوس أعدائهم، كما دخل أفراد التنظيم مستشفى الجلاء للحوادث واستعملوه هو الآخر مقراً للعمليات العسكرية.

ورغم ما بدا أنه هزيمة للجيش نفى قائد عملية الكرامة خليفة حفتر في مداخلة تلفزيونية سيطرة تنظيم أنصار الشريعة على مدينة بنغازي، وأكد أن انسحاب الصاعقة والجيش من مواقعهم جاء لأسباب تكتيكية.

وأضاف حفتر في مداخلته أن عملية الكرامة “لن تتوقف أبداً حتى تخرج هذه المجموعات من بنغازي وطرابلس ومصراتة وكامل ليبيا”، مؤكداً بأنهم ليسوا بحاجة لأي تدخل دولي.

على الطرف المقابل مجلس شورى ثوار بنغازي وجه نداءً لكل “من تورط في ما يسمى بعملية الكرامة وكل من اتبع خطوات اللواء خليفة حفتر بالتبرؤ مما وقعوا فيه والتوبة لله عز وجل والالتحاق بركب العائدين” بحسب تعبيره.

واتهم بيان مجلس الشورى حفتر بأنه “خذل وخان من انضم إليه وتركهم يواجهون مصيرهم وهو يراقب من بعيد” بحسب البيان، متعهدين لكل من “تاب ورجع للحق” بإعطائه الأمان وأن يكون “بين إخوانه وأهله وما لهم وما عليهم”.

رد شعبي

حرب كسر العظم بين الطرفين دخل عليها طرف ثالث وجه رداً عنيفاً لمجلس الشورى، قاده مواطنون غاضبون تظاهروا الأربعاء في أحياء عدة من المدينة منددين بما يحدث في مدينتهم من إرهاب وترويع للآمنين، وهاجموا مواقع تجمع قوات مجلس الشورى، وتمكنوا من دخول مستشفى الجلاء وطرد مسلحي تنظيم أنصار الشريعة منه.

يقول علاء الفرجاني وهو من سكان منطقة السلماني الشرقي وأحد المتظاهرين إن “المظاهرة كانت حاشدة وجابت شوارع بنغازي بدءاَ من أمام مستشفى الجلاء، حيث أقفلنا الطريق ورددنا الهتافات التي تنادي بخروج أنصار الشريعة من حرم المستشفى، وتطالب بالجيش والشرطة”.

وبعدها اتجهت المظاهرة بحسب الفرجاني إلى معسكر الصاعقة بطريق المطار، وقاموا بطرد أنصار الشريعة حتى ساعات الفجر الأولى، حيث عاد أنصار الشريعة إلى المقر وقاموا بهدمه وتسويته بالأرض لاحقاً.

وأوضح علاء “كان أهم مطلب للحشود المتظاهرة هو إيقاف سيطرة أي تشكيل مسلح على المرافق الحيوية في بنغازي أو إغلاق أي مكان حكومي”.

هدنة وخرق

في محاولة لوقف حمام الدم تواصل مجلس مشائخ وأعيان بنغازي مع طرفي النزاع لمحاولة إيجاد حلول للأزمة، وطالب بوقف إطلاق النار لمدة أسبوع، إلا أن الأمر لم ينجح رغم موافقة الأطراف مبدئياً.

ولم تلتزم قوات عملية الكرامة بحسب عضو مجلس مشائخ وأعيان بنغازي الكبرى سعد العبيدي، وقامت بـ”خرق وقف إطلاق النار بقصفهم أهدافا بمنطقة قنفوذة ببنغازي مساء الجمعة الماضي”.

ويستمر مجلس الأعيان وفق العبيدي في التواصل مع الأطراف المتنازعة من أجل ايقاف اطلاق النار وإنهاء الأزمة الراهنة، ولكن جهودهم باءت بالفشل إلى الآن.

الظاهر للعيان في صراع بنغازي هو تفوق قوات مجلس شورى الثوار عسكرياً، ولكن المتابع لحراك الشارع يدرك أن التأييد الشعبي لقوات الصاعقة باعتبارها النواة الوحيدة التي يمكن بواسطتها بناء الجيش الليبي يرفع أسهم مقاتلي الكرامة، رغم عدم القبول الذي يلقاه حفتر لدى شريحة واسعة من المواطنين.