المجد للمجهولين يا عواطف. هكذا كتبنا وابتذلنا. مجهولي المعارك وتجهيز المواعيد الثورية. للثورة مجاذيب لا يعلمهم إلا الشوارع. فقط هي من تحفظ وجوههم عن ظهر قلب، تعلم بقوة صلادتهم وبشدة خوفهم من أن تنتهي المعركة. أن تتراجع الصفوف للخلف. أن يستجيب المقاتلون بالأمام لنداء “إرجع” الذي عطلنا كثيرا. كانت الثورة بداية جديدة لنا جميعا، ولكنها كانت كل شيء للمجهولين.

المجد للمجهولين يا عواطف. هكذا كتبنا وابتذلنا. مجهولي المعارك وتجهيز المواعيد الثورية. للثورة مجاذيب لا يعلمهم إلا الشوارع. فقط هي من تحفظ وجوههم عن ظهر قلب، تعلم بقوة صلادتهم وبشدة خوفهم من أن تنتهي المعركة. أن تتراجع الصفوف للخلف. أن يستجيب المقاتلون بالأمام لنداء “إرجع” الذي عطلنا كثيرا. كانت الثورة بداية جديدة لنا جميعا، ولكنها كانت كل شيء للمجهولين.

أحد هؤلاء هو “نوبي” الشاب العشريني الأسمر، فتى عابدين المجهول، الذي كان يشارك في تجهيز أغلب المواعيد الثورية، ونزول الجماهير للشوارع دون رغبة في شهرة أو في أي شئ غير استكمال ما بدأه. كنت قد تعرفت على نوبي بعد إصابة أحمد حرارة الثانية في أحداث محمد محمود في 2011. كان نوبي العون لحرارة دائما وأبدا بعد إصابته. كان كل يومه يدور حول الثورة والثوار. كان شديد الإخلاص للفكرة. لقد رافقنا في كل شئ، في محمد محمود ومجلس الوزراء وفي نكبة بورسعيد، وبعد الحكم على مبارك والعادلي، وبعد فوز مرسي، وفي الإتحادية. لم يغب يوماً، حتى عندما زادت حوادث التحرش والإغتصاب الجماعي في الميدان. كان نوبي أحد المنظمين للمسيرات المناهضة للظاهرة حينها. كان يتولى تنظيمها والمشاركة في تأمينها في الوقت الذي انشغل فيه الكثيرون.

كانت فرحته بعد نجاح كل حدث ثوري تعطيكِ بعض الأمل في أحلك الأيام. كان نوبي أحد شباب المناطق الشعبية التي أشارت لهم الثورة بإمكانية النجاة، فسارع في ركبها. وبمرور ثلاث سنوات، فالأيام تحتم على نوبي اليوم أن يسارع ركب الأيام ليقضي عقوبة خمسة عشر عام، حكم عليه بهم القاضي غيابياً وهو ينتظر بالخارج أمام المحكمة مع زملائه في القضية، على خلفية قضية مجلس الشورى المتهم فيها هو وعلاء عبد الفتاح الذي نال هو الأخر ذات العقوبة وبقية شركاء القضية.

لحبس نوبي رمزية كبيرة يا عواطف. فنوبي يمثلني ويمثلنا جميعاً. أزكيه على نفسي وعلى الآخرين. هذا الثائر الحق الذي لا يهدأ أبدا، لا يستحق أن يقضي يوم واحد ظلم داخل الليمان القاسي، فالأيام لا تهوّن الظلم ولا خيبة الأمل أبدا يا عواطف.

كنت قد انقطعت عن العمل منذ بداية الثورة تفرغاً لها يا عواطف. وإنقطعت عن صلتي بأغلب الموظفين الذين أعرفهم بصفة شخصية، سواء كانوا في مصالح حكومية أو شركات القطاع الخاص. كانت تصلني إستفزازات الموظفين الفلول أو حزب الكنبة عن طريق أصدقائي الثوار في عملهم. كنت سعيد بأنني بعيدا عن كل تلك الأشياء في هذا الوقت.

