ساعات قليلة بعد إعلان اللواء المتقاعد من الجيش الليبي خليفة حفتر عن بدء عملية “الكرامة” وانطلاق دوي صوت الرصاص في شرق ليبيا، في منتصف شهر أيار/مايو الحالي، سارعت الحكومة التونسية إلى تأمين حدودها مع ليبيا التي يبلغ طولها 500 كلم، كما سارعت إلى تعزيز القوات الموجودة هناك منذ سنة بإضافة حوالي خمسة آلاف جندي.

ساعات قليلة بعد إعلان اللواء المتقاعد من الجيش الليبي خليفة حفتر عن بدء عملية “الكرامة” وانطلاق دوي صوت الرصاص في شرق ليبيا، في منتصف شهر أيار/مايو الحالي، سارعت الحكومة التونسية إلى تأمين حدودها مع ليبيا التي يبلغ طولها 500 كلم، كما سارعت إلى تعزيز القوات الموجودة هناك منذ سنة بإضافة حوالي خمسة آلاف جندي.

لكن كل هذا لم يحل دون تسّلل أفراد ينتسبون لجماعات مسلّحة للتراب التونسي. وهو ما أعلن عنه القادة الأمنيون التونسيون خلال الأسابيع الماضية في تصريحات لم تخل من “الانتشاء” من إحباط تلك العمليات وضبط أسلحتها واعتقال أفرادها، وكان أبرزها عملية استباقية ضد مجموعة مسلحة يوم الأحد 25 أيار/مايو، نفذتها القوات الأمنية وقامت باعتقال 16 عنصرا إرهابيا على ثلاث مراحل، وفق تصريحات صدرت عن وزارة الداخلية.

لكن المعطيات التي كشف عنها المسؤولون الأمنيون كمن يعلن “النصر في الحرب” تبرز في الوقت نفسه حجم الخطر المتربص بتونس عند حدودها الشرقية. وهو خطر بات أكيدا بعد قتل أربعة امنين كانوا يحرسون منزل وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدّو يوم الثلاثاء 27 أيار/ مايو 2014 في محافظة القصرين (250 كلم غربي العاصمة التونسية) نتيجة هجوم مسلّح نفّذته مجموعة من “المتشدّدين” وفق تصريحات رسمية.

الخطر القادم من ليبيا

لا تحدد السلطات التونسية كميات الأسلحة الوافدة من التراب الليبي وتقتصر على تحديد نوعها. ويقول الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي، “تتمثل المتفجرات في ألغام أرضية، وأحزمة ناسفة، وعلب كهربائية جاهزة للتفجير، وصواعق”.

وتؤكّد وزارة الداخلية على أن الحدود الشرقية لتونس لازلت “مخترقة” وأن أنشطة الجماعات فيها تشمل تهريب السلاح والأفراد، وهو ما يتّضح في تأكيد المتحدث باسمها بخصوص “ضبط سلاح في مناطق العمران”، دون أن يحدد إن كان السلاح المضبوط في الجنوب التونسي لدى مجموعات تسلّلت من ليبيا إلى تونس قد هرّب حديثا أم هو “المخازن” التي أعدها الإرهابيون لقادة الجماعات السلفية في ليبيا أو تونس.

وتؤكّد تقارير أمنية وتصريحات لمحللين أن العلاقة بين الجهاديين التونسيين والليبيين بلغت أشواطا متقدمة من التعاون والشراكة.

هذا التعاون بين “المتشدّدين” يمثّل خطرا على تونس، لاسيما وأن انتقال الانفلات الأمني وتدهور الأوضاع من ليبيا إلى تونس أمر وارد.

وهو ما يرجّحه  يسري الدالي الخبير في سياسات الأمن الشامل، في تصريح لجريدة المغرب المحلية، حيث يعتبر أن انعكاسات الانفلات الأمني في ليبيا على تونس أمر محتوم لا يمكن إغفاله، دون أن تفته الإشارة إلى أن “الجماعات المسلحة في ليبيا” لم تعلن عقيدتها الأمنية ولم تحدد نظرتها الى تونس وان كانت ستتعامل معها “كعدو”. وهو ما يستوجب من وجهة نظره أن تتخذ السلطات التونسية إجراءات “استباقية” وتستعد عسكريا وأمنيا “فكل الاحتمالات واردة” في تقديره.

ويشير الدالي إلى أن إجلاء أعضاء البعثات الدبلوماسية من ليبيا أو خفض عددها سيجعل من “فرضية استهداف البعثات الدبلوماسية الأجنبية في تونس احتمالا قائما”.

مقاتلون تونسيون في ليبيا

نشرت صحف ليبية تقريرا أكّدت فيه أن مصادر أمنية ليبية أعلنت أن هناك حوالي ألفي مقاتل تونسي في ليبيا ينشطون في صفوف الجماعات المتشدّد التي انتشرت في ليبيا منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي.

فقد استغّل “المتشددون” ومنهم عناصر من القاعدة وتنظيم أنصار الشريعة في ليبيا، حالة الفوضى لتهريب السلاح وإقامة معسكرات لتدريب المقاتلين، مما جعل منها “ملاذا لكل أنواع الجماعات المتشددة”. وباتت ليبيا “جنة” الجماعات الدينية المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة الدولي نظرا لضعف السلطة المركزية ووجود مناطق خارجة عن سيطرة الدولة، إضافة إلى امتداد حدودها وسهولة التسلل عبرها إلى دول جنوبي الصحراء وهو ما يسمح بتدفق السلاح والرجال.

هذه المعطيات يؤكّد المتحدث باسم وزارة الداخلة محمد علي العروي أنّ وزارته على علم بها. وأكّد أن لدى الوزارة معلومات عن عدد المقاتلين التونسيين في ليبيا وعدد المعسكرات التي يتدّربون فيها وأنّها تتبع خطواتهم وهي على استعداد لإحباط أي محاولات لتسلّل هذه المجموعات الى تونس، مثلما حدث في الأسابيع الأخيرة.

تغيير الاستراتيجية

“هشاشة الوضع نسبيا في الحدود التونسية الليبية، تستغلّه الجماعات الدينية المتشدّدة لتنفيذ مخططها”، ذلك ما يراه الهاشمي الطرودي، صحفي مختصّ في الجماعات الإسلامية، الذي يعتبر أن قائمة الأسلحة المحجوزة في الفترة الأخيرة تبيّن أن الجماعات المتشددة غيرت من قائمة “أهدافها”، لافتا إلى أنها انتقلت من استهداف أفراد إلى استهداف مجموعات ومنشآت، وأنها لن تفرق فيها بين مدني وعسكري.

هذا التطور في الاستراتيجية يشترك الهاشمي الطرودي في تفسير أسبابه مع الناطق باسم وزارة الداخلية، حيث يعتبر أن الهدف منه، إيجاد حالة من الفوضى عبر ضرب الاستقرار الأمني والاقتصاد التونسي مما سيدفع قوات الأمن والجيش إلى إعادة تشكيل توزعها وانتشارها بما يسمح بإحداث فراغ في مناطق معينة وهي بالأساس في الجنوب التونسي والمنطقة الحدودية مع ليبيا.