وفي يونيو الماضي عندما مررت في اليوم الأول لعملي الجديد حينها، شاهدت زملائي الفلول وأتباع حزب الكنبة، ولذلك، فالأمر لم يكن الأمر بسيطاً عندما شاهدت لوجو “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين” في أحد مكاتب الشركة يا عواطف. كان الأمر مبهج للغاية، كان حينها مرسي في أيامه الأخيرة وتم طبخ دستور الإخوان ولم يتم الإستجابة للمطلب الذي رفعه الثوار برفض محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. كان ولازال مرسي والإخوان لا يعترفون بالثوار وما يقولونه وما يطالبوا به.

سرت السعادة لنفسي، وتعرفت على صاحب المكتب. كان شابا ثلاثينيا. ذكي، مجتهد ومبتكر في مجال البرمجة مجال عمله. كان أبا لطفلين حينها، صغار جدا. كان يستمع لأغاني الثورة، ويلقنهم إياها، ويأخذهم معه للميدان ولتظاهرات الإتحادية حينها. كان يتكلم كثيرا عن قدرة الثوار على الإطاحة بالاخوان دون الحاجة لتدخل المؤسسة العسكرية. كان شديد الحماسة والإيمان بقدرة جيلنا.

كنت قد علمت منذ ظهور تمرد على السطح بأنها يد المؤسسة العسكرية لحشد الشارع خلفها، فضلاً عن محاربة كل مؤسسات الدولة لمرسي بعدما ظن أن الإخوان سينفردون بكل شيء دون الحاجة للثوار و دون السيطرة على مؤسسات الدولة كرئيس وليس كجماعة، فضلاً عن الأزمات المفتعلة حينها كالبنزين والكهرباء. لم يدر بخلد ذلك الشاب الثلاثيني، بأن أطفاله الذي يقوم بتصويرهم في كل مكان ويحضر كل حفلاتهم المدرسية سيمنعون عنه يوماً ما، و بأن القضاء العادي الطبيعي الذي طالب كثيراً بامتثال المواطنين أمامه، سيحكم عليه بخمسة عشر عاماً غيابياً، وهو بالخارج أمام المحكمة ينتظر دخوله. لم يدر بخلد وائل متولي وأقرب أصدقائه أن دفاعه عن القانون الذي يحترمه، سوف يزج به للسجن يوماً ما، بعيداً عن أطفاله و زوجته يا عواطف. 

السيسي لم يعادي علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر ودومة وحدهم يا عواطف. السيسي عادى مجهولي الثورة. عادى جنود المعارك والأفكار. لن يستطيع تبرير موقفه كما اعتادت السلطات المصرية دائما بالتشويه عن طريق نسج أساطير التمويل لصالح دول أجنبية، فهذه المرة، المحكوم عليهم هو نوبي أحد أبناء عابدين، ووائل متولي المبرمج.

لكل منا نصيب في قبضة حرية وائل ونوبي، هؤلاء المخلصين المجاذيب، قمعهم هو قمع لنا، ونزولهم للسجون بجانب أكثر من 40 ألف معتقل، لن يوفر سبل الأمان للدولة، أبدا.

إن غلطة مرسي ومن قبله المجلس العسكري ومبارك، بأنهم عادوا كل المجتمع. ومعاداة المجتمع بكل طبقاته، تأتي من معاداة أفراد تلك الطبقات. وكلما زادت الدولة في سيطرتها على مجريات الأمور كلما انتشر الظلم في المجتمع بقمع وائل ونوبي وغيرهم من المجهولين، عندما يستقر المرار في نفوس أفراد عائلاتهم وأصدقاءهم. الأمور تبدأ بشكل شخصي دائماً. وإن كان السيسي_كما يقول_ ليس مُحملا بفواتير انتخابية لأحد، فهو غارق حتى الثمالة في فواتير قمعه الشخصية لدينا يا عواطف